أستانة والرياض خيبتان في أقل من عام: هل خسرت الثورة السورية آخر الحلفاء؟

فريق التحرير26 نوفمبر 2017آخر تحديث :
منهل باريش

أسهم التوافق الروسي ـ السعودي الذي بدأت تتكشف ملامحه منذ زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو، في تشرين الثاني (أكتوبر)، في استدارة سعودية تجاه الملف السوري، شبيهة بتلك التي قامت بها تركيا عقب إسقاط القاذفة الروسية، حيث أثمرت عن السماح لتركيا بإطلاق عملية «درع الفرات» وإجبار الفصائل العسكرية على الموافقة على اتفاق أنقرة الذي نتجت عنه جولات أستانة ومناطق «خفض التصعيد».

وتعتبر الدعوة إلى الرياض-2 أولى علائم تلك الاستدارة، حيث قامت الخارجية السعودية بتوجيه الدعوات إلى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، إضافة إلى منصتي القاهرة وموسكو ونحو سبعين مستقلا من الشخصيات العسكرية والسياسية، وقامت الخارجية السعودية باستثناء أغلب أعضاء «الهيئة العليا للمفاوضات» وعلى رأسهم الدكتور رياض حجاب، ما أسفر عن استقالته وتسعة من أعضاء الهيئة العليا، أبرزهم رياض نعسان آغا، واللواء عبد العزيز شلال والشيخ سالم المسلط، إضافة إلى تيار «الصقور» لدى الفصائل والذي يتزعمه الرائد حسن إبراهيم الملقب «أبو أسامة الجولاني».

واستُثنيت «هيئة التنسيق» من قائمة المبعدين من أعضاء «الهيئة العليا» ليحضر أعضاؤها بشكل كامل ويحصلون على «كوتــا» لممثــليــهم مع الائتلاف الوطني ومنصة القاهرة ومنصة موسكو، مع «كوتا» للفصائل غير مقنعة لها، الأمر الذي جعلها تهدد بالانسحاب.

وبعيدا عن الكتل السياسية التي يبدو أنها أخذت قرارا بقبول «الحل السياسي» على الطريقة الروسية وحسب ما يشتهي المبعوث الأممي ستافان ديمستورا، فان الفصائل العسكرية تقع في حرج كبير مع بقائها ضمن التركيبة الجديدة لـ«الهيئة العليا».

فاليوم أصبحت الفصائل العسكرية شريكة مع منصة موسكو صنيعة الروس والاستخبارات السورية، ولا تقبل برحيل بشار الأسد، بل وتستعدي على الثورة صراحة وعلانية، حيث اتهم قدري جميل الثورة السورية بأنها «صنع الصهيونية والإمبريالية الأمريكية».

وقال عن مطلب رحيل الأسد إنه «غير واقعي» ويعطل الحل السياسي، واقترح أن تقبل المعارضة بأربعة نواب للأسد يقومون بالإصلاح من الداخل.

البيان الختامي يُتهم فريق ديمستورا بصياغته حسب متابعين ومقربين مع جولات المفاوضات في جنيف، ورفض رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر، ومدير الجلسات، أي تغيير في فقرات مسودة البيان التي نوقشت على مدار يوم ونصف.

والجدير بالإشارة أن إدارة المؤتمر لم تسلم أي نسخة ورقية إلى المؤتمرين وإنما قامت بتغيير بعض العبارات على الشاشة أمام الحاضرين الذين فوجئوا أن المسودة الأساسية ما زالت على حالها ومررت إليهم وهم على طاولات الغداء يوم الخميس ليوقعوا عليها. وهو ما يعتبر فضيحة بحق الخارجية السعودية، ناهيك عن المعارضة السياسية التي اعتادت الفضائح سابقا ومنذ قبولها بمنصتي موسكو والقاهرة في جولة جنيف 4.

وبعيدا عن البيان الختامي الفضفاض والهلامي، فإن منتج المؤتمر الواضح حتى كتابة هذه السطور يدل على أن أغلبية الوفد التفاوضي المكون من 11 عضوا أصبحت فيه أغلبية ستوافق على الانخراط في المسار الروسي للحل، وذلك حسب النسب المعطاة لكل فريق من الكتل الأربة إضافة إلى المستقلين. ولن ينفع انسحاب الفصائل لاحقا ولن تنزع شرعيته بعد تسميته. هذا إن افترضنا أن لقادة الفصائل الشجاعة على رفض الضغوط في الرياض، لكن تجربة أستانة أفادت أن «العسكر» لا يقاومون أي ضغط بسبب ارتباطهم بالدول الداعمة، وضعف خبرتهم السياسية.

إلى ذلك، أعلن المبعوث الأممي ديمستورا أن صياغة دستور جديد هو على رأس جدول أعمال جنيف المقبلة، والتي ستعقد في 28 الشهر الجاري، ما يعني انقلابا واضحا على بيان جنيف لعام 2012 ويفسر بشكل لا يقبل الشك أن الرياض 2 عقد للإطاحة بالهيئة العليا للمفاوضات بسبب تمسكها بالانتقال السياسي، وهو ما ينفي أي تفسير إيجابي لبيان الرياض 2 يتذرع البعض به.

وتصبح القرارات الدولية في المفاوضات المباشرة مرهونة بالتوازنات الدولية والإقليمية وهي بعد الاستدارتين التركية والسعودية أصبحت في صالح النظام بما لا يقبل الشك.

في التوازي، فان توطئة مناقشة الدستور في جنيف ستنتقل إلى موتمر سوتشي للحوار الوطني، التي ستعقده روسيا مطلع الشهر المقبل بعد جنيف مباشرة. فروسيا ترى أن الحل السياسي في سوريا قائم على «إصلاح دستوري» و« انتخابات» يحق للأسد المشاركة فيها باشراف دولي.

وهو أيضا أحد أفخاخ البيان الختامي: «اتفق المشاركون على أن هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية ما يمكن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة يشارك فيها السوريون داخل وخارج سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة». وهو جوهر حديث بوتين في القمة الثلاثية، الروسية ـ التركية ـ الإيرانية، التي عقدت منتصف الأسبوع في منتجع سوتشي الروسي.

مخرجات مؤتمر الرياض 2 سترسم تحولا جديدا في القضية السورية تسعى من خلاله روسيا إلى إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه، عبر مطلب تعديل الدستور والقبول بترشحه بضمانة دولية، لكن هذه المرة لم تبق روسيا وحيدة في هذا التوجه، بل أصبحت الدول الصديقة هي اليد الضاربة في عمليات تطويع الرافضين.

المصدر القدس العربي
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل