في محاولته لتمييز نفسه عن بقية المعارضين وإظهار أنه الرجل الشريف الوحيد في المعارضة السورية باستثناء من قتل أو استشهد أو اختفى، كتب حكم البابا مقالا في موقع «هافنغتون بوست عربي» تبنته مواقع أجهزة الاعلام الأسدية كاد ان يتهم فيه جميع المعارضين بالعمالة للمخابرات المركزية. ونقل على لساني كلاما معيبا لم أقله أصلا لتفسير رفضي المشاركة عام ٢٠١٢ في مؤتمر انطاليا الذي كان أول مؤتمرات المعارضين السوريين لتنظيم صفوفهم في إطار دعم ثورة الكرامة والحرية، وهو مشاركة بعض المعارضين العاملين في النشاطات السياسية والمدنية لتلقيهم مساعدات خارجية. والواقع لقد أكدت على صفحتي وكتبت أكثر من مرة أنني رفضت المشاركة في كل المؤتمرات الأولى للمعارضة لأنها لم تكن جامعة ولا ممثلة لأغلب التيارات السياسية والفكرية وليس بسبب أشخاص مهما كانت انتماءاتهم أو علاقاتهم. وفي ما يتعلق بمؤتمر انطاليا تمنيت أن يكون التمويل مشتركا بين أكثر من رجل أعمال سوري حتى لا تحسب المعارضة على فرد او تكون تابعة له.
لا أدري لماذا يصر البابا على تسويد صفحة المعارضة في الوقت الذي تواجه فيه أكبر حملة لتقويض صدقيتها وإخراجها من الصراع السياسي لصالح إعادة تأهيل الأسد وترسيم داعش وأخواتها الطرف الوحيد المعارض له، تماما كما لو أنه يريد أن يؤكد ما يقوله الأسد والايرانيين والروس من أن الخيار الوحيد المطروح هو بين داعش والاسد.
المعارضة السورية العسكرية منها والسياسية، ضعيفة ومنقسمة. وهي لا تكاد تحظى بدعم فعلي من أحد، وإذا استمر البعض بالتمسك بها فلأنه لا يمكن التوصل إلى تسوية بين الدول المتنازعة على تقاسم المصالح ومناطق النفوذ من دون وجود سوريين، من طرف الحكم والمعارضة، ليوقعوا التسوية.
وبدل أن يعمل المخلصون من السوريين على تعزيز موقع المعارضة المدنية حتى تستطيع أن تزن امام الدول المفترسة المحيطة بالبلاد والمتنازعة عليها، وأن تضمن على الأقل أن لا يخرج القرار كليا من يد السوريين وأن يكون لهم قول في تقرير مستقبل بلدهم، يدفع الاحباط واليأس بعض المثقفين إلى صب جام غضبهم على المعارضة التي تتعرض لأقسى الضغوط حتى تنهار وتفقد توازنها وتقبل بالاستسلام، بدل دعمها وتقوية موقفها وتعزيز دائرة نفوذها حتى تستطيع أن تحصل شيئا للشعب المنكوب والذي يكاد يفقد أمله بالخلاص.
كما هو الحال في كل القوى المعارضة وغير المعارضة، هناك لصوص ومرتشين ومرتزقة وعملاء مخابرات مركزية وغير مركزية، لكن هناك أيضا شرفاء ومناضلون مخلصون ونساء ورجال ضحوا بأغلى ما عندهم من أبناء وبنات وأحفاد في سبيل الخلاص من نظام الجريمة والموت والإذلال والقهر والابادة الجماعية. وعلى تضحيات هؤلاء ينبغي أن يركز المخلصون من المثقفين والاعلاميين والسياسيين ليساعدوا الشعب على الصمود في وجه الطاغية وتقريب ساعة خلاص الأمة والبلاد، حتى لا يختلط القمح بالزيوان ويذهب البريء بجريرة المذنب. خلط الامور بعضها ببعض، وعدم رؤية شيء في معارضة الشعب السوري ضد سلطة الطغيان التي تحولت أيضا إلى سلطة احتلال أجنبي سوى زمرة صغيرة من المرتزقة والطفيليات المتعيشيين على دماء السوريين لا يسيء إلى تضحيات الشعب السوري ويستهين بها فحسب ولكنه يخدم بشكل مباشر دعاية الأسد وحلفائه، ومن وراء ذلك إعادة تأهيل الديكتاتورية ونظام الإبادة المتهاوي.
تستحق المعارضة السورية أقسى أنواع النقد، وهي بأشد الحاجة إليه اليوم لتخرج من هامشيتها وغيابها. لكن النقد الذي تحتاجه المعارضة المنهكة والمحاصرة من كل صوب ينبغي أن يركز على سياساتها وخياراتها من أجل التعريف بأخطائها وتصوبب مواقفها وخططها واستراتيجياتها، ومساعدتها على خدمة القضية المركزية التي هي قضية تحرير الشعب السوري من نظام الهمجية والاحتلال، لا أن يشكك ليل نهار بأشخاصها ورموزها، ويعمم اتهاماتها بعضها لبعض، ويهشم صورة جميع أفرادها من دون تمييز، ولا أن يكبلها بالاتهامات الجماعية الظالمة ويضرب ثقة الرأي العام السوري والعربي والدولي بها، ويعمل على تحطيمها، دأب النظام الذي لم يترك تهمة يمكن تخيلها ولم يلصقها بمعارضيه، قبل الثورة وبعدها. فبالرغم من شدة ضعفها ونقائصها وأمراضها، تبقى الأداة الوحيدة التي بقيت، في يد الشعب المغلوب على أمره للتعبير عن نفسه، والدفاع عن حقوقه في وجه نظام جائر، وتحالف إجرامي واسع، ومجتمع دولي منافق ومتآمر. اللهم إلا إذا كان المقصود تصفية الساحة تماما مما تبقى من معارضة مدنية لتسليم القيادة لداعش وانتخابها بديلا وحيدا للشعب السوري في مواجهة نظام القتل والاحتلال. التشهير بالمعارضة وكيل الاتهامات لها بشكل جماعي ومن دون تمييز ليس عملا أخلاقيا ولا عملا سياسيا ولكنه تعبير مباشر عن الجنون وإرادة الانتحار. ولو كان لدى جماعة النظام نفسه ذرة من عقل لما لجأ إلى مثل هذه الخطط التي لا تدمر ثقة الشعب بنخبته المعارضة فحسب وإنما تقضي على رأس مال الثقة في المجتمع بأكمله وتحول دون قيام أي قائمة للنظام، أي نظام.
عذراً التعليقات مغلقة