* مرام محمود
لا يمكن اعتبار تاريخ الخامس عشر من أيار / مايو 1948 تاريخ بداية النكبة الفلسطينية والعربية إلا من حيث التوثيق لحدث مفصلي، فالنكبة الحقيقية في فلسطين بدأت ملامحها قبل ذلك بكثير، وقد تنبه الشعب الفلسطيني إلى ممارسات الحركات الصهيونية، ولاسيما ما يتصل منها بتدفق المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين وامتلاكهم الأراضي، تحت سمع وبصر ورعاية مظلة الانتداب البريطاني.
وقد حذر العرب في البرلمان العثماني السلطان عبد الحميد من خطر الحركة الصهيونية، وقام زعماء القدس بإرسال برقية بتاريخ 24 ـ 6 ـ 1891 إلى الصدر الأعظم في الأستانة يطالبون بها السلطان بإصدار فرمان يمنع اليهود من دخول فلسطين وامتلاكهم الأراضي. وفي تلك الفترة ازداد الوعي العربي بالأخطار الصهيونية في فلسطين، فسارع الشعب الفلسطيني إلى تشكيل جمعيات وطنية كـ “الجمعيات الإسلامية المسيحية” التي دعت لأول مظاهرة فلسطينية رداً على ممارسات الاحتلال البريطاني الداعمة للصهيونية عام 1920 وشارك فيها أكثر من “40” ألف متظاهر، وكانت الشرارة التي ولدت الثورات الفلسطينية، وذكر منها “يافا، البراق، الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936″، والتي شهدت في حينها صدرو الكتاب الأبيض الثالث في عام 1939 الذي تضمن: تحديد هجرة االيهود بـ (75 ألف) مهاجر يهودي موزعين على خمس سنوات، وتقييد انتقال الأراضي العربية لليهود، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعد عشر سنوات إذا سمحت الظروف بذلك.
واجه الصهاينة صدور الكتاب الأبيض الثالث بالاستياء، وتعاهدوا على مقاومته، وأدركوا أن بريطانيا لم تعد تلك الحكومة الحامية لمخططاتهم المنكبة حول فلسطين، وركزت الحركة الصهيونية على إقامة الدولة اليهودية لاسيما خلال الحرب العالمية الثانية لذلك نقلت نشاطها ومركز ثقلها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدلاً من بريطانيا التي هُزمت أمام ألمانيا في بداية الحرب، وآنذاك تمكن الصهاينة من تشكيل لواء يقاتل إلى جانب الحلفاء، كما أسسوا منظمات كـ “الهاجاناه و شتيرن”، ومن جهة ثانية دعمت الولايات المتحدة الصهيونية لاسيما عقب عقد مؤتمر “بلتيمور” إذ أخذ الصهاينة يسعون إلى استدرار عطف الرأي العام الأمريكي بعد مجزرة “المحرقة” الذي نفذها الحزب النازي بزعامة “هتلر” في ذلك الوقت بحق العديد من اليهود.
وأما بالنسبة للجامعة العربية فقد تبنت القضية الفلسطينية وعقدت مؤتمرها الأول في أنشاص بمصر عام 1946، وتقرر فيه أن “فلسطين عربية والصهيونية خطر يجب مواجهته والحذر منه”، كما طالبت بوقف الهجرة اليهودية ومنع انتقال الأراضي الفلسطينية إلى اليهود والعمل لجعل فلسطين حرة مستقلة.
وحين أعلن الصهيوني ديفيد بن غوريون في شهر أيار من عام 1948 م، قيام الكيان الصهيوني بعد إنهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين، ثار العرب ودخلت جيوشهم إلى فلسطين وعدد جنودهم آنذاك لا يتجاوز الـ ( 14000) مقاتل ،بينما بلغ عدد القوى الصهيونية (70000) مقاتل. وبرغم قلة العدد والعتاد إلا أن الجيوش العربية حققت انتصارات عدة كادت تلحق بالصهاينة هزيمة كبيرة لكن قرار وقف أعمال القتال الصادر عن مجلس الأمن بعد ضغط قادم من قبل الولايات المتحدة، كان حدثاً مفصلياً قلب الموازين، فقد أعلنت الهدنة الأولى في 29 أيار عام1948 واستمرت شهراً واحداً مع تعيين الكونت “برنادوت” وسيطاً دولياً. واستغل الصهاية وقف القتال لدعم موقفهم الحربي وتزويد جيشهم بالأسلحة الأمريكية واستقدام متطوعين جدد وتحصين مواقعهم وإمدادها بالتموين واحتياز كميات كبيرة من السلاح.
وعند استئناف القتال في التاسع من تموز، تعثرت الجيوش العربية وتراجعت لعدم وجود قيادة موحدة فيما بينهم ولنقص حاد بالأسلحة وهو من أحد الأسباب القاتلة، وعمل مجلس الأمن على استغلال الأمر وعدّ استمرار القتال عملاً يهدد السلم العالمي، ما دفع الجيوش العربية للإذعان، واوقفت بذلك الأعمال العسكرية يوم 16 تموز عام 1948 وهو الحدث الذي أطلق عليه تسمية “الـنـكـبـة”، حيث تسببت خسارة الجيوش العربية عسكريا بتهجير قسري جماعي لأكثر من 750،000 فلسطيني من ديارهم وأرضهم، ليعيش الأهالي داخل مخيمات في ظروف انسانية قاسية، ومما زاد في مأساتهم رفض الكيان الصهيوني قرارات الأمم المتحدة التي تضمنت عودة الفلسطينيين إلى ديارهم وتقديم التعويضات عن الممتلكات التي فقدوها، وأما من تبقى منهم في الداخل والذي قدر تعدادهم بـ 170 ألف فلسطيني فظلوا يعانون من قوانين تعسفية يفرضها ضدهم الاحتلال الإسرائيلي.
ونذكر أن المؤرخ الانكليزي “توينبي” استنكر أعمال اليهود الوحشية عندما قال: “إن في جرائم اسرائيل والصهيونية ماهو أفدح وأخطر من مأساة جرائم ألمانية النازية”، كما صرح الجنرال “غلوب” الانكليزي: “لقد سمعت بأذني رجال الهاغاناه اليهود يعلنون بمكبرات الصوت في القدس بعد مذبحة دير ياسين: “طريق أريحا لايزال مفتوحا أيها العرب اختاروا بين هذا الطريق ومصير كمصير دير ياسين”.
عذراً التعليقات مغلقة