“كان يوما جميلاً، حيث اختلط فيه الحاضر بالماضي. خلال التحضير للحفل غمرنا شعور الدفء الذي كنا نشعر به قبل أي حفل في سوريا قبل الحرب. لقد عزفنا بحب”. بحماس كبير يصف رائد جذبة، المدير الفني ومؤسس “أوركسترا المغتربين السوريين الفيلهارموني”، حفل إطلاق مشروعه الموسيقي الاستثنائي.
استغرق الأمر حوالي تسعة أشهر من التنظيم للمِّ شمل أكثر من 30 عازفاً سورياً يقيم غالبهم في ألمانيا، بالإضافة إلى بلدان أوروربية أخرى. وفي أيلول/ سيبتمبر 2015 في بريمن، فوجئ رائد بعد انتهاء الحفل الأول بـ “الصدى الكبير” لدى الكثير من وسائل الإعلام . أما الآن وبعد سنتين أصبح عدد الموسيقيين أكثر من 60 عازفا يجوبون دول العالم بحفلات نالت إعجاب الكثيرين.
الموسيقى في زمن الحرب
ولد جذبة في مدينة حلب لأسرة متوسطة، ودرس الموسيقى بالإضافة للرسم والتصوير الزيتي بدمشق. كان نشيطا في تأسيس بعض المشاريع الموسيقية بالإضافة لتدريس الموسيقى للأطفال والشباب. ولكن مع اشتداد أحداث الحرب السورية قرر الهجرة.
عندما حطّ رائد رحاله في ألمانيا في عام 2013، لاحظ أن وسائل الإعلام تركز فقط على أخبار الموت والقتل خلال الحرب السورية؛ فشعر بضرورة الاستعانة بالموسيقى لتسليط الضوء على وجه سوريا الثقافي، بالإضافة الى يقينه بأن مثل هذه المشاريع، ستعطي أملاً للسوريين وخصوصا المتواجدين داخل منطقة الحرب. “القتال ليس الصورة الحقيقية لنا. وكلاجئين سوريين في أوروبا وفنانين ايضاً لا يمكننا وقف الحرب. ولكن ما يمكننا فعله، هو شيء يتعلق بالحب والسلام والإنسان والأرض، وأيضا استخدام الموسيقى كأداة للتغيير”.
بدأت فكرة تأسيس أوركسترا للسوريين بعد أن قدم من خلال فرقته الصغيرة “كاميليا انسامبل السورية” موسيقى وأغان سورية وشرقية. حيث لاحظ رائد التفاعل الإيجابي من الجمهور الألماني والأوروبي. ليبدأ التفكير بشكل جدي في تشكيل أوركسترا كاملة. وعن هذا يقول: “كنت سعيدا لرؤية الجمهور الأوروبي قادراً على فهم معنى المقطوعات المعزوفة على الرغم من أنه غير معتاد على هذا النوع من الموسيقى السمفونية السورية”.
كسر الصورة النمطية
يؤكد رائد أن أحد أهداف الأوركسترا هو جمع السوريين على الرغم من اختلافاتهم. “علينا أن نتوحد في أي مشروع، فكل شيء في الوقت الحاضر يُقسمنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحرب السورية. إن الأيديولوجيات السياسية أو الدينية للموسيقيين لا تلعب دورا في استمرارية المشروع وحصيلة الإنتاج الإبداعي”. أما الهدف الآخر من تشكيل الأوركسترا فهو “كسر الصورة النمطية عن اللاجئين”.
أما صفة “لاجئ” لا تزعج الموسيقي جذبة على الإطلاق. فبالنسبة له ما قد يكون مزعجا هو الاستخدام أو التوظيف السياسي لهذه الكلمة، والتي “تخدم” أهدافاً إقتصادية. ويشير لحقيقة أن أوركسترا السوريين المغتربين هي ليست أوركسترا لللاجئين، على الرغم من أنه هو نفسه وعدد كبير من العازفين حصلوا على حق اللجوء في ألمانيا أو أوروبا.
صعوبات
بعيدا عن الدعم الإعلامي الذي تلقته الأوركسترا حتى اليوم، إلا أن مثل هذه المشاريع لا تخلو من محاولات العرقلة. حيث يقول جذبة “قام قائدا أوركسترا ألمان باستغلال اسم الأوركسترا” وهو ما قمنا بمتابعته. كما أن الحاجة للتمويل هي صعوبة أخرى تواجه عملنا، فتغطية تكاليف السفر والإقامة لأكثر من 60 عازفا هو أمر صعب، ويحتاج لميزانية كبيرة.
صدى كبير
في هذة الأيام تقاس الشهرة لأي شخص أو مشروع بنسبة المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي. وصلت بعض مقاطع فيديو الأوركسترا إلى ثلاثة ملايين مشاهدة؛ لذلك يعبر جذبة عن سعادته بـ “الصدى الكبير” التي لاقته الأوركسترا على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضيف: “إن هذا التفاعل يشكل حافزاً و تشجيعاً كبيرين لنا للاستمرارية”.
نجاح كبير مستمر تلاقيه أوركسترا المغتربين السوريين الفيلهارموني. حيث غصت قاعات حفلاتهم خلال جولتهم الأخيرة في بداية هذا الشهر/نوفمبر 2017 بثلاث مدن ألمانية. في ولاية سكسونيا السفلى. لقيت الأوركسترا ترحيبا حارا من سكان بلدة باد بيفينزن، وألقى العمدة خطابا في إطار جلسة نقاش مفتوحة تحدث فيه عن التعايش والعلاقة الحميمية التي تجمع السكان المحليين بالأسر السورية.
علاقة خاصة مع الوطن والأهل
لعل مايشغل بال رائد جذبة حاليا هو والداه اللذان لم يراهما لأكثر من أربع سنوات. نسمع في نبرة صوته إلى ذلك الحنين والاشتياق. ولكن إرسال بعض مقاطع الفيديو والصور من الحفلات أو التحضيرات- لدى توفر الإنترنت في حلب – يُفرح والديه كثيرا. فلعل مشاركة التفاصيل اليومية تخفف من ألم الحنين والشوق لرائد واخوته المقيمين أيضا في ألمانيا.
وعما إذا كان جذبة يخطط للعودة إلى سوريا في المستقبل. يقول “أفكر بالعودة فقط في حال عودة السلام لها. فبالنسبة لي لا يقتصر الوطن على مكان الولادة فقط بل يتعداه أيضا إلى العلاقة بين المكان والإنسان”.
Sorry Comments are closed