إيران تنتقم من معاوية ..في “العصرونية”

فريق التحرير5 مايو 2016آخر تحديث :
إيران تنتقم من معاوية ..في “العصرونية”

مرهف

حرية برس: مرهف دويدري

في غفلة منا نحن السوريون، استطاعت المشاريع التدميرية للعاصمة دمشق أن تمرّ دون ضجيج، بل كنا نمتدح هذه المشاريع أحياناً على أنها تطور ملحوظ في تنمية البلد، ولكن في حقيقة الأمر، كانت دمشق تباع بثمن بخس جداً، وتوزّع أماكنها الحيوية على الحاشية الموالية للنظام، التي ستقف إلى جانبه لاحقاً، لحمايته في حال حدوث أيّ صدامٍ له مع الشعب، معتمدا ًعلى خبرته في إنهاء (انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين) التي كنا نتحاشى ذكرها إلا تحت مسمى (احداث الثمانينيات)، حيث دمّر هذا النظام ثلث مدينة حماه، وأهمّ أحيائها التراثية دون أن يرفّ له جفن؛ وأتمّ مخططه يومها بتواطؤ دولي مريب، وقبض ثمن خدماته التي قدّمها في لبنان، والتي شارك فيها بإنهاء الفلسطينيين الذين كانوا ينفذون عمليات فدائية ضدّ اسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية.

يومها، وقبل أكثر من ثلاثين عاماً، استطاع النظام إنهاء إضراب تجّار دمشق، الذي قاموا به احتجاجاً على هذه الممارسات الإجرامية، عبر شهبندر التجار آنذاك (بدر الدين الشلّاح) الذي كان رئيس محفل (ابراهيم الخليل الماسوني بدمشق عام 1951)، والذي كان يحصل على امتيازات خاصة من حافظ الأسد للسيطرة على التجّار والتجارة السورية، وتم توريث هذه الامتيازات لابنه “راتب الشلاح” كما تم توريث حكم سوريا لـ”بشار الأسد” وظلّ تبادل المصالح الخفية قائماً بين الطرفين.

مع بداية الانفتاح الاقتصادي، ورفع العقوقات الاقتصادية الدولية عن سوريا في بداية التسعينيات، صدر قانون الاستثمار رقم 10 الذي ينص على رفع الضرائب لمدة خمس سنوات لكل شركة ترخّص ضمن أحكام القانون، وبذلك بدأت حالة خاصة للحدّ من استثمارات كبار التجار، عبر فرض نظام ضريبي جديد، وصعود رأسماليين جدد على الساحة، معظمهم أبناء كبار مسؤولي الدولة، أو من هم واجهات اقتصادية لهؤلاء المسؤولين، الذين باتت سوريا مزرعة لهم بكل معنى الكلمة، فظهرت المجموعات الاقتصادية التي تتعدّد فيها الشركات، وشركات الانتاج الفني التي هي بشكل من الأشكال شركات غسيل أموال أو تهرّب ضريبي، عبر عقود وهمية استطاعت أن تدفع فيما بعد ضرائب عن واحد في المئة من رأسمال الشركة الحقيقي، لأن القوانين أصلاً كانت تحاك على مقاسات هذه الشركات !

مع بداية عهد الوريث، الذي أوهم السوريين أنه أتى بفكر منفتح بعد دراسته في بريطانيا، وأن التعددية هي من أهم برنامج حكمه، حيث روّج له الصحفي البريطاني “باتريك سيل “بعد ستة اشهر من بداية حكمه، قائلاً أن “بشار الأسد سوف يسنّ قانون انتخاب يتيح للسوريين انتخاب رئيس لسوريا من عدة مرشحين في عام 2007 ” فبدأ ربيع دمشق، وحلّت لعنة النظام، وزجّ بمعارضيه في السجن، وكان الاقتصادي (عارف دليلة) قد تلقى أقسى حكم بالسجن، ولأطول فترة، لأنه تجرأ وقدّم ورقة اقتصادية تفنّد الخسارة التي ستلحق بخزينة الدولة فيما لو رسا عطاء الخليوي في سوريا على شركة “سيرتيل” المملوكة لابن خال الوريث (رامي مخلوف)، الذي وقع فيما بعد عقد إيجار لمدينة معرض دمشق الدولي مدّة 99 عاماً، ما يعني أنّها أصبحت بحكم الملكية الكاملة، بحسب القانون، وهو ما أسّس على ما يبدو لخلاف بين أركان أسرة الحكم، فاقتطع قسماً من مدينة المعارض القديمة ليكون مقرّاً مشروع (مسار) الذي تشرف عليه بشكل مباشر (أسماء الأخرس -الأسد) كي يكون لها حصة بالبقرة التي ذبحت وسط دمشق التجاري، بمساحة قد تتجاوز مساحة مدينة سورية!

في صيف 2007 كنت وزوجتي بزيارة خاطفة لدمشق، وكان ضمن برنامج زيارتنا أن نستطلع مكان سوق (القرماني)  الذي أزيل بطريقة مريبة، حيث كانت هنالك تسريبات مفادها أنّه سيقام مكان هذا السوق الأثري مجمع تجاري لأحد المستثمرين، قيل يومها أنه الأمير السعودي (الوليد بن طلال) الذي بيع له شارع الأرجنتين ليكون مكانه فندق (فورسيزن) باستثناء مقام قديم، ضمن حرم مسجد “فروخ شاه، الذي يعود لابن شقيق القائد “صلاح الدين الأيوبي”، والذي مازال ضمن سور الفندق يومها.

بينما نحن نستطلع المكان بحسرة، باغتنا رجل في الثمانين ودون معرفة مسبقة، حيث سمعنا نتحدث عن المكان: فقال لنا: (الله لا يوفقهم شوفوا شو عملوا بالشام) !
لو لم يكن في كلّ ما يحصل في دمشق أذى،ً سوى حسرة هذا الرجل الثمانيني، لكفى!

إن كان مصطلح “تهويد القدس” يعني تحويل المدينة القديمة والمقدّسة الى هوية يهودية، فربما تحظى دمشق بمصطلح (تأسيد دمشق) أو (تشييع دمشق) خاصة وأن إيران منذ بدء الثورة السورية لم تخف نهمها في التهام دمشق، والاستعراضات البكائية لعاشوراء وسط دمشق القديمة تشي بهذا المفهوم، ولعل التاريخ ليس ببعيد.

ففي عام 1936 عندما انتفض الفلسطينيون لقتال اليهود في فلسطين، بعد اكتشاف تهريب السلاح بشكل سرّي للانقضاض على الفلسطينيين، بعد شراء الكثير من الأملاك بأسعار مرتفعة، جاء وقت القتال للسيطرة على باقي فلسطين بثمن زهيد، وكانت بريطانيا التي وعدتهم بها تساعدهم للسيطرة على فلسطين. ما يحدث الآن ما هو إلا إعادة للسيناريو، ولكن بأيد أخرى، تحت مسمّى “الحكومة الشرعية “بوعد أمريكي – روسي..

لعلّ حريق سوق “العصرونية” لن يكون الأخير للاستيلاء على المدينة، وربما سيكون بطريقة أكثر وقاحة، وبإعلان صارخ، وسوف يتمّ تخويف الدمشقيين من حرق أو دمار أملاكهم، فيؤثرون البيع على الدمار والحرق، وتكون قد اكتملت اللعبة، فالبيع يتم عبر وثائق رسمية تقوم عليها (حكومة) معترف بها دولياً إلى الآن، وتقوم بمفاوضات في جنيف لتصل إلى حلّ “المثالثة” وبالتالي، فإنّ هذه الأملاك التي اشتراها الإيرانيون هي صحيحة الملكية، ولا يمكن لأحد استردادها إلا بعشرات أضعاف الثمن المدفوع لشرائها، ما يعني  الثأر من (معاوية وابنه يزيد) سيكون قد تم، من خلال الأسد وبرعاية دولية !

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل