نشر موقع “ميدل إيست آي” مقالاً للمحلل السياسي الكندي الإيراني شاهر شاهدساليس، يشير فيه إلى خطة وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو قتل الاتفاقية النووية، ودفع المواجهة مع إيران إلى الحافة.
ويقول الكاتب في مقاله، إن “تعيين بومبيو وزيراً جديداً هو الخيار المناسب لدونالد ترامب، فيمكن له أن يرضي مواقف ترامب الأيديولوجية، وسيعطيه الشجاعة لتحقيق وعده الذي عبر عنه خلال الحملة الانتخابية أكثر من مرة، وهو تدمير الاتفاقية الإيرانية”.
ويضيف شاهدساليس: “صحيح أن ترامب وتيلرسون لم يكونا مناسبين لبعضهما منذ البداية، إلا أن تنحية تيلرسون لها علاقة بتحفظه على إعلان ترامب لقاءه مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، لكن المراقبين متفقون بشكل كامل على أن موضوع إيران كان في جوهر الخلاف بين الرئيس ووزير خارجيته السابق”.
ويشير الكاتب إلى أن ترامب قال في أثناء الإعلان عن تنحية تيلرسون، إنه وتيلرسون لم “تسر العلاقة بينهما بشكل جيد”، و”اختلفا في أمور”، و”عندما تنظر إلى الاتفاقية مع إيران، اعتقدت أنها رهيبة، واعتبرها (تيلرسون) جيدة”، و”كنت أريد تمزيقها أو عمل شيء بشأنها، لكنه فكر بطريقة مختلفة، مع بومبيو فإننا نفكر بالطريقة ذاتها”.
ويلفت شاهدساليس إلى أن بومبيو وصف إيران في الخريف الماضي “بدولة بلطجة بوليسية” و”ثيوقراطية مستبدة”، فيما كتب بعد انتصار ترامب بفترة قصيرة تغريدة، قال فيها: “أتطلع لإلغاء هذه الاتفاقية الكارثية مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”، مشيرا إلى أنه بموجب تعليمات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”، فإنه تم حذف حساب بومبيو على “تويتر” بعد تعيينه مديرا لها.
ويعلق الكاتب قائلاً: “صحيح أن إيران تقع في قلب التشابه بين عالمي ترامب وبومبيو، لكن عندما ينظر الشخص لمواقف بومبيو من قرار (منع المسلمين)، ومواقفه بشكل عام من المسلمين، فإنه يجد نوعا من التشابه بينهما، ففي عام 2015 كان بومبيو مجرد نائب في الكونغرس، اتهم باراك أوباما بأنه وقف مع (الشرق المسلم) ضد (الغرب المسيحي)، وقال: (في كل مرة يندلع فيها نزاع بين الغرب المسيحي والشرق المسلم تشير البيانات كلها إلى اتجاه واحد)، وقال: (من الواضح أن هذه الإدارة -وأقصد جزءا صغيرا من القيادة في واشنطن- توصلت إلى نتيجة، وهي أن أمريكا ستكون مرتاحة مع تأثير إيراني أكبر، خاصة في الشرق الأوسط)”.
ويتحدث شاهدساليس عن السيناريوهات المقبلة في العلاقة مع إيران، ويرى أن “التصعيد سيبدأ عندما يرفض ترامب المصادقة على الاتفاقية النووية، وان إيران ملتزمة بشروطها، وتتبع ذلك إعادة فرض العقوبات على إيران، في 12 أيار/ مايو عندما سيقرر ترامب إذا كان هناك تمديد لقرار رفع العقوبات بموجب الاتفاقية”.
ويبين الكاتب أنه “قياسا على تجربة السنوات المضطربة، في الفترة ما بين 2003 – 2013، فإن إيران ترد عندما تواجه عقوبات اقتصادية شديدة بتوسيع برنامجها النووي”.
