ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
يرى “فريدريك C. هوف” في مقاله المنشور في موقع مركز أبحاث “أتلانتك كاونسل” أن قرار تركيا بشن غارات جوية وعمليات برية في منطقة عفرين شمال غرب سوريا يحمل في طياته مخاطراً تتجاوز العواقب التي سيتكبدها المدنيون و ممتلكاتهم.
ويوضح “هوف” وهو مدير مركز رفيق الحريري في منطقة المحيط الأطلسي في الشرق الأوسط أنه وبالرغم من التهديدات المعادية لتركيا، سواء من قبل القوات التابعة لنظام الأسد الذي وصفه بأنه “عميل لروسيا”، أو مليشيات الـ “ب ي د” فقد تنحّت روسيا جانباً من هذه المنطقة في ريف حلب، وأبعدت قواتها عن تلك المناطق، وأخلت نطاقها الجوي لصالح العملية التركية.
ويعتقد “هوف” أن بوتين لن يسمح أبداً لقوات الأسد بالهيمنة على المزيد من المناطق، إن كانت هذه الهيمنة ستتسبب له بتصعيد الأمور عسكرياً مع الأتراك والأمريكيين.
يوضح “هوف” أن منطقة عفرين مختلفة جغرافياً عن المنطقة التي جرت فيها المعارك ضد تنظيم داعش في سوريا، فقوات (YPG) المستهدفة بالعملية التركية هي جزء من التحالف الذي يقاتل داعش شرق الفرات. بينما لا تحوي عفرين أي جيوب لتنظيم داعش، لذلك فالقوات الموجودة فيها ليست مشمولة بالمعنى الدقيق بالتحالف المشكل لقتال داعش، ووجودهم في هذه المنطقة يهدف لإقامة تواجد عسكري في الجزء الغربي من الشريط الحدودي السوري مع تركيا، في محاولة لتوسيعها وتحويلها إلى منطقة كردية سورية مستقلة.
وبالنسبة لأمريكا يرى “هوف” – وهو الخبير في السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط – أنها لا ترغب في تدهور الأمور مع أنقرة، مضيفاً أن تركيا قد ترى في عملية عفرين “غصن الزيتون” محاولة جس النبض، لتوسع ضربها للمليشيات الكردية الانفصالية التابعة لحزب العمال الكردستاني بقوة في مساحات شاسعة من سوريا خصوصاً في الأراضي التابعة للتحالف الدولي ضد داعش والتي تتواجد فيها هذه المليشيات. أو قد يكون هذا التوجه التركي محدود، وسيكون بديلاً للعمليات العسكرية المناهضة للأكراد شرقي نهر الفرات، حيث توجد القوات الأمريكية.
وأضاف “هوف” متسائلاً، لكن ماذا لو اختارت المليشيات الانفصالية الكردية – التي تكبّدت خسائر وتواجه الهزيمة في عفرين – استهداف مناطق داخل تركيا من مواقعهم شرق الفرات؟ ماذا لو كان هذا الاستهداف يرمي لتوسيع الأعمال القتالية التركية – السورية باتجاه الزاوية الشمالية الغربية من سوريا التي تشكل فيها هذه المليشيات جزءاً أساسياً من القوة المتحالفة ضد داعش؟
وماذا لو أصابت الضربات التركية الانتقامية بشكل غير متعمّد القوات الأميركية ؟
وأضاف “هوف” أن هذه الاحتمالات تشير إلى “حالة العوز والاحتضار الدبلوماسي في الثنائية التركية – الأمريكية”. حيث اعترفت واشنطن بمخاوف أنقرة بشأن هوية “القوة الشريكة” المناهضة لتنظيم داعش. وتعهّدت واشنطن بعدم القيام بأي شيء من شأنه أن يعرض الأمن التركي للخطر.
ويستطرد “هوف” في تساؤلاته وطرح الاحتمالات، مذكراً أن الولايات المتحدة أصدرت بيانات هامة في الأيام الأخيرة، حول استمرار استقرار قواتها لما بعد انتهاء داعش في شرق سوريا، وحول الأهداف والاستراتيجيات الأمريكية المتعلقة بكامل سوريا. مؤكداً أن مشاورات مكثفة مع تركيا سبقت هذه البيانات بهدف منع حدوث سوء تفاهم وتحديد مجالات الاتفاق. لكن لماذا لا يوجد سفير أمريكي في تركيا؟ ولماذا لا يتم إيفاد مبعوث أميركي خاص إلى تركيا في ظل غياب السفير؟ هل الإدارة الأميركية غير مدركة لما يسعى إليه الكرملين من إثارة الاحداث الأخيرة؟
وهل تدرك أنقرة الفخ الذي نصبه بوتين؟ هل أهدافها مقتصرة على وقت وتأثير محدودين لتقليل فرص اندلاع الأعمال القتالية في أماكن أخرى؟ أم أن السياسة الداخلية التركية وصلت إلى النقطة التي لا يمكن فيها تصور احتمال حدوث اشتباك مع أحد حلفاء الناتو؟ هل قامت أنقرة باتخاذ أي مبادرة لإبداء استعدادها لقبول مساعدة واشنطن في استقرار المناطق التي يغلب عليها الطابع العربي شرق نهر الفرات؟
إن القلق التركي بشأن العلاقة الأمريكية مع مليشيات “حماية الشعب” أمر مفهوم. هل تخرج أنقرة عن الطريق الذي انتهجته لتقديم بدائل؟.
إن أسوأ نتيجة ممكنة للضغط الدبلوماسي التركي – الأمريكي حول سوريا (سيكون تسليم الكرملين هذا النوع من الانتصار السهل الذي جني في أعقاب خط أوباما الأحمر عام 2013)، لكن ذلك يقود إلى غرس وتد في قلب الناتو مباشرة. وما لم تكن واشنطن مرتاحة لهذا السيناريو، وما لم تكن تركيا على استعداد للابتعاد عن واشنطن ودخول مدار موسكو، فإن هذين الحليفين مدينين بذلك لأنفسهما لبذل جهود متواصلة للوصول إلى نفس الصيغة في سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة