فراس علاوي
فكرة إنشاء دولة على أعقاب سقوط دولة هي فكرة تقسيمية وحدثت في أواخر القرن العشرين كثيراً، كما عند تفكك الإتحادين السوفييتي واليوغسلافي، كان أخرها تحول إقليم كوسوفو إلى دولة وبموافقة الأمم المتحدة. فالدولة لها مقومات يجب أن تتوفر فيها لكي تكون دولة متكاملة وهي ليست فكرة فقط، فالعامل البشري والاقتصادي والسياسي هي أهم عوامل قيام الدولة، أما تقسيم الدول فيتم غالباً على أساس إثني وعقائدي أو بفعل تحالفات متباينة كما حدث بين الكوريتين إذ تم تقسيم كوريا إلى دولتين حسب ولاء كل دولة لمعسكر دون آخر أثناء الحرب الباردة.
أما الدولة فتأخذ شكلها، إما على أساس ديني كدولة الفاتيكان وإيران، أو سياسي أو ديمو غرافي وهو الأمر الطبيعي وتحاول جميع الدول إعطاء طابع معين لها من خلال سياستها الداخلية والخارجية.
ولعل محاولات إسرائيل لقبولها كدولة في الشرق الأوسط هو السبب الرئيس في كثير من التغيرات السياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط.
محاولات إسرائيل هذه وجدت دعماً كبيراً من مجموعة الدول الداعمة لقيامها والتي ترى مصلحتها في وجود إسرائيل كدولة قوية في الشرق الأوسط ومهيمنة على الدول الأخرى لذلك عملت هذه الدول على دعمها سياسياً من خلال الأمم المتحدة ووقوفها ضد أي قرار يدين إسرائيل أو أي من ممارساتها وكانت الولايات المتحدة في طليعة تلك الدول، لكن كل هذه الإجراءات لم تمنع من وجود محيط معاد تشكله الشعوب العربية على الرغم من قيام الولايات المتحدة وبعض الدول كبريطانيا وفرنسا وروسيا بإيصال حكومات وأشخاص إلى سدة الحكم مهمتهم الأساسية هي الحفاظ على وجود إسرائيل وأمنها ومنع تلك الشعوب من تحقيق أهدافها بل ودعم تلك الحكومات من أجل قمع شعوبها وإسكات أصواتها المنادية بتحرير فلسطين.
لكن هذا الأمر لم يفلح بالرغم من أن هذه الدول دعمت هذه الأنظمة بكل ما أوتيت من قوة بل ودبرت حروباً شكلية خسر خلالها الشعب العربي كثيراً من أبنائه وكان الرابح الوحيد هو إسرائيل، كما حدث في حرب تشرين (أكتوبر 1973) التي خسر فيها السوريون مزيداً من الأراضي وأرواح الجنود وخرج نظام الأسد يتغنى بنصر زائف كما فعل عبد الناصر قبله حين خسر حرب حزيران وخرج بطلاً شعبياً.
لكن هذه السياسة لم تفلح في ضمان وجود إسرائيل خاصة بعد التهديد الديموغرافي الذي واجهته من قبل عرب إسرائيل -كما يسمونهم- وهم فلسطينيي 1948 وازدياد أعدادهم وتنامي التيار المعادي لإسرائيل في صفوف الشباب العربي بدعم من التنظيمات الإسلامية التي بدأت تظهر على الساحة الدولية خاصة في أفغانستان والشيشان والتي بدأت تشكل تهديداً حقيقياً لمصالح هذه الدول فكانت فكرة إيجاد عدو آخر لهذه الشعوب.
حيث دعمت تلك الدول قيام دولة إيران “الشيعية” المعادية للدول الإسلامية عداءاً مذهبياً وتحويل الأنظار نوعاً ما عن القضية المركزية وهي قيام إسرائيل وبالفعل نجحت تلك الدول في زراعة نظام الملالي في إيران كبؤرة للتوتر في المنطقة وحرف الأنظار عن وجود إسرائيل ومشاريعها الاستيطانية والتوسعية.
لكن مشكلة أخرى واجهت تلك الدول وهي الأطماع التوسعية لملالي إيران، الذي يواجهه اليوم توحد في الموقف ضدها من قبل الدول الإسلامية، هذا التوجه وإن بدا ضعيفاً ومتأخراً لكنه بداية خلقت جواً من الخوف لدى تلك الدول من وجود قوة جديدة في الشرق الأوسط لذلك كان لابد من البحث عن حل جديد لهذه المعضلة يضعف مواقف هذه الدول وبذات الوقت يخفف الضغط على إسرائيل وجعلها القوة المسيطرة في المنطقة.
بعد كل هذه المحاولات توصلت القوى العظمى والداعمة لإسرائيل والتي لها مصالح في الشرق الأوسط إلى ما سمته الشرق الأوسط الجديد وتعود هذه الفكرة إلى ما قبل قيام ثورات الربيع العربي لكن ما دعمها هو تحرك الجماهير العربية لنيل حريتها فكان لابد من تغيير بوصلة هذه الثورات من بحث عن الحرية إلى قتال عقائدي فيما بينها.
واستمراراً لهذا المشروع كان لابد من تقسيم دول المنطقة إلى دويلات تحقق من خلالها عدة أهداف أهمها:
1-تقسيم الدول الموجودة في المنطقة إلى دويلات يجعل من إسرائيل الدولة الأكبر في المنطقة
2-سهولة السيطرة على هذه الدول وجعلها تعيش في حالة حرب دائمة
3-الاستفادة القصوى مما تمتلكه تلك الدول من مقدرات كالنفط والغاز وغيرها في ظل عدم وجود تكامل اقتصادي بسبب التفتت الذي تعانيه.
كانت الطريقة الأسهل لتفتيت المنطقة إلى دويلات صغرى متناقضة وربما متحاربة هو العزف على وتر الطائفية الذي بات يسيطر على الفكر الشعبي والسياسي في المنطقة، ومع الحلم الإسرائيلي بقيام الدولة اليهودية كان لابد من وجود ذريعة لقيامها على أساس ديني دفع باتجاه قيام دويلات على أساس إثني وطائفي.
هذا الحلم الذي يدغدغ أحلام الكثير من الأكراد و بعض الدروز والعلويين ويحقق مصلحة الدول العظمى، والعائق الوحيد كان المكون السني الذي بدا أنه سيقف في وجه هذه المشاريع، لذلك كان لابد من البحث عن فكرة لإنشاء دويلة تحمل هذا الفكر تكون بمثابة المبرر لتقسيم المنطقة.
وفي ظل حالة الصراع الدائر في المتطقة وجدت تلك الدول في قادة مايسمى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق” ما تبحث عنه فغذت في نفوسهم فكرة قيام دولة سنية في المنطقة وعملت أكثر من جهة ومنظمة استخباراتية على ذلك بل وقدمت دعماً لوجستياً وعملياتياً سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
كان قيام هذه الدولة نقطة البداية لتحقيق هذا المشروع، فسمح لها بالتمدد داخل حدودها المرسومة والمتمثلة بالمنطقة السنية بين العراق وسوريا وهي منطقة الأنبار بالإضافة للجزيرة السورية والبادية السورية وهي منطقة غنية بالنفط لكنها قاحلة ماعدا منطقة الجزيرة التي تحتوي على أراضي خصبة.
هذه هي الدولة التي وُعد بها القائمون على تنظيم دولة العراق لكن بمقابل تلك الدولة ما الذي سيحصل؟
كانت مهمة عناصر هذه الدولة هي إشعال المنطقة من أجل تبرير التدخل الخارجي وبذات الوقت التحرش بالأقليات الإثنية بالمنطقة، لذلك نرى التنظيم قد بدأ بضرب بعض المناطق الكردية وكذلك المناطق العلوية وذهب بعيداً إلى السويداء من أجل التحرش بالدروز هناك كما ضرب بعض المناطق الشيعية في العراق لكن كل هذا كان مجرد استفزاز خسر به تنظيم الدولة أكثر مما ربح فماذا كانت نتائج هذا الاستفزاز؟
- تنبيه الأقليات الموجودة إلى ضرورة تحصين نفسها وتشكيل قوات خاصة بها ومحاولة الحصول على دعم دولي
- تدخل دولي سافر وواضح على الأراضي السورية بحجة حماية الأقليات من خطر داعش وقتال التنظيم على الأرض
- خسارة المكون السني لعوامل قوته المتمثلة بالعنصر البشري والوحدة المذهبية نتيجة لانقسام الموقف من الدولة
- تهيئة الرأي العام العالمي لقيام تلك الدويلات في الشرق الأوسط وبالتالي قيام إسرائيل اليهودية والتي ستكون القوة العظمى والمسيطرة في المنطقة
وبالفعل بدأ العمل على ذلك وكانت البداية مع الكرد الذين استطاعوا تسويق أنفسهم على أنهم القوة الأكثر تنظيماً على الأرض والتي تستطيع محاربة تنظيم الدولة وتلقوا الدعم من كافة الدول من أجل ذلك بالإضافة لتطمينات بقيام دولة كردية في شمال وشمال شرق سوريا.
كان هذا ذريعة لتدخل الروس إلى جانب حلفائهم “العلويين” والعمل معهم على إقامة دويلة علوية في الساحل السوري وبالفعل فإن التدخل الروسي كان الغرض منه حماية الساحل وبذات الوقت إرسال رسائل لتركيا القريبة أن هذه الدويلة تحت وصايتنا.
شيعة العراق أيضاً سيكون لهم نصيب في دويلة بما تبقى من العراق وبذلك يكون الأمريكان قد ضربوا عصفورين بحجر واحد: أولاً إقامة دولة شيعية مكونها عربي على حدود إيران الفارسية، وثانياً استخدام هذه الدويلة كعصا تأديب في المنطقة ولمناوشات محتملة مع إيران مستقبلاً، حيث يعد الحشد الشيعي نواة لقوة هذه الدويلة العسكرية.
الدروز وحدهم لم يستقروا بعد على موقف معين وإن كان البعض منهم يستند إلى موقف إسرائيل ويعول على دروزها في التعاطف معهم، أما الوجود المسيحي فسيكون تحت حماية دولية ربما ضمن بعض هذه الدويلات أو ربما تشكيل كانتون مسيحي مرتبط بلبنان.
هذا هو السيناريو السيء الذي تقبل عليه المنطقة وعلى ضوئه فإن الخريطة الجغرافية للمنطقة ستكون كما يلي:
دولة سنية في الوسط تملك النفط والثروة لكنها لاتملك أي منفذ لها للخارج وهي محاطة بدول معادية لها
يسهل خنقها وبسهولة فهي لاتملك أي منفذ بحري أو بري.
دولة شيعية في الشرق لها امتداد إلى إيران لكنها ربما ستكون تحت المظلة الأمريكية لأنها تعتمد في وجودها على هذا الدعم.
وفي الشمال دولة كردية ربما هي الأكثر تنظيماً وقدرة إدارية بسبب تجارب كردستان العراق وتملك النفط والثرات الباطنية لكنها محاطة بالأعداء وخاصة الجارة الكبرى تركيا لذلك ستبقى تبحث عن الحماية الدولية من قبل حلفائها الأمريكان والإسرائيليين.
في الغرب والساحل السوري دويلة علوية صغرى لاتملك من مقومات الدولة سوى البحر لذلك ستبقى تعتمد على الدعم المقدم من الروس لها.
دولة درزية في الجنوب وهي ستكون صمام أمان لإسرائيل.
وتبقى دمشق وما يحيط بها وهي موضع جدال واسع بين هذه الأطراف ربما تكون كانتوناً مستقلاً يحظى برعاية دولية بسبب طبيعتها الإثنية والجغرافية.
ربما يكون هذا السيناريو مرعباً وغير منطقي، لكن جنون الأحداث وتسارعها قد يقود لما هو أبعد من ذلك!
Fantastic revise on the infographic, David! Your homework is tremendously loved and share you SEMs a combating probability contrary to the wrong information throughout the online this will get was terrible into Gp.
Gucci Outlet
,,!
Wow, fantastic forum layout! How long have you been forumging for? you made forumging look easy. The overall look of your web site is wonderful, let alone the content! Lusignan
Much thanks again. Want more.