خلال 14 شهراً من توليه حقيبة الخارجية الأميركية، ظهرت خلافات واضحة بين وزارة الخارجية بقيادة ريكس تيلرسون وخطاب البيت الأبيض والرئيس الأميركي وتصريحاته المثيرة للجدل.
وفاجأ ترامب وزير خارجيته بقرار الإقالة الثلاثاء بطريقة غير معهودة، حيث أعلن الرئيس الأميركي قراره عبر تويتر قائلاً: “مايك بومبيو مدير المخابرات المركزية سيصبح وزير خارجيتنا الجديد. سيقوم بعمل رائع! شكرا لريكس تيلرسون على خدماته! جينا هاسبل ستصبح المديرة الجديدة للمخابرات المركزية وأول امرأة يقع الاختيار عليها لهذا المنصب. تهانيَّ للجميع!”.
وأوضح ترامب “كنا متفقين بشكل جيد لكن اختلفنا حول بعض الأمور”، مضيفاً “بالنسبة إلى الاتفاق (النووي) الإيراني أعتقد أنه رهيب بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولاً وأردت إما الغاءه أو القيام بأمر ما بينما كان موقفه مختلفاً بعض الشيء، ولذلك لم نتفق في مواقفنا”.
ويعد وزير الخارجية الأميركي الجديد من (صقور) الإدارة الأميركية، وقد يسهم وصوله إلى سدة قيادة الدبلوماسية الأميركية باتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه كل من إيران وروسيا، ونفوذهما المتزايد في الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا، كما تأتي خطوة إقالة تيلرسون مع تصعيد واشنطن من لهجتها ضد نظام الأسد، وتهديدها بالتحرك منفردة خارج مجلس الأمن “إذا ما اقتضت الضرورة”، وتصاعد حدة الخطاب بين واشنطن وموسكو.
لا تغيير جذري بشأن الملف السوري
يرى المعارض السوري محمد صبرا أن قرار إقالة تيلرسون وتعيين بومبيو بدلاً منه يتعلق بانقسام داخل النخبة السياسية الأميركية وصراعات مراكز القوى ضمن المؤسسات الأميركية نفسها، حيث أن بومبيو يعد من الأيديولوجيين في الحزب الجمهوري أو بقايا “الريغانية الجديدة” إن أمكن القول التي جاء ترامب لإعادة إحيائها وتبنى شعاراتها.
ويضيف صبرا إن هذا السياق يتعلق تماماً بالصراعات داخل الإدارة الأميركية خاصة وأن هذه الإدارة لم تستقر حتى اللحظة، حيث لا يزال هناك عدد كبير فارغ من المناصب ولم يستطع الرئيس ترامب إنشاء إدارة مستقلة حتى اللحظة.
وحول انعكاسات تعيين بومبيو على الملف السوري، يعتقد صبرا أن الوزير الجديد يحمل مواقف أكثر حدة ووضوحاً من سلفه حول النفوذ الروسي في العالم وفي سوريا تحديداً، وهو أيضاً يتنبى مواقف حادة من النفوذ الإيراني.
ويستبعد صبرا حدوث تغيير جوهري في السياسة الأميركية تجاه الروس في سوريا تحديداً، حيث يرى أن وزارة الخارجية ليست صاحبة الكلمة فيما يتعلق بالموضوع الروسي تحديداً، وهذا الموضوع متروك لقرارات وزارة الدفاع (البنتاغون) التي لم تشهد حدوث تغييرات ولا يزال ماتيس على رأسها، فالمسألة تتعلق بعملية نفوذ على مستوى العالم وبالتالي هذا يدخل في سياق تخصصات البنتاغون ومجلس الأمن القومي، وتأثير وزارة الخارجية في العلاقة مع روسيا سواء باتجاه التنسيق أو المواجهة يكون محدوداً جداً، حيث أن الشأن الروسي له حسابات تتعلق بموضوع سباق التسلح ونفوذ حلف شمال الأطلسي (الناتو) على مستوى العالم.
وفيما يتعلق بالشأن الإيراني، يعتقد صبرا أن الاستراتيجية الأميركية لا تقوم على مواجهة النفوذ الإيراني بمعنى التصدي المباشر، وإنما استيعاب ذلك النفوذ والحد منه، حيث أن الولايات المتحدة دولة مسترخية في الزمن حسب وصفه، وبإمكانها أن تخوض صراعات لمدة قد تصل إلى 25 عاماً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مؤكداً أن مواجهة النفوذ الإيراني هو أمر متروك للسوريين أنفسهم.
ولا يخفي صبرا تخوفه من تسوية سياسية تفضي إلى تشاركية بين نظام بشار الأسد ومعارضة مشوهة، حيث أن هذه التسوية السياسية ستبقي النفوذ الإيراني في سوريا على حاله وربما تزيد منه.
ويؤكد صبرا أن السوريين معنيون وحدهم بمواجهة النفوذ الإيراني لأنه بات جزءاً أساسياً من تعقيد المشهد السوري من ناحية، والحد من آمال السوريين بدولة ديمقراطية عادلة لكل المواطنين من ناحية ثانية.
ويشدد في السياق ذاته على أن مواجهة النفوذ الإيراني تبدأ من نقطة الإصرار على أهداف الثورة ومبادئها وهي تغيير نظام بشار الأسد تغييراً جذرياً كاملاً دون أي استثناءات، أي تغيير بنية النظام سواء كانت البنية السياسية أو العسكرية أو الأمنية تغييراً كاملاً والذهاب إلى عملية انتقال سياسي حقيقي تمنح السوريين حرية اختيار شكل حياتهم وشكل اجتماعهم السياسي ونظام الحكم الذي يرتضونه، ومن دون هذا السياق لا يمكن الحد من النفوذ الإيراني وفق اعتقاده.
ويرى صبرا أن على السوريين الآن التواصل مع الإدارة الأميركية لشرح أن عملية الانتقال السياسي هي الأداة الوحيدة الممكنة من أجل مواجهة النفوذ الإيراني، مؤكداً على أن واشنطن لن تذهب باتجاه المواجهة مع إيران وبإمكانها خوض معارك طويلة الأمد، موضحاً أن تلك المعارك بطبيعة الحال لا تناسب أوضاع السوريين حيث أن المتغيرات وعامل الزمن هو عامل فارق وحقيقي، ويجب على السوريين حمل لواء قضيتهم وألا ينتظروا الأميركيين لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا.
خطوة تصب في مصلحة السوريين
فيما يعتقد الناشط السوري محمد غانم أن إقالة تيلرسون تصب في مصلحة السوريين، حيث أن موقف الأخير -باستثناء الأيام القليلة الماضية- كان معارضاً للتصعيد ضد روسيا ومجابهة النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما يعكس رأي ترامب شخصياً.
لكن الأهم منذ ذلك، بحسب غانم، هو أن تيلرسون لم يكن موافقاً للتصعيد مع إيران، ويرى أن أحد الأمور التي اصطدم بها تيلرسون مع الرئيس الأميركي وصقور الإدارة الأميركية هو الملف النووي الإيراني حيث أن معظم فريق ترامب نصحوه بعدم فسخ الصفقة وتيلرسون أحدهم، لكن ترامب يميل إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد إيران.
ويعتقد غانم أن الخلافات بين ترامب وتيلرسون أعمق مما صرح به الرئيس الأميركي وتصل إلى حد الخلافات الشخصية بينهما، حيث كان من المتوقع إقالة تيلرسون منذ أوائل العام الحالي وخصوصاً بعد فضيحة تيلرسون بوصفه الرئيس الأميركي ب”المعتوه”، ولم يكن من المفاجئ قرار الإقالة لدى الأوساط الأميركية، ويرى أن طريقة إقالة تيلرسون فيها نوع من الإهانة، وكانت بمثابة رد من ترامب على نعته من قبل الوزير المقال.
كما أن الملف الخليجي أحد أسباب الخلافات بين الرجلين، حيث أن تيلرسون كان معارضاً لسياسة السعودية وحلفها الذي يضم كلاً من الإمارات ومصر والبحرين حول حصار قطر وكان يؤيد تسوية سلمية بين الأشقاء في الخليج، في حين أن جاريد كوشنر صهر ترامب يميل إلى سياسة دول الحصار.
وحول الوزير الجديد، يقول غانم إن موقف بومبيو كان جيداً حول الشأن السوري حين كان في الكونغرس، لكنه حين تولى إدارة وكالة المخابرات المركزية كان أحد الناس الذين طلبوا من ترامب وقف برنامج الوكالة لتسليح وتدريب الجيش السوري الحر، وهو كان يميل إليه الرئيس أثناء حملته الانتخابية.
لكن في الوقت ذاته، يرى غانم أن موقف بومبيو حاد وشرس تجاه إيران، لذلك يتوقع زيادة وتيرة الضغط على إيران واتخاذ إجراءات أكثر صرامة، وبالتالي فإن وصول بومبيو إلى الخارجية سيكون ذا تأثير إيجابي على الملف السوري.
ويقول غانم إن هذا التعيين سيولد تناغماً أكبر بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، واستقراراً أكثر في الإدارة الأميركية، مبدياً أمله في أن يسهم بومبيو باتخاذ موقف أفضل تجاه الملف السوري، وهو الأمر الذي ستبديه الأيام المقبلة حسب قوله.
Sorry Comments are closed