في هزيمة الثورة

خضر الآغا9 مارس 2018آخر تحديث :
في هزيمة الثورة

ثمة تيار قد يكون واسعاً في سوريا حسم الأمر في أن الثورة السورية فشلت وانتهت. بعضهم يحدد ذلك زمنياً منذ انتهاء المظاهرات وبروز السلاح/ مطلق سلاح، نهاية العام 2011. وبعضهم يحدد ذلك منذ انكفاء الجيش الحر وبروز فصائل إسلامية تنفذ أجندات فوق وطنية، إسلامية تحديداً، وهي الفصائل التي ترفع شعاراً لم يكن في أذهان السوريين عندما خرجوا ضد نظام طاغ وفاسد، وهو: “ماخرجنا إلا لنصرة هذا الدين”، وكذلك بروز فصائل، إسلامية أيضاً، تنفذ أجندات الجهات الداعمة، منتصف العام 2012 الأمر الذي وضع مطالب السوريين في إسقاط النظام وبناء دولة المواطنة بين قوسين، أو على الرف.

انتهجت الفصائل المقاتلة بمختلف توجهاتها وداعميها استراتيجية السيطرة على المدن تحت اسم “التحرير”. الأمر الذي أدى إلى أن حسابات التقدم والتراجع عن السيطرة على الأرض هي الحسابات ذاتها لتقدم وتراجع الثورة من جانب، وأدى أيضاً، من جانب آخر، إلى تشكيل إمارات حرب على مختلف المناطق السورية الأمر الذي كان مضاداً لأهداف  الثورة السورية أصلاً، ولمفهوم الثورة بالمطلق، واستند من يقول بانتهاء الثورة وفشلها على هذا الاعتبار بوصفه اعتباراً قوياً.

عبر التدخل الميليشياوي والإيراني والروسي إلى جانب النظام تم حسم التفوق العسكري واسترجع النظام معظم ما كان خسره من أراض، والمرجح أنه سيستعيد أجزاء أخرى كثيرة أيضاً. هذا العامل شدّد من رأي القائلين بانتهاء الثورة  وفشلها.

لكن، هل حقاً، يمكن الحكم على فشل أو نجاح الثورة خلال قيامها؟ لقد تحولت الثورة في سوريا إلى حرب مدمرة، وفي الحروب تكون القوة العسكرية هي الحاسمة. تمكن النظام بمساعدة الميليشيات وإيران وروسيا من حسم معظم المعارك لصالحه، وذلك أمر حربي طبيعي في ظل تفوقه العسكري. يمكن القول هنا إن الفصائل الداخلة في الحرب خسرت معظم معاركها وقد تخسر  (ربما، سوف تخسر) الحرب. وإذا كان النظام قد شن حرباً عسكرية على الشعب السوري، وقد فعل ذلك بالفعل، منذ المظاهرات السلمية، وقبل أن يتشكل أي فصيل: كتائب جيش حر أو فصائل إسلامية، فإن الشعب الأعزل لا بد أنه سيتراجع ويخسر أمام الجهاز العسكري الباطش والمدمر. نحن هنا أمام عنوان عريض وواضح: خسرنا كسوريين في الحرب.

لكن، خلال الثورة لا يوجد أية معطيات تؤهلنا لإطلاق حكم بفشلها أو نجاحها، إذ أن هدفها ينحصر فقط في إزالة المانع من التقدم والبناء، المانع من أن يعبر الشعب عن نفسه، وهذا المانع هو النظام. الثورة تطيح بالمستبد، تطيح بالنظام، وتأتي بالحرية فقط، بعد ذلك يأتي دور الحوار المجتمعي الذي يفضي إلى بناء جديد للدولة وللمجتمع، انطلاقاً من هذا البناء يمكن إطلاق حكم بفشل الثورة أو نجاحها.

خلال الحرب ينكفئ ويتلاشى دور الشعب الذي يتحول إلى ضحية، ويتلاشى معه الحوار المجتمعي، بل يتلاشى المجتمع عبر انقسامات حادة، وعبر انحسار مفهوم: الوطنية والارتداد إلى ما قبلها: الطائفية، الاثنية، وفي حالات إلى العشائرية والمناطقية وغيرها من بروزات ما قبل الوطني… وهنا أيضاً لا يوجد ما يؤهلنا إلى إطلاق حكم: فشل الثورة أو نجاحها وفق انطلاقتها الأولى.

أعتقد أن أهليتنا لإطلاق حكم بفشل الثورة أو نجاحها تأتي بعد ذلك كله، بعد انتهاء الحرب، وبعد إزاحة الاستبداد التي هي شرط أساس لبروز اللحظة التي يستعيد فيها المجتمع زمام المبادرة، ويقف وجهاً لوجه أمام استحقاق تاريخي فاصل وحاسم. في الوضع السوري المتشابك، وفي ظل الهيمنة الروسية وإرادتها الحفاظ على نظام موال وطيّع لها، قد يكون الكلام عن إزاحة نهائية للاستبداد مسألة مشكوكاً فيها، على الأقل في المدى المنظور، فإنه يمكن الحديث عن ضرورة وجود هوامش معينة، أو هوامش ما يستطيع عبرها المجتمع التعبير عن نفسه، إذ دون وجود مثل هذه الهوامش يستطيع المجتمع من خلالها التحرك نحو رؤيته لا يمكن الحديث عن أي شيء سوى عن الاستبداد ، كما كان الوضع ما قبل الثورة. انطلاقاً من نتائج ما سوف يسفر عنه الحوار المجتمعي من التوافق على إرساء نظام ديمقراطي بإدارة قوية قادرة على القيام بمبادرة تنمية شاملة وإحقاق عدالة صارمة، وقدرة هذا المجتمع على بناء البلد من جديد، وعلى إنشاء عقد وطني يتجاوز عبره انقساماته وارتداداته إلى ما قبل الوطني، أو عجز المجتمع عن تحقيق ذلك، عندها فقط، أظن،  يمكننا إطلاق حكم: فشلت الثورة أو نجحت.

فلا يوجد معطيات تحدد شكل المستقبل خلال الثورة أو خلال الحرب. فالثورة مجرد طريقة لتغيير الواقع وليستعيد الشعب قراره، ولا تلجأ إليها الشعوب إلا في حالات محددة، منها وأهمها: الاستبداد المستعصي كالحالة السورية. أما خلال الحرب فليس ثمة فسحة للناس لوضع تصورات عن مستقبلهم ومستقبل بلادهم، ولادور لهم. لذلك لا توجد أيضاً معطيات لتصور المستقبل. بعد الثورة وبعد الحرب يبدأ بناء المجتمع سلباً أو إيجاباً وهنا، هنا فقط، نحكم على ثورتنا بالفشل أو النجاح.

إلى ذلك التاريخ نحن نطفو على دمنا، وهذا ما يجعلنا، عملياً، غير قادرين على التأمل والتفكّر بما بعد الحرب، لما ينطوي عليه ذلك من شعور بالترف تحدّ منه مقولة: لننهي الحرب والموت والتدمير أولاً.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل