من يقرأ السياسة جيداً يدرك أن انسحاب وفد نظام الأسد من مباحثات جنيف، بحجة أن على المعارضة أن تسحب بند رحيل الأسد قبل المضي قدماً بالمفاوضات، دليلٌ على أن الروسي قد أفهم ذيله أن نظامه بشكله وتركيبته الحالية قد شارفت على السقوط والانسحاب من جنيف.
إنها حركة بهلوانية استعراضية لحفظ ماء الوجه أمام مؤيدي النظام، وما سوتشي 2 المزمع عقده قريباً، إلا مؤتمر يهدف للتوقيع على الخطة الموضوعة والمرسومة بين دول القرار هذه الخطة التي منحت الروس الإدارة الكاملة للملف السوري. هذه الخطة التي بدأت خطواتها الأولى مع إعلان الحريري من السعودية لاستقالته التي ادعى بها أن خطوته كانت رداً على حزب الله الذي يرهن لبنان بإيران، وفي الأيام الثلاثة الأولى بعيد الاستقالة كان الحديث الأوحد عبر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وتوجهاتها إضافة لقراءات جميع المحللين بأن حزب الله باتت أيامه بل ساعاته معدودة.
كل هذا الضجيج الذي سمعناه ولم نرى طحيناً كان الهدف منه إرسال رسالة لحزب الله أن عليه إيجاد الصيغ المناسبة للانسحاب من الحالة السورية، إلا أن صانع الحزب ومديره الرئيسي إيران قد أدرك اللعبة جيداً وعرف تفاصيل الخطة الموضوعة للحل السوري، سواء عبر فهم الرسائل الغير مباشرة الموجهة لها أو عبر تحالفاتها السرية بكل من أمريكا وإسرائيل، فأبت أن تكون خارج اللعبة وهي التي قدمت الكثير خلال السنوات السبع المنصرمة من عمر الثورة دفاعاً عن نظام الأسد، سواء بالأموال أو بالأرواح.
وجاء انقلاب علي عبد الله صالح على الحوثيين في اليمن ليكون متنفساً قوياً لها، مع الشك بأنها هي من دفعت به لإعلان انقلابه على الحوثيين، فأوعزت لعملائها الحوثيين بقتل صالح بطريقة وحشية دعائية، حتى ترسل رسالة مفادها أن رصاصاتها سوف تطال كل من تسول له نفسه بالتراجع، هذه الرسالة قرأتها جيداً إسرائيل وأدركت أن إيران لن تقبل بحلول في سوريا من دونها، فسارعت خلال اليومين الماضيين لتدمير العديد من القواعد والثكنات العسكرية التي تقيمها إيران على الأراضي السورية، وربما سوف نشهد المزيد من الغارات الإسرائيلية في قادمات الأيام لتدمير ما تبقى من مراكز قوة إيرانية في سوريا.
هذا الوضع يقض مضجع رأس النظام السوري فهو اليوم أمام خياريين بل نارين، نار الروس في حال عناده وعدم الرضوخ لخطتهم المتبناة دولياً، والنار الإيرانية التي ستحرقه كما أحرقت صالح في حال استمر بالمضي قدماً بالخطة الروسية وتسليم السلطة، وليس من حل اليوم أمام بشار الأسد للحفاظ على حياته إلا بقلب الطاولة على الجميع، ويكون ذلك عبر فبركة انقلاب عسكري يطيح به نظرياً ويحافظ على كل مكتسبات النظام، هذا الانقلاب المصطنع في حال تجرأ بشار ونظامه على رسمه سوف يعيد حسابات الجميع للعمل على اجتراع حلول جديدة للحالة السورية.
أما وإن استمر بغبائه وتبعيته لأقصى حد وهذا ماسوف يحصل، فلن يكون أمام السوريين معارضة ونظام إلا الذهاب إلى سوتشي للتوقيع والتسليم بالخطة الدولية للحل، ومن هنا على المعارضة أن تكون صادقة مع ذاتها متماسكة وأن تذهب لسوتشي وهي مدركة أن ذهابها هو نصر وليس هزيمة، حتى تكسب احترام الدول صاحبة القرار وتضع الراعي الروسي أمام خيار وحيد وهو التسليم بمعارضة قوية موحدة، وليس كما يسعى هو للتفريق والتمزيق بين مكوناتها، إن القارئ للوضع والحريص على إنهاء نهر الدماء المسال والمدرك بأن الجزء الأكبر من الحل هو بيد الكبار، فيسعى للذهاب لسوتشي بدلاً من تخوين الذاهبين وزعزعة المعارضة، فسوتشي هي مجرد حفلة التوقيع على الخطة التي رسمها الكبار وسارت عبر الجنيفات المتعددة، وسوتشي في الواقع هدية الأمم للروس.
إن الأيام القليلة القادمة ستكون حبلى بمفاجآت سوف تكسر حالة التعب والإرهاق والجوع والقهر التي عاشها السوري خلال السبع العجاف.
Sorry Comments are closed