تشهد العلاقات الامريكية التركية توتراً ياتي في سياق خلافات متعددة في المواقف، كان أبرزها الرفض التركي لتسليح الولايات المتحدة لقوات كردية في سوريا. وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون أجرى محادثات مطولة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انقرة، في محاولة لتهدئة الأمور على خلفية العملية العسكرية “غصن الزيتون” التي تشنها تركيا في شمال سوريا ضد مليشيا “وحدات حماية الشعب الكردية” إحدى أكبر مكونات “قوات سوريا الديمقراطية” المتحالفة مع الولايات المتحدة، وتقول أنقرة إن عمليتها تهدف إلى إقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومتراً شمالي سوريا.
وتعد قضية التواجد الكردي المسلح على الحدود التركية مسألة لا تتسامح معها أنقرة بشكل مطلق. وزير الخارجية الأمريكية أكد أن بلاده لم تمنح وحدات حماية الشعب الكردية سلاحاً ثقيلاً حتى تسترده منها كما تتهمها انقرة لكنه أشار إلى تفهم بلاده للمخاوف التركية.
وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو قال إن بلاده ستشكل مع الولايات المتحدة مجموعات عمل لحل الخلافات بينهما، فيما شدد تيلرسون على أن “أهدافنا بالنسبة لسورية لم تتغير”، مؤكداً على أن الأهداف هي هزيمة داعش وإرساء الاستقرار في البلاد – ما يسمح بعودة اللاجئين – وإقامة أمة سورية موحدة وديمقراطية.
وتصنف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية حيث تتبع حزب العمال الكردستاني المحظور والذي تدرجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في اللائحة السوداء باعتباره جماعة إرهابية، لكنّ الولايات المتحدة تعتبر مليشيا “وحدات حماية الشعب” حليفاً ضد المتشددين الإسلاميين وترى أن العملية العسكرية التركية تشتت جهودها التي تهدف لإنهاء وجود المتطرفين الإسلاميين.
اتفاق أمريكي – تركي ..هل يفقد الأكراد أقوى حلفائهم؟
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حذرت من أن الولايات المتحدة وتركيا ربما تتجهان لمواجهة مسلحة عند الحدود السورية الشمالية في ظل إصرار القوات الأمريكية على البقاء في منبج، في الوقت الذي صعد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من لهجة خطابه حين حذر الولايات المتحدة من التعرض لــ “صفعة عثمانية” في سوريا إذا ما دخلت القوات التركية منبج فيما لاتزال القوات الأمريكية متواجدة هناك، مشدداً على ضرورة مغادرتها المدينة.
لكن التهدئة بين الولايات المتحدة وتركيا قد تأتي على حساب مليشيا “وحدات حماية الشعب الكردية” في سوريا، وهذا ما توقعه فادي حاكورة خبير الشئون التركية في معهد شاثام هاوس البريطاني للعلاقات الدولية في حديثه مع DW عربية، مضيفاً أن “اتفاقاً أمريكياً – تركياً سيحدث قريبا لتهدئة الأمور لأن تركيا أبقى للولايات المتحدة وأكثر أهمية بكثير من القوميين الأكراد في سوريا، فتركيا عضو في الناتو وعدد سكانها يقارب 80 مليون وهي قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية ليست أبداً بالهينة في محيطها الاقليمي والولايات المتحدة في حاجة إليها”.
واستبعد حكورة فكرة حدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا قائلاً “إن كلا الطرفين لا يريد ذلك من الأصل بدليل زيارة تيليرسون لأنقرة ومحاولته تهدئة المخاوف التركية وتفادي هذا النوع من المواجهة، وتابع : “ما علينا من كلام أردوغان وخطبه الحماسية فهي موجهة في الأساس للداخل التركي للاستهلاك الإعلامي وطلباً لاستمرار الدعم الشعبي”، لكنه توقع أن تطول العملية العسكرية التركية في سوريا أكثر مما خطط له الأتراك، مضيفاً أن “هذا ما تشير إليه المؤشرات الأولية من المواجهات الحادثة بين الطرفين على الأرض وبالتالي فتركيا نفسها ليست أبداً في وارد تعقيد الأمور على نفسها بمواجهة القوات الأمريكية في منبج”.
التراجع الأمريكي عن دعم الأكراد.. من يملأ الفراغ؟
تبدو الولايات المتحدة مهتمة بشكل كبير بتهدئة غضب حليف قديم في موقع استراتيجي بلغ ذروته مع قضية تسليح مليشيا “وحدات حماية الشعب الكردية”. وزير الخارجية الأمريكية في هذا السياق أكد أن الجانبين “لن يتحركا بعد الآن كل بمفرده” في سوريا، فيما اقترحت تركيا على الولايات المتحدة انسحاب الوحدات الكردية إلى شرق الفرات وأن تتمركز قوات تركية وأمريكية في منطقة منبج.
لكن تخلي الولايات المتحدة عن دعم الأكراد أو تقليل صور هذا الدعم قد يُضعف كثيراً من قوة الميليشيات الكردية خصوصاً في حربها ضد ما تبقى من قوات تنظيم الدولة في سوريا، وفق ما يرى خبير الشؤون التركية فادي حاكورة، الذي أضاف لــ DW عربية أن ” هذا الأمر سيخلق فراغاً لابد وأن تملأه جهة ما ولا اعتقد أن روسيا ستترك هذه الفرصة السانحة، بخلاف أن الاكراد أنفسهم قد يسعون نحو روسيا لتقوية علاقاتهم معها ومع نظام الأسد، ما سيؤثر على التواجد الأمريكي في المنطقة” وتوقع حاكورة أن تستغل إيران الفرصة أيضاً لإضعاف الدور الأمريكي في سوريا.
روسيا وتركيا.. هل يتضرر التحالف؟
شابت العلاقات الروسية التركية قبل فترة توترات كبيرة على خلفية إسقاط تركيا لمقاتلة روسية ومصرع قائدها لكن بعد الاعتذار التركي عن الواقعة عادت ماكينة العلاقات بين الجانبين تهدر بقوة، وتصاعد التعاون التركي الروسي خصوصاً في المجال العسكري والأمني بشكل غير مسبوق. لكن ما الذي قد يحدث إذا ما قررت روسيا دعم الأكراد اذا ما تخلت الولايات المتحدة عن دعمهم؟
يعتقد فادي حاكورة الخبير في معهد شاثام هاوس أن “الروس لديهم خطة سياسية أذكى من الأمريكيين وأن أي تحالف روسي مع الأكراد – إن حدث – فلن يكون مباشراً وإنما سيكون عبر بشار الأسد أو عبر إيران، بما لا يسمح بتأزيم الأمور مع الحليف التركي”.
ويؤكد الخبير في الشأن التركي أن روسيا هي من أعطى الضوء الأخضر لتركيا لشن عملية عسكرية في عفرين ضد الأكراد إما لتهدئة المخاوف التركية من وجود عسكري كردي أو لضرب الحليفين الأمريكي والتركي ببعضهما، وهو أمرٌ سيخدم مصالح روسيا ومصالح إيران ومصالح نظام الأسد لكن يصعب جداً أن تسمح روسيا لتركيا بتوسيع نطاق عملياتها في العمق السوري بما يخل بأحجام القوى هناك أو بحضور روسيا القوي في المشهد.
Sorry Comments are closed