ويتساءل شاهدساليس: “هل يعلم المتشددون الأمريكيون حدود ما يفعلونه؟ والجواب نعم، فهدفهم الرئيسي ليس إحباط الاتفاقية النووية فقط، ففي عام 2015 عندما دعا السيناتور توم كوتون لعقوبات قوية ضد إيران، فإنه كشف عن أنه كان يعرف النتيجة: (أولا، إن هدف سياستنا يجب أن يكون واضحا، وهو تغيير النظام في إيران.. لكن نهاية هذه المفاوضات لن تكون الأثر المقصود للتحرك الذي يريد الكونغرس أخذه، بل هي الأثر المقصود)”.
ويفيد الكاتب بأن “بومبيو يؤمن بهذا الرأي، فقال: (على الكونغرس التحرك لتغيير سلوك إيران والنظام الإيراني في النهاية)، حيث كان بومبيو يعلق بعد عام على توقيع الاتفاقية النووية، وعليه فإن الخطط المستمرة لتوسيع العقوبات الأمريكية ورد إيران بمواصلة مشروعها النووي لن تؤدي إلا إلى مواجهة عسكرية، ففي عام 2014 تحدث بومبيو في رد قاس على الاتفاقية أثناء مشاركته في مؤتمر، قائلا: (في وضع سري فيمكن لألفي غارة أن تدمر قدرات إيران النووية، وهذه ليست عملية صعبة لقوات التحالف)، وفي عام 2015 تناول باراك أوباما هذه النقطة التبسيطية والخطيرة لهذه الفكرة، حيث قال: (يناقش البعض أن عملية عسكرية دقيقة ضد المنشآت النووية الإيرانية ستكون سريعة ودون خسائر.. ولو تعلمنا شيئا من العقد الماضي فهو أن الحروب بشكل عام، وفي الشرق الأوسط تحديدا، ليست سهلة)”.
ويقول شاهدساليس إن “مطلب ترامب الرئيسي بشأن الاتفاقية النووية هو التمديد غير المحدد لفترة تخصيب اليورانيوم والنشاطات النووية الأخرى، التي تنتهي بناء على مواعيد كما ورد في الاتفاقية (في حال لم تلتزم إيران، فإن العقوبات الأمريكية ستفرض بشكل تلقائي)”.
وينوه الكاتب إلى أنه “من ناحية الإيرانيين، فإنهم لن يقبلوا برنامجا نوويا كرتونيا بعدما أنفقوا بحكمة ودون حكمة على برنامجهم النووي، وخسرت إيران منذ عام 2011، 185 مليار دولار بسبب العقوبات التي فرضت عليها، وهذه هي أرقام صندوق النقد الدولي، إلا أن بعض الخبراء يقدرون الخسائر بحوالي 500 مليار دولار، والسبب الرئيسي الذي جعل الإيرانيين يوافقون على وقف برنامجهم النووي هو التأكيدات التي تلقتها طهران، التي تتعلق بتوسيع برنامجهم إلى قاعدة صناعية، في فترة 10 – 15 عاما، وعليه فلن تقبل إيران بشروط ترامب”.
وينقل الموقع عن نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين في الملف النووي عباس عراقجي، قوله: “إن الولايات المتحدة جادة في مغادرة الاتفاقية النووية، وجاءت التغييرات في وزارة الخارجية من أجل هذا، على الأقل كان أحد الأسباب”، وأضاف: “لقد أخبرنا الأوروبيين -فرنسا وبريطانيا وألمانيا- إن لم يقنعوا الولايات المتحدة بالبقاء وقررت الخروج، فإن إيران ستخرج”.
ويعلق شاهدساليس قائلا إن “تصريح عراقجي يجب ألا يؤخذ على أنه هزل، فلو قررت الولايات المتحدة الخروج من الاتفاقية -أي إعادة تفعيل العقوبات ضد إيران وقطاعها المصرفي والنفطي- فلا معنى لإيران في المعاناة من الضغوط الاقتصادية من ناحية، والالتزام بالقيود المفروضة على برنامجها النووي من جهة أخرى، وعليه فإن هناك تطورين يمكن أن يحدثا لإيران:
-الأول هو أن يقوم المتشددون بدفع المعتدلين إلى الهامش، بشكل تتسيد فيه الراديكالية السياسة الخارجية الإيرانية، فمع التصعيد مع الولايات المتحدة إلى مستويات عالية، فإن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، سيقوم بمهاجمة المعتدلين، من خلال القول: طالما قلت إنه لا يمكن الثقة بالأمريكيين، إلا أن بعض السذج أكدوا منح المفاوضات فرصة من خلال عقد الاتفاقية.
