كشفت صحيفتان ألمانيتان في استقصاء صحفي مشترك عن وجود ثغرات أمنية في النظام الحاسوبي للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا، ما يؤثّر على حماية بيانات اللاجئين.
وذكرت صحيفتا دي فيلت و “نورنبرغر ناخريشتن” أن نحو خمسة آلاف موظف لدى المكتب الاتحادي يمكنهم تفحص نحو مليوني ملف إلكتروني لطالبي اللجوء، دون أن تكون هناك أي أنظمة مساعدة تكشف عن الجهة التي اطلعت على هذه البيانات التي تتضمن اسم الشخص ورقم ملفه وعنوان سكنه أيضاً، ما يجعل “بيانات اللاجئين لقمة سائغة في يد الجواسيس” بحسب ما كتبت صحيفة دي فيلت.
وبالرغم من وجود آليات في أنظمة المكتب الاتحادي تكشف عن هوية من قام بتعديلات داخل ملفات اللاجئين، فإنه لا توجد أية إمكانية لمعرفة أو مراقبة الجهة التي تطّلع على هذه الملفات، كما أن معالجة البيانات تبقى مخزنة في النظام لمدة ثلاثة أشهر لتختفي بعد هذه المدة، حسبما جاء في التقرير.
مسألة “شديدة الخطورة”
وعن هذا الموضوع يقول الناشط السوري شبال إبراهيم اللاجئ في ألمانيا والذي كان معتقلاً سياسياً في سجن صيدنايا الذي يعد من أسوأ السجون السورية سمعة أنه يخشى من أن يستطيع النظام السوري أن يتعرض له وللمُلاحقين الآخرين عبر الثغرات الأمنية الموجودة في نظام اللجوء الألماني، ويضيف: “ما يثير الخوف بالفعل هو أن تجد شخصاً يعمل أو يتدرب في الدوائر الرسمية الألمانية المسؤولة عن ملفات اللاجئين وطالبي اللجوء، وتعرف أن ذلك الشخص مؤيدٌ لنظام ارتكب الجرائم بحق أناس أبرياء. وهذا ما حدث مع بعض اللاجئين بالفعل ومنهم أنا”.
ويدعو إبراهيم السلطات الألمانية إلى متابعة هذا الموضوع “شديد الخطورة” عن كثب، في حال وجود ثغرات بالفعل، وذلك من أجل حماية العديد من المعارضين للأنظمة “الدكتاتورية”، ويتابع: “نحث على عدم الإهمال في هذه المسألة خصوصاً وأن الخطر الذي قد ينتج عنها قد يكون السبب في تدمير العديد من العوائل، فالعديد من أولئك المعارضين ذوو عائلات”، مضيفاً أنه يعتقد أن لدى النظام السوري العديد من الموظفين في مختلف الدول من أجل إرسال تقارير له عن أنشطة المعارضين السياسيين هناك.
“خرق في النظام الديمقراطي”
ويصف الصحفي السوري سردار ملا درويش اللاجئ في ألمانيا إمكانية وجود هذه الثغرة في نظام اللجوء الألماني بـ”خرق في النظام الألماني الديمقراطي” بحسب قوله، مضيفاً ان ذلك لا يجعل بيانات اللاجئين “مباحة” فقط، بل يشكل خطراً على حياتهم أيضاً.
وجاء في تقرير الصحيفتين أن طالبي اللجوء الأتراك يتفاجأون بإعلان أسمائهم على وسائل الإعلام التركية بعد فترة قصيرة من تقديمهم لطلبات اللجوء، ويتخوفون من إمكانية ان يتم إرسال معلوماتهم إلى السلطات في أنقرة.
يقول ملا درويش الذي تم ترحيله من تركيا بعد سحب إقامته، بسبب “نشاطه السياسي والإعلامي الذي كان يقوم به”، أنه يخاف من إمكانية استغلال الدول الخارجية ومنها تركيا للثغرات الموجودة في نظام اللجوء الألماني من أجل إيذاء اللاجئين، ويتابع: “كناشط، لا أخشى من النظام التركي أو السوري فحسب، بل من كل نظام دكتاتوري قد يستهدف اللاجئين بسبب نشاطاتهم”، مؤكّداً في الوقت نفسه أن “السلطات التركية قامت بقتل بعض الناشطين والصحفيين المعارضين لسياساتها”، كما أنها تعتبر أن كل من ينتقدها بأنه “إرهابي وينتمي لجماعة كولن” ولهذا تركز على مراقبة نشاط المعارضين في دول لجوئهم أيضاً، على حد تعبير ملا درويش. وجماعة كولن المحظورة في تركيا هي التي تتهمها السلطات التركية بالتخطيط لعملية الانقلاب الفاشل في منتصف تموز/يوليو عام 2016.
ويستشهد ملا درويش على إمكانية استهداف المعارضين المقيمين في دول الخارج، بإلقاء السلطات السودانية القبض على رجل الاعمال ممدوح جيقماز المقيم فيها وتسليمه للسلطات التركية، في خبر نشرته وكالة الأناضول التركية الرسمية.
لا ثغرات أمنية
وتعقيباً على استقصاء الصحيفتين قالت وزارة الداخلية الألمانية، بحسب التقرير، أن الحكومة الألمانية “تقوم بكل ما في وسعها قانونيا وعملياً لحماية طالبي اللجوء وعائلاتهم من الملاحقات بشكل عام”. مشددة في الوقت ذاته ان نظام اللجوء الألماني يتمتع بـ”درجة عالية من الحماية”، ونافية أن يكون هناك أية ثغرات أمنية.
وتابعت الوزارة أن الموظفون مُلزمون بالحفاظ على الأسرار والمعلومات والالتزام بالقانون، وأضافت أنه في حال وجود أسباب للاشتباه ببعض الموظفين، فإن المكتب الاتحادي سوف يتعقب ذلك ويتخذ الإجراءات اللازمة، كاتخاذ خطوات قانونية تتعلق بالعمل أو إصدار دعوة جنائية.
وحول ذلك أكد شبال إبراهيم أنه لا يشك بجدية السلطات الألمانية في التعامل مع هذا الموضوع، لكنه يشدد في الوقت نفسه على ضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة من أجل حماية اللاجئين الذين تركوا كل شيء وراء ظهورهم كي ينعموا بالأمان في بلد ديمقراطي كألمانيا، على حد تعبيره.
ويقترح سردار إبراهيم أن يتم تعديل نظام المكتب الاتحادي للهجرة كي يكون من الممكن معرفة الأشخاص الذين قاموا بالاطلاع على ملف لاجئ أو طالب لجوء معين، مؤكّداً أن ذلك إجراء احترازي قد يساعد في التحقيقات في حال تمت ملاحقة أي شخص من قبل مخابرات دول خارجية.
ويضيف إبراهيم: “بكل الأحوال، صعوبة التعامل مع قضية اللجوء التي أصبحت تشغل العالم بأسره ليس حجة كي يتم تعريض حياة اللاجئين للخطر من خلال هكذا ثغرات في حال وجودها”.
عذراً التعليقات مغلقة