تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قضايا مقتل صحفيين أمريكيين في سوريا على يد نظام الأسد، وذلك بحسب تسجيلات تؤكد ضلوع النظام في ذلك.
حيث تفضح المكالمة الأخيرة في 22 فبراير/شباط 2012 مع مراسلة الحرب الأمريكية “ماري كولفن” عبر برنامج سكايب أصوات المدفعية المحيطة بها، وتعالي الصرخات القائلة “إنها ميتة”.
وبحسب أحد المنشقين عن نظام الأسد فقد أعرب ضابط في المخابرات العسكرية، الذي كان قد أُمر بمراقبة الصحفيين وتصفيتهم، في وقت لاحق من ذلك اليوم عن ابتهاجه بمقتل الصحفية قائلاً: “لقد كان ماري كولفن كلبة وهي الآن ميتة، فليساعدها الأمريكيون الآن”.
وأشارت الصحيفة إلى أن مكالمة السكايب وحساب المنشق هي من بين المواد التي قدمها محامون يعملون لحساب عائلة كولفين إلى قاضٍ في واشنطن في دعوى قضائية تم رفعها ضد النظام السوري وتسعة مسؤولين أمنيين سوريين. وقد أفصحت القاضية ايمي بيرمان جاكسون عن بعض هذه الوثائق يوم الاثنين. ويقول المحامون إن التسجيلات تقدم أقوى دليل حتى الآن على استهداف قوات الأسد لصحفيين أجانب كانوا يوثقون الفظائع المتزايدة في سوريا، إلى جانب مدنيين سوريين يساعدون المراسلين على جمع المعلومات.
ونقلت الصحيفة عن محامي عائلة كولفن “سكوت غليمور” قوله: “هذه الوثائق تسمح لنا بإعادة بناء التخطيط الأوسع للسياسة التي حددت العاملين في المجال الإعلامي كمستهدفين في وقت مبكر جداً في النزاع. كما أنها تحدد جوهر القيادة والتحكم وتكشف أشياء لا يعلمها حتى خبراء سوريا”.
واعتبرت أنه من المستحيل التحقق من الوثائق بشكل مستقل، لكن العديد من الخبراء، بما في ذلك الدبلوماسيين والمسؤولين الحكوميين والباحثين الأكاديميين، قد أيدوا عمل اللجنة التي أسسها المحقق الكندي في جرائم الحرب ويليام وايلي.
وأشارت الصحيفة إلى آخر ما كتبته الصحفية كولفن لصحيفة صنداي تايمز أوف لندن، التي كانت مراقباً قديماً في العديد من النزاعات،عن وفاة آخر صحفي – ريمي أوشليك ، 28 عاماً، وهو مصور صحفي فرنسي مستقل، في نفس الهجوم الذي أودى بحياة زوجها في حي بابا عمرو المحاصر في مدينة حمص. وقد أكد المسؤولون السوريون أن الصحفيين العاملين في الأراضي الخارجة عن سيطرة الحكومة، مثل الصحفية كولفين، انتهكوا القانون.
قال الأسد لشبكة إن بي سي نيوز في عام 2016: “إنها حرب ودخلت إلى سوريا بشكل غير قانوني، وعملت مع الإرهابيين، ولأنها جاءت بشكل غير قانوني، فقد كانت مسؤولة عن كل ما أصابها”، نافياً أن تكون السيدة كولفن مستهدفة. ولم ترد حكومة الأسد على دعوى عائلة كولفن.
وتُرجح الصحيفة أن هذه الوثائق تكشف عن عمل خلية إدارة الأزمة. حيث تظهر إحدى الوثائق كيف اعترضت القوات العسكرية والأمنية الاتصالات بين الصحفيين والنشطاء، وأحد الأمثلة هو قيام ضباط المخابرات بنقل معلومات حول صحافي الجزيرة إلى وحدة عسكرية خاصة مع التعليمات التي تقول “اتخذ الإجراءات اللازمة”. كما يستشهد المحامون بعدة حسابات الكترونية لشهود مختلفين، وأحدها “قيصر” الذي قام بتدوين ملاحظات الزائفة التي اختلقها الجنرال “رفيق شحادة” عن الصحفية كولفن. وقال قيصر للمحامين بأن قوات الأسد أمرت بالهجوم على الصحفية كولفن وزملائها كجزء من حملة أوسع لتتبع واعتقال واستهداف المتظاهرين الذين وصفهم النظام بأنهم يشوهون صورة سوريا من خلال التحدث إلى الصحفيين والأجانب الآخرين. وشهد قيصر أيضاً بأن رئيس المخابرات “علي مملوك”، تلقى معلومات من مسؤولين لبنانيين مفادها أن صحفيين أجانب كانوا يعبرون الحدود السورية للوصول إلى حمص، وأوعز إلى قائد اللجنة الأمنية في المدينة السورية المركزية “بالقبض على الصحفيين “و” اتخاذ جميع التدابير اللازمة”. وقال قيصر أن العبارة تعني عادة” إذن القتل إذا لزم الأمر”.
وأوضحت الصحيفة أن شاهدين آخرين يؤكدان انتهاج نظام الأسد لهذه الاستراتيجية. وأحدهما عبد المجيد بركات وهو عضو سكرتارية سابق في خلية إدارة الأزمة، الذي اطلع على وثائق تؤكد بأن السوريين الذين يقدمون معلومات للصحفيين يمثلون تهديداً للأمن القومي. وقال شاهد آخر هو “أنور مالك”، وهو عضو جزائري في بعثة متابعة للجامعة العربية، إنه استقال من المهمة بعد أن أصبح يعتقد أن الأعضاء كانوا يعملون كعملاء للحكومة ويزيلون الأدلة على الهجمات الحكومية على المدنيين، بما في ذلك قضية صبي يبلغ من العمر خمس سنوات قُتل من قبل قناص.
وصف السيد مالك المحادثات في حمص في يناير 2012 مع أحد أعضاء لجنة إدارة الأزمات، ونائب وزير الدفاع “آصف شوكت”، صهر الأسد. وقال إن شوكت أخبره أنه من الضروري قتل المدنيين لهزيمة “الإرهابيين”، وأنه “كان من الممكن أن يدمر بابا عمرو في 10 دقائق إذا لم يكن هناك أي كاميرات فيديو” وأن الصحفيين الأجانب الذين ينقلون الأخبار من بابا عمرو هم “عملاء” لإسرائيل وبلدان أخرى ويجب استهدافهم. مضيفاً: “بالنسبة لنا هؤلاء إرهابيون. وهم أهداف لخدماتنا العسكرية وقواتنا الأمنية”. وتحدثت الصحيفة عن عملية دخول الصحفية كولفن برفقة صحفي بريطاني من خلال أنبوب مياه يبلغ طوله أربعة أمتار إلى المركز الإعلامي للناشطين، وقد قال قيصر أن مخبراً لموظفي المخابرات قد أبلغ عن مكان وجودهم.
وبحسب ما قاله الصحفي البريطاني للمحامين فقد كان القصف عنيفاً وبلا رحمة على جميع أنحاء الحي، وتغيرت موجة القصف في اليوم التالي لتستهدف أطراف البيت الذي جعل منه الناشطون مركزاً إعلامياً. وراحت يومها الصحفية كولفن من بين الضحايا، وبحسب شهادة قيصر فقد كان ماهر الأسد شقيق الرئيس أحد المشرفين على عملية الاستهداف.
عذراً التعليقات مغلقة