أدب وفنون الثورة.. بين الارتجال والالتزام

عماد غليون21 مارس 2018آخر تحديث :
أدب وفنون الثورة.. بين الارتجال والالتزام

عادة ما تسبق الثورات الكبرى إرهاصات وأعمال أدبية وفنية وفكرية تبشر بها وتكشف عن توجهاتها وملامحها الأساسية؛ وكانت الثورة السورية نتاجاً مباشراً للربيع العربي رغم وجود ما يكفي من الأسباب الداخلية لاندلاعها.

سادت المظاهرات الأولى العفوية والبساطة في الشعارات والتنظيم؛ ثم طغى عليها الطابع الشعبي من خلال الأناشيد والأغاني التراثية التي كانت تثير حماس الجماهير؛ خاصة مع أداء أصوات شجيّة جميلة ذاع صيتها مثل القاشوش في حماة في “يللا ارحل يا بشار” وساروت حمص في “سكابا يا دموع العين سكابا” وغيرهم؛ وبقيت تلك الأعمال ضمن إطار الارتجال والفردية ولم تتحول لأعمال فنية؛ أطلق الفنان سميح شقير أغنية “يا حيف” لاستنكار إطلاق الجيش النار على المتظاهرين في درعا وبقي شقير الملتزم بطبيعة الحال ناشطاً ومتمسكاً بالثورة وأهدافها.

وقد كسب بعض الفنانين في الخارج الشهرة من خلال مشاركتهم في فعاليات ثورية منهم وصفي المعصراني وأغانيه المشتركة مع الساروت، وبرز خاطر ضوا ويحيى حوى وصقر حمص والأخوين ملص وغيرهم؛ ورغم أن بعض أعمالهم مبتكرة وجميلة إلا أن نشاطهم تأثر بتراجع الحراك في الخارج ولم تظهر لهم أعمال جديدة تكرس تجربتهم الفنية الثورية.

لم يتساهل النظام مع الفنانين وواجه بقسوة مظاهرتهم الأولى الوحيدة والمشهورة؛ وبات على فناني الداخل تأييد النظام الذي  يحكم سيطرته على إنتاج الدراما والأعمال الفنية ويتحكم بعمل نقابة الفنانين؛ لكن مواقف بعض الفنانين المشهورين كانت مخزية كونها بالغت في دعم جرائم النظام؛ ومن أشهر مؤيدي النظام جورج وسوف ودريد لحام وسوزان نجم الدين ورغدة وبشار اسماعيل وزهير رمضان وغيرهم كثير؛ وفي المقابل بدأ يظهر في الخارج فنانون مع الثورة منهم أصالة ومالك الجندلي وعبد الحكيم قطيفان وفارس الحلو ونوار بلبل وجلال الطويل ويارا صبري ومي سكاف وغيرهم.

ورغم ظهور بعض الأعمال لهيثم حقي وغيره لم يتم إنتاج أعمال درامية أو أفلام ثورية ناجحة؛ وربما يعود ذلك لضعف الإمكانيات وافتقاد النصوص المبتكرة؛ لكن الفنانين نوار بلبل وجلال الطويل قدموا بعض الأعمال المسرحية الموجهة أساساً للأطفال.

لكن؛ رغم الحاجة الماسة لم تظهر أعمال فنية توضح صورة الثورة للخارج وتبيّن جرائم النظام بحق الشعب السوري؛ وقد تم تعويض ذلك من خلال بعض الأفلام التسجيلية والوثائقية التي عمل عليها بعض الشباب في الداخل؛ وقد لاقت بعض تلك الأعمال النجاح وحصدت جوائز في بعض المهرجانات؛ مثل فيلم ماء الفضة لوئام بدرخان مع المخرج أسامة محمد؛ وفيلم القبعات البيضاء عن رجال الدفاع المدني الأحرار وتضحياتهم لإنقاذ المدنيين؛ ومن الطبيعي ألا تستمر هذه الموجة من الأفلام بعد التحولات في مسار الثورة السورية وتراجع التعاطف والتأييد الخارجي لها.

على الصعيد الأدبي تحول الكثير من كتاب الداخل المشهورين لتأييد النظام الذي يسيطر على اتحاد الكتاب العرب والمنتديات الثقافية والفكرية في البلاد؛ لكن مواقف أدونيس ونزيه أبو عفش كانت صادمة بسبب سعيهم تقديم تبريرات للنظام والطعن  والتشكيك في الثورة.

بدأت تظهر في الخارج الكثير من الأعمال في الرواية والشعر وخاصة لأدباء شبان؛ وكذلك ظهرت كتب تتحدث عن شهادات شخصية وتجارب خلال فترة الثورة؛ وأتاح ذلك الفرصة لظهور العديد من المواهب الشابة؛ لكن هكذا أعمال تبقى محدودة الهدف ولا يكتب لها الاستمرار.

لا يمكن ترشيح أي عمل أدبي أو فني ليكون ممثلاً للثورة ومعبراً عن روحها ووجدانها؛ ويبدو أننا لا نزال في مرحلة مخاض عسير قبل ولادة عمل عظيم بحجم الثورة السورية.

لم تتح ظروف المناطق المحررة المعقدة أي فرصة لبروز أعمال فنية ثورية ضمن البيئة الطبيعية؛ بينما يعمل النظام لإنتاج المزيد من الأفلام التي تخدم البروباغاندا الخاصة به في محاربة الثورة وتشويه صورتها أمام الخارج؛ ومن المهم الحذر ومتابعة وفضح ما يقوم به النظام.

والسؤال الأهم: هل كانت صدمة الثورة السورية كبيرة لدرجة  عجز خيال الكتاب والأدباء عن فهمها والتعبير عنها؟

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل