أخذني اجتماع مجلس محافظة دمشق، قبل أيام، والذي تم خلاله منع إدخال مادة الأندومي إلى المدراس، بشكل قاطع، نظراً لما لها من آثار صحية سلبية على حياة الطلبة، فضلاً عن أسعارها المرتفعة، أخذني إلى حلقة لا تُنسى من روائع الكوميدي السوري ياسر العظمة.
وملخّص تلك الحلقة من “مرايا” أن ياسر العظمة يعود بعد غياب عامين عن بلده وأهله فيستقبله ابنه (الممثل محمد قنوع)، وفي طريقهما إلى المنزل يسأل الأب عن أحوال أسرته في غيابه، فيرد الابن: الحمد لله يا بي، كل شي تمام، فيعقّب الأب، يعني ما صار شي معكم بغيابي، يجيب الولد: أبداً يابي كل شي تمام، بس “أي لكن بلهجة أهل الشام”.
يسأل الأب بلهفة، بس شو يا صالح، يرد الابن، كُسرت عصا الرفش “المعول”، يتنفس الأب الصعداء ويقول: وقفت لي قلبي، من ثم يستدرك سائلاً، وكيف كُسرت عصا الرفش، يرد الابن وقت كنا نحفر قبراً لبقرتنا الحلوب، يندهش الأب ويسأل، “وهل ماتت بقرتنا! لا حول الله، هذه حال الدنيا، ولكن كيف ماتت؟!”، يرد الولد: “ماتت حرقاً يا أبي وقت كانت مربوطة قرب بيدر القمح وقت احترق”، يندهش الأب: “وكيف احترق البيدر”، يجيبه ابنه، “حينما رمى أخي عبود الصغير السيجارة قربه”.
يسأل الأب بما تبقّى لديه من صبر وقدرة على الوقوف، ومنذ متى يدخن عبود، يرد الولد: “منذ ماتت أمي قبل ستة أشهر يا بي، جميع إخوتي يدخنون”.
مسك الرجل نفسه من السقوط وسأل: “كيف ماتت أمك يا صالح”، يرد الولد، “لشدة حزنها على أختي نظمية، بعد وفاة زوجها”، “وكيف مات زوج نظمية يا صالح”. يتابع الأب الأسئلة، فيرد الولد: “دهسه تركتورنا “جرارنا” غير اللازم بعد أن بعنا أرضنا لإيفاء الديون”.
وبأنفاسه الأخيرة قبل أن يسقط، يسأل ياسر العظمة ابنه، “وممن استدنتم ولماذا”، يرد الولد، “استدنا من المختار لندفع ديّة لآل الخشاب، بعد أن قتل أخي ابنهم إثر خلاف على سقاية الأرض يا بي”.
وبسؤاله الأخير وقبيل إغمائه وسقوطه، يقول الكوميدي السوري لابنه، “هل بقيت أخبار تسم البدن يا صالح”، يرد الولد: “لا يا بي، كل شي تمام”.
وهذا بالتمام، ما حصل مع أعضاء مجلس محافظة دمشق قبل أيام، إذ لا شيء يعيق العملية التدريسية وصفو التلاميذ ويهدد حياتهم سوى وجبة الأندومي.
لأن ثلاثة ملايين طفل في سن الدراسة محرومين من التعليم تفصيل كخبر موت أم صالح.
ونسبة المتضررين جراء توقف العملية التدريسية، البالغة 81%، بين 38% متضرر كلياً و43% بشكل جزئي، خبر عادي لا يرقى إلى مستوى جرار أبي صالح.
وتدمير 3800 مدرسة من جراء قصف طائرات بشار الأسد وحلفائه أمر طبيعي كموت البقرة، ولا ضرورة للوقوف عنده.
وتحول 1500 مدرسة متضررة إلى مأوى للنازحين السوريين الذين فقدوا منازلهم، حدث أقل من أن تناقشه محافظة العاصمة.
وكذلك لجهة تحول 150 مدرسة إلى مشافٍ ميدانية، بعد استهداف المراكز الصحية، خبر تمكن مناقشته لاحقاً، كموت زوج أخت صالح وجريمة أخيه. أما الأندومي فهي ولا شك، أشبه بعصا المعول، لا يمكن تأجيله أو السكوت عليه. إذ ما عدا الأندومي، كل شي في سورية الأسد… تمام يا أبي.
Sorry Comments are closed