رانيا محمود – حرية برس:
تعيد الأمم المتحدة بناء شرق مدينة حلب تحت إشراف نظام الأسد الديكتاتوري الذي دمرها، وذلك وفقاً لوثائق التخطيط الخاصة بالأمم المتحدة التي درستها شبكة “فوكس نيوز” الأميركية.
وأوضحت الشبكة في تقرير ترجمته حرية برس، أن الخطط التي ينسقها مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين ووزارة الإدارة المحلية والبيئة التابعة لحكومة النظام السوري تؤكد حجم سيطرة النظام على الاستمرار في ممارسة البرنامج الإنساني المحايد ظاهرياً في البلاد. كما أنها تثير مخاوف بأن برنامج إعادة الإعمار، الذي يعد جزء من المرحلة التالية لخطة الاستجابة الإنسانية التي تبلغ قيمتها عدة مليارات دولار لسوريا، سيؤدي إلى تهجير عشرات الآلاف من السوريين الذين فروا من حلب قبل أن تقع بيد قوات الأسد في ديسمبر 2016.
وقال مسؤول يعمل في خطة استجابة سوريا -طلب عدم الكشف عن هويته- أن الخطط ” ليست عملية ولا تأخذ بعين الاعتبار موضوع اللاجئين من شرق حلب، وأضاف المسؤول أن الخطة بإمكانها أن “تسبب مشاكل اجتماعية بسبب أولويات التخطيط غير المنصفة “.
وقد تصدّرت أحياء حلب الشرقية العناوين في السنة الماضية، بعد حصار دام لشهور، تخلله وحشية عسكرية وهجمات بالغازات السامة على المستشفيات والمدارس وأسواق المواد الغذائية، وعمليات جوية من قبل الجيش السوري المدعوم بطائرات روسية وميليشيات إيرانية مدربة، مما أدى إلى إجلاء قسري لآخر المناطق المعارضة للنظام.
وذكرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة في سوريا أن أطراف النزاع قد ارتكبت في الفترة من تموز/ يوليو إلى كانون الأول/ ديسمبر 2016 “انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب”.
ويجري الآن تنفيذ عمليتان متوازيتان في ظل التخطيط لإعادة بناء المدينة وإعادة توطين سكانها تتلخصان في خطة إنسانية مدعومة دولياً لتلبية احتياجات السوريين الذين يعيشون في شرق حلب والعودة إليها، وخطة تنموية أضيق بكثير تركز على إعادة بناء المدينة القديمة التاريخية في وسط المدينة.
تحدد الوثيقة التي تدرسها “فوكس نيوز” الخطوط العريضة للاستجابة الإنسانية من قبل عدة منظمات انسانية، الضواحي التي خصصتها حكومة الأسد والبلدية المحلية كأولويات للعائدين.
ووفقاً للوثيقة الدخلية فإن عملية البت في كيفية إعادة بناء الريف الشرقي تبدأ مع مخطط حكومة نظام الأسد الذي تشتمل أولوياته على 15 منطقة في المدينة من أجل عودة قاطنيها. وقد تم تعيين هذه المناطق كأكثر 10 مجالات ذات أولوية ل”مجموعة المأوى” التابعة للأمم المتحدة، و تم اختيارها بعد أن قام العاملون في المجال الإنساني بتققيم مدى الأمن عملياً للسماح للاجئين بالعودة والاحتياجات في كل منطقة من مناطق المدينة. ثم أجرت عملية رسم الخرائط مقارنة للقوائم وحددت ثمانية مجالات ظهرت على كلا القائمتين باعتبارها محور تركيز لموارد إعادة التأهيل.
ثم يتم تحديد مشروع تجريبي “متعدد القطاعات” في ثلاثة من هذه الأحياء، كهدف أولي إضافي لإعادة بناء الموارد.
وقد أظهرت مطابقة وثائق التخطيط مع النشرات الصحفية الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 2017 أن مشاريع مثل تجديد المدارس وإصلاح المراكز الصحية والمراكز المجتمعية الجديدة في حلب تقع بشكل حصري تقريباً ضمن المناطق ذات الأولوية في المدينة التي حددتها حكومة النظام السوري.
في الواقع، على الرغم من استعادة النظام لـ 52 حيّاً من حلب الشرقية، فإن بعض الأحياء الثمانية التي تم تحديدها كمناطق ذات أولوية من قبل النظام والمدرجة أيضاً في خطط الأمم المتحدة ليست في شرق حلب، بل إنها تقع في غرب ووسط المدينة في أحياء لم تكن جزءاً من الحملة العسكرية الحصار الذي استمر شهوراً في عام 2016.
وتوضح مسودة مسربة عن خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2018 أن المخاطر داخل مجموعة المأوى تشمل “إمكانية تحويل المعونة عن هدفها، والفساد وتمكين أطراف النزاع، والتي ينبغي أن يعالجها جميع الشركاء من خلال تصميم تدخلهم وإدارتهم ونظم المراقبة “.
وتشرح المسودة أن خطط إعادة التأهيل “يجب أن تتضمن فهم قضايا الإسكان والأراضي والممتلكات الخاصة بكل سياق”. إن تقييم هذه المخاطر وتخفيفها، التي تهدف إلى ضمان أن خطط الأمم المتحدة لا تسهم في إمكانية إجبار المهجرين على الخروج من منازلهم، لا يبدو أنها قد أدرجت في خطط حلب.
ولا تستهدف الوثيقة التي درستها “فوكس نيوز” المناطق الواسعة التي تشمل المساكن العشوائية وغير الرسمية في شرق المدينة المدمرة التي فر عشرات الآلاف من اللاجئين هرباً من العنف الذي وقع في المنطقة. وبعبارة أخرى، قد يواجه هؤلاء الناس الآن إمكانية حقيقية جداً للتشرد الدائم.
وقد دُمر أكثر من 30 ألف سجل من ممتلكات حلب خلال النزاع، وكان معظمها يعود إلى ممتلكات الشرق وحلب القديمة. وبدون هذه سجلات، قد لا يتمكن المقيمون من إثبات ملكية منزلهم، أو حتى الحصول على مدفوعات أو خدمات تعويضية.
وقد تم فصل المدينة القديمة التاريخية في حلب عن عملية التخطيط الإنساني الأوسع نطاقاً، تحت إشراف ما يسمى “اللجنة التوجيهية الوطنية العليا لاستعادة المدينة القديمة في حلب”. وقد تم الإعلان عن آخر اجتماع لهذه اللجنة 2 نوفمبر من قبل الصندوق السوري للتنمية، وهي منظمة غير حكومية مرتبطة بأسماء الأسد، استضافها سابقاً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
وكانت أسماء الأسد إلى جانب المنظمة الخيرية التي أسستها شركاء للأمم المتحدة في سوريا لوقت طويل، حيث يقومون بتعهد كمية كبيرة من أعمال الإغاثة والتنمية في أنحاء البلاد باستخدام أموال الأمم المتحدة.
وتتولى وزارة الثقافة في حكومة النظام السوري قيادة خطة إعادة إعمار البلدة القديمة، وتعمل بشكل وثيق مع وزارة الأشغال العامة والإسكان ووزارة السياحة، فضلاً عن اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى جانب الهيئات الحكومