حرية برس – وكالات:
توصلت انغيلا ميركل الجمعة إلى اتفاق مبدئي مع قادة الأحزاب الثلاثة يتيح لها البقاء في الحكم لدورة جديدة بعد اثني عشر عاماً قضتها في رئاسة الحكومة.
والأحزاب الثلاثة المشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة هي التحالف المسيحي الديمقراطي بزعامة أنغيلا ميركل والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري بقيادة هورست زيهوفر والحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة مارتن شولتس.
ويضم الاتفاق عدداً من الملفات من أهمها تحديد أعداد اللاجئين وترتيبات سياسة لم الشمل، بالإضافة لقضايا تتعلق بتصدير الأسلحة وقضايا محلية تتعلق بالضمان الصحي وخلافه.
اللجوء واللاجئون:
كانت مسألة الهجرة الموضوع الرئيسي بين الطرفين في بلد شهد اختراقاً كبيراً لليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة، مستفيداً من استياء قسم من الرأي العام بعد توافد أكثر من مليون طالب لجوء منذ 2015.
موضوع اللجوء كان من ضمن البنود التي تم الاتفاق حولها، حيث يعتزم المحافظون والاشتراكيون الديموقراطيون في المانيا خفض عدد طالبي اللجوء الذين يدخلون الأراضي الألمانية إلى حوالى مائتي ألف في السنة، وفق نص الاتفاق الحكومي الذي توصلوا إليه.
وجاء في الوثيقة التي تم الاتفاق عليها بعد مفاوضات استمرت أكثر من 24 ساعة في برلين أن “أرقام الهجرة (بما فيها لاجئي الحرب وأولئك المعنيون بلم شمل العائلات وإعادة التوزيع، وبعد حذف أعداد الذين يغادرون البلاد) لن تتخطى 180 ألف إلى 220 ألف شخص سنويا”.
وفي الوقت نفسه اتفق المفاوضون على تخفيض كبير لعمليات لم شمل العائلات، مع تحديد سقف للذين يحق لهم الاستفادة من هذه الآلية شهرياً قدره ألف شخص.
وذكرت التقارير أن قادة الأحزاب الثلاثة اتفقوا على رفع القيود المفروضة على حق لمّ الشمل العائلي بالنسبة للاجئين الحاصلين على حق الحماية الجزئية. لكن في ذات الوقت، لن يسمح لدخول أكثر من ألف شخص شهرياً في إطار حق لمّ الشمل العائلي ولأسباب انسانية محضة وفي الحالات الصعبة فقط، ويتعلق الأمر بالزيجات التي عُقدت قبل الهروب من مناطق النزاع وطلب اللجوء.
واتفق قادة المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين كذلك على تطبيق شروط جديدة لاستقبال اللاجئين، على اتمام إجراءات اللجوء في المستقبل داخل منشآت مركزية مخصصة لاستقبال اللاجئين والبت في قرارات لجوئهم وترحيلهم.
وجاء في مذكرة نتائج المباحثات الاستطلاعية التي جرت بين قادة الأحزاب والكتل البرلمانية المشكلة للائتلاف الحاكم المحتمل أنه من المقرر إلزام اللاجئين بالإقامة في تلك المنشآت والحصول داخلها على مساعدات عينية فقط بدلا من الإعانات المالية. وأوضحت المذكرة أنه من المقرر أن تتم داخل هذه المنشآت إجراءات استقبال اللاجئين والبت في طلبات لجوئهم وتوزيعهم على الإدارات المحلية أو إعادتهم إلى موطنهم.
وجاء في المذكرة: “نسعى إلى توزيع من لديهم فقط فرص إيجابية للبقاء في ألمانيا على المحليات، أما الآخرون سيجرى إعادتهم من هذه المنشآت إلى أوطانهم خلال فترة معقولة”.
كما اتفقت الأحزاب المشاركة في المفاوضات على اعتبار دول شمال أفريقيا “دولاً آمنة”، وذلك لغرض تسريع البت في قضايا اللاجئين القادمين من هذه الدول. وأشار نص الاتفاق إلى أنه “سيتم اعتبار الجزائر والمغرب وتونس وكذلك الدول الأخرى التي يحصل مواطنوها على نسبة اعتراف بحق اللجوء بأقل من خمسة بالمائة من مجموع الطلبات المقدمة من كل بلد، كبلدان آمنة”. فيما يُبقى على حق كل مقدم لطلب اللجوء طلب دراسة الملف اعتمادا على خصوصيته الشخصية. في الوقت نفسه، سيتم عبر مشاورة قانونية خاصة الأخذ بنظر الاعتبار الحماية الخاصة لـ”المجموعات المستهدفة”.
يذكر أن المادة 16 الفقرة “أ” من الدستور الألماني تصنف مناطق معينة بـ”الآمنة”، حسب الظروف السياسية العامة في البلد المعني، وظروف التعامل غير الإنساني لأي سبب آخر. ورغم ذلك إذا تمكن لاجئ ما من تقديم أسباب مقنعة تتعلق بوجود ملاحقة له في بلده، رغم وجودها على لائحة “الدول الآمنة”، فيتوجب عندئذ دراسة طلبه الخاص بنيل اللجوء وفق خصوصيته الشخصية.
في هذه الحالة يطالب المكتب الفيدرالي من صاحب الطلب تقديم وثائق وأدلة دامغة تثبت ملاحقته من قبل سلطات بلاده. كما يتم منع مقدمي طلبات اللجوء القادمين مما يتم وصفها بـ”الدول الآمنة” من العمل خلال فترة تواجدهم في ألمانيا. وينص القانون الجديد على وضع هذه الشريحة من طالبي اللجوء في نزل خاص بهم ولا يجوز لهم مغادرته لحين دراسة طلباتهم.
تجارة السلاح:
وافق مفاوضو التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي بالإجماع على مذكرة نتائج المباحثات الاستطلاعية التي وضعها رؤساء الأحزاب بما يشمل وقف صادرات الأسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن.
حيث تعتزم الأحزاب التي ستشكل الحكومة الألمانية وقف تصدير السلاح للأطراف المشتركة في حرب اليمن، وجاء في وثيقة الاتفاق المبرمة بين الأحزاب المشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة في ألمانيا “الحكومة الألمانية لن توافق فوراً على أية صادرات إلى بلدان مشاركة في حرب اليمن”.
وسيطال هذا القرار بوجه خاص المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً يقاتل ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. وكانت ألمانيا قد صدّرت في السنوات الأخيرة أسلحة بقيمة عالية إلى السعودية. ويستهدف وقف صادرات الأسلحة أيضاً إيران التي تدعم الحوثيين. وعبرت الحكومة الألمانية مؤخراً عن قلقها، بحكم أن العربية السعودية وإيران تتنافسان من أجل الهيمنة في المنطقة.
وتشير وثيقة الاتفاق بين الأحزاب إلى أن صادرات الأسلحة سيتم تقنينها بموجب قواعد مشددة لتقليص حجمها. وعلى هذا الأساس يتم التطلع إلى اعتماد سياسة صادرات أسلحة أوروبية مشتركة.
الاشتراكي تنازل وميركل لازالت بخطر:
رغم تسوية يوم الجمعة، إلا أن لا شيء نهائياً حتى الآن. فقرار انضمام الاشتراكيين الديموقراطيين إلى حكومة جديدة مع المحافظين يجب أن يحظى بموافقة مندوبي الحزب خلال مؤتمر طارئ في 21 كانون الثاني/يناير، علماً أن القاعدة الاشتراكية الديموقراطية لا تزال غير مقتنعة بالتعاون مع المحافظين.
وفي أفضل الاحوال، لن تبصر حكومة جديدة النور قبل نهاية اذار/مارس.
ورغبة منه في اقناع ناشطي حزبه، تحدث زعيم الحزب الاشتراكي مارتن شولتس عن نتيجة “رائعة”، علماً بأنه لم ينل كل مطالبه رغم الازدهار الذي ينعم به أول اقتصاد أوروبي مع فائض في الموازنة تجاوز 38 مليار يورو في إنجاز غير مسبوق منذ اعادة التوحيد.
وفي هذا السياق، رفض المحافظون مطالبته بإنشاء نظام ضمان صحي على غرار الضمان الاجتماعي الفرنسي، يساهم فيه الجميع بهدف الحد من التباين في التغطية الصحية بين الأثرياء الذين يستفيدون من عقود تأمين خاص، وذوي الدخل المتواضع الذين ينضمون إلى الضمان الحكومي.
كما أن الاشتراكيين الديموقراطيين لم يحصلوا على طلبهم القاضي بزيادة الضرائب على المداخيل الأكثر ارتفاعاً.
تضمنت الوثيقة الخطوط الكبرى لأهداف الحكومة الائتلافية على أن تمهد لمفاوضات في العمق حول السياسة الواجب انتهاجها، الأمر الذي يتوقع أن يستغرق أسابيع.
اتفاق الخاسرين
هكذا وصفت وسائل الإعلام الألمانية الاتفاق الذي خرج به قادة الأحزاب الثلاثة، والذي نجحت بموجبه المستشارة الألمانية تجنب خسارة مشوارها لاثني عشر عاماً متواصلة في رئاسة الحكومة الألمانية، وجنبت فيه ألمانيا خضات ومطبات سياسية خطرة، خصوصاً في ظل تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في أوروبا وقضايا الـ “بريكست”، والتي تهدد الوحدة الأوربية.
عذراً التعليقات مغلقة