-الثاني: قد تتجه إيران باتجاه الشرق، ورد رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجرودي، على التطورات الأمريكية بالقول: (يجب أن يكون التوجه نحو الشرق هو أهم عنصر في السياسة الخارجية)”.
ويورد الموقع نقلا عن مدير المخابرات البريطانية “أم آي6” حتى عام 2014 جون سويرز، قوله في عام 2005، إنه أخبر عضو الوفد الإيراني المفاوض حسين موساويان، أن واشنطن لن تتسامح مع دوران أجهزة الطرد المركزي في إيران، وأضاف أن مقترحات إيران بأن تحتفظ بالمفاعل النووي التجريبي في نانتز لن تترك أثرها على هذا الوضع، فرد موسويان قائلا: “انظر جون، لقد اتخذ النظام قراره، فستواصل إيران تخصيب اليورانيوم حتى لو أدى هذا إلى حرب”.
ويذكر الكاتب أن المحادثات انهارت في عام 2005، وبدأت إيران تخصيب اليورانيوم، وزادت عدد أجهزة الطرد المركزي، من 164 إلى 19 ألف جهاز، مشيرا إلى أن هذا كله مع أن الاتفاق السابق أبقى على عدد أجهزة الطرد 164 ولمدة متفق عليها.
ويقول شاهدساليس إن “بومبيو هو من أكبر الداعمين المتحمسين لإسرائيل، ففي عام 2015، وعندما كان من الناقدين الكبار لإدارة باراك أوباما لمحاولاته حل الأزمة بطريقة دبلوماسية مع إيران، قال إن (التوقف عن الدعوة لتدمير إسرائيل يجب أن يكون شرطا للاتفاق مع إيران)، وبعد لقائه مع بنيامين نتنياهو عام 2015 مدحه بومبيو، قائلا بأنه (الشريك الحقيقي للشعب الأمريكي)، وأضاف: (كان حوارنا مثيرا بشكل لا يصدق، حول التهديدات الحقيقية التي تواجه كلا من إسرائيل والولايات المتحدة، ومحاولات نتنياهو منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية يجب احترامها بشكل كبير، وينبغي تقديرها بعمق)”.
ويؤكد الكاتب أنه “مما لا شك فيه فإن بومبيو سيكون رجل إسرائيل، ففي تشرين الأول/ أكتوبر كان ضيفا على المؤسسة التي تطلق على نفسها (مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات)، التي تعد من أعمدة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، والتي كرست نفسها لتغيير النظام الإيراني، وقدمه الرئيس والمستشار البارز للمؤسسة خوان زاراتي، قائلا: “ليس هناك سر، فأنا لست صحافيا غير متحيز، وأنا معجب بهذا المدير، وعملت على العملية الانتقالية ، وبصراحة فأنا أحب هذا الرجل، وأنا مؤمن بالمفهوم الويبيري، والقائل إنه يجب أن تضع تحيزك أمامك قبل أن تبدأ الأسئلة)”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن “الرؤية عن أن ترامب وبومبيو يشتركان في الحقد ضد الحكومة الإيرانية، ودعم اليمين الإسرائيلي، هي بمثابة الوصفة للمواجهة العسكرية الأمريكية الإيرانية، وربما كان الطريق الوحيد لتجنب هذه المواجهة هو التدخل الأوروبي، ومنع ترامب من اتخاذ الخطوة الأولى باتجاه إعادة فرض العقوبات التي تسبب الشلل لإيران”.
عذراً التعليقات مغلقة