اقتصاد الجنوب السوري.. تراجع حاد وتدهور مستمر

فريق التحرير15 فبراير 2018آخر تحديث :
تعتمد الصناعات الغذائية في درعا في موادها الأولية على المنتج المحلي – عدسة لجين المليحان

لجين المليحان – درعا – حرية برس:

تعيش الثورة السورية عامها السابع وتقترب من أبواب العام الثامن، والاقتصاد السوري يسير إلى الوراء ومن سيء إلى أسوأ، حيث عمل نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية على اللعب بهيكلية الاقتصاد ونهب مصادره، حتى وصل به الحد للقضاء على قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة، وأثر ذلك بشكل ملحوظ على المواطن السوري وعلى العملة السورية.

غير إن هذا النظام كبد سورية عجزاً هائل في الميزانية وأوقع على عاتقها ديوناً كبيرة للدول الداعمة له كإيران وروسيا وكل هذا من أجل خدمة آلة القتل العسكرية لديه، والقضاء على الثورة السورية.

ليس الجنوب السوري بمعزل عن هذه المأساة الاقتصادية التي تمر بها سورية بل إنه في قلب المأساة، حيث تعيش المنطقة الجنوبية أوضاعاً اقتصادية صعبة بسبب قبضة النظام على مداخل ومخارج المناطق المحررة، أي أنه أشبه بحصار اقتصادي(جزئي).

حجم القطاع الصناعي في محافظة درعا:

وقدر الدكتور عبد الحكيم المصري حجم القطاع الصناعي في درعا قبل الثورة السورية بـ “حوالي 530 منشأة برأس مال قدره 8.15 مليار دولار ” مشيراً في حديثه مع “حرية برس” أن هذا القطاع كان يوفر فرص عمل لـ 6200 عامل، ولكن ظروف الحرب السورية لم يبق منها سوى ما يقارب 10 إلى 15 % فقط.

وأوضح “المصري” وهو نائب وزير المالية في درعا في حديثه  لـ “حرية برس” أن معظم هذه الصناعات كانت تحويلية غذائية كمعامل الكونسروة والمحارم والراحة وغيرها، وهي معامل خاصة، لكنها توقفت عن العمل بسبب ماحل بها من دمار وسرقة، وتعيش بقية المعامل التي لازالت تعمل تحت عبء إيجاد سوق لتصريف منتجاتها بشكل جيد، وهناك أيضاً بعض هذه المعامل التي أعيد تأهيلها وبدأت العمل والإنتاج، وخاصة معامل الكونسروة الغذائية، وبعض معامل الألبان، حيث أصبحت تنتج لحد ما بجزء من طاقتها، ولكن بشكل عمل يدوي، وتعتمد هذه المعامل على المواد الأولية المتوفرة بشكل محلي كالحليب والمواد الزراعية، أما معامل المنظفات فتعاني من تأمين موادها الأولية التي توجد في مناطق سيطرة النظام، والآن أصبح هناك بعض المصانع تنتج مواد البناء.

صعوبات تواجه القطاع الصناعي في محافظة درعا:

وأوضح نائب وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة د. عبد الحكيم المصري أن هناك عدد كبير من المشاكل والصعوبات التي تعاني منها المنطقة الجنوبية، وهي مشكلة (النقل ودخول السلع والمواد الأولية)، مشيراً أن بعض هذه المواد تأتي من منطقة دمشق لتدخل المناطق المحررة عبر الممرات، كممر مدينة داعل، وممر كفر شمس، وعبر هذه الممرات يقوم النظام بفرض أتاوات ورسوم نقل، ورسوم جمركية، وهي مبالغ مالية كبيرة جداً، عدا الرشاوى التي تدفع لحواجز النظام على طول الطريق من دمشق وصولاً للممرات، وفي بعض الأحيان لا يسمح بمرورها، وإذا سمح بذلك تكون مواد قادمة من الساحل كالحمضيات، ومواد لتجار من النظام، ليتم تسويقها وتصريفها في المناطق المحررة، وهناك طريق آخر لدخول البضائع وهو عن طريق السويداء، المسيطر عليها من اللجان الشعبية المدعومة من قبل النظام لتصبح هذه البضائع مرة أخرة عرضة للابتزاز ودفع الأتاوات، وهي مبالغ مالية عالية، كي يمكن تمرير البضائع مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وارتفاع الأسعار على المستهلك، كما أن هناك أمور أخرى تواجه أصحاب سيارات النقل كالاعتقال في حال لم يدفع للحواجز أو الخطف على الطريق بالمناطق المحررة (الخطف من قبل عصابات) .

ويؤكد “المصري” أن المبالغ المأخوذة من “الأتاوات” والضرائب والرسوم يذهب ريعها إلى الفرقة الرابعة التابعة للنظام، ومن ثم تستخدم في قتل الشعب السوري، وقد تصل هذه المبالغ إلى مليار ليرة شهرياً، ويقدر “المصري” حجم الأموال التي يجمعها معبر “داعل” كضرائب ورسوم فقط بحوالي 750 مليون ليرة شهرياً، أما الرشاوي على الحواجز فتذهب إلى جيوب ضباط النظام الخاصة،

ويضيف “المصري” أن مشكلة انقطاع الكهرباء بشكل مستمر وكبير، ومشكلة النقص الكبير في مادة الفيول، وصعوبة تنقل العمال إلى أماكن عملهم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية نتيجة انخفاض صرف الليرة السورية أمام الدولار، والأهم أنه لا يوجد سوق يستوعب تصريف المنتجات، على المشكلات التي تواجه القطاع الصناعي في محافظة درعا، حيث أثرت على المصانع، فأوقفت بعض المصانع عن العمل، بينما خفّضت مصانع أخرى إنتاجها بشكل كبير.

وأوضح الدكتور عبد الحكيم المصري أن القدرة الشرائية للأهالي في درعا منخفضة جداً، بسبب وجود نسبة بطالة قوية في المنطقة، ومرتفعة بشكل كبير جداً، وهناك صعوبة في تأمين مصاريف العيش، ونسبة كبيرة من الأهالي تعاني من حالة فقر كبيرة، وخاصة المهجرين الذين دمرت بيوتهم وممتلكاتهم.

مضيفاً، في المقابل هناك تجار استغلوا الثورة – وهؤلاء ممن يستطيعون الذهاب إلى أماكن النظام – ليتاجروا وليستغلوا الأهالي بأخذ وأرباح مرتفعة جداً، حيث أصبح لدينا طبقتان طبقة غنية ومستغلة وطبقة معدمة.

تراجع الاقتصاد المحلي في محافظة درعا بشكل كبير نتيجة ظروف الحرب والحصار التي قام بها نظام الأسد – عدسة لجين المليحان

الزراعة في محافظة درعا:

من جهته أوضح الأستاذ علاء المصري رئيس مكتب التنظيم في نقابة الاقتصاديين في درعا لـ “حرية برس”، أن عام 2017 كان عاماً قاسياً على المزارع في منطقة الجنوب السوري، فقد كانت خسارته كبيرة بسبب انخفاض الأسعار، مما انعكس سلباً على القدرة الشرائية، وفي المقابل يوجد تجار قاموا بأعمال تجارية وصناعية حققت أرباح طائلة، لاستغلالهم الوضع الراهن للبلاد،.

و وذكر الأستاذ علاء المصري أن المنطقة الجنوبية كانت معروفة بالنشاط الزراعي، حيث كان الأهالي يزرعون 60 ألف هكتار من القمح والذي ينتج 60 ألف طن على الأقل، بينما انخفضت كمية الإنتاج الآن إلى 22 ألف طن لعام 2017، وتقدر مساحة الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة في محافظة درعا ب 232170 هكتار وكانت تزرع بالكامل ولكن الآن انخفضت إلى النصف وأكثر.

وأشار إلى إن الفلاح لم يعد بإمكانه زراعة أرضه بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية، وعدم توفرها، وعدم وجود أسواق التصريف، وكل ذلك أدى إلى انخفاض الكميات والمساحات المزروعة .

وعلى الرغم من ذلك استمر النشاط الزراعي خلال الثورة محافظاً على الحد الأدنى من معيشة مئات الأسر التي تعتمد عليه، مما يعني أن الأمن الغذائي للمنطقة موجود نوعاً ما، ولكن تضخم الأسعار جعل الأمن الغذائي في محافظة درعا خاصة وباقي المناطق المحررة من سورية بشكل عام في خطر .

وأوضح الأستاذ علاء أن المؤسسات تسعى إلى تشجيع المنظمات وحثها على العمل في المنطقة، من خلال دعم البنية التحتية، وتطويرها وتحسينها، كما أن مؤسسات المعارضة تحاول جاهدة بحث خطة بديلة للتخفيف من معاناة هذا الواقع، عن طريق فتح طريق التبادل التجاري مع الأردن، بحيث تصدر المواد المنتجة في المناطق المحررة فقط، ويتم استيراد حاجة هذه المناطق، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق يذكر بهذا الشأن حتى الآن.

يذكر أن أهم البضائع الخارجة من الجنوب السوري في معظمها مواد زراعية كالخضراوات بكل أنواعها والفواكه وأهمها العنب والرمان والخوخ بالإضافة إلى منتجات الألبان ومشتقاتها، وفي بعض الأحيان اللحوم مثل الدجاج والخراف.

لقد دمر نظام بشار الأسد وحلفاؤه جميع قطاعات الحياة في سورية،  كما دمر القوة البشرية، حيث أصبح القطاع الاقتصادي كباقي القطاعات في حالة مرض ويبحث عن علاج وربما يطول هذا البحث.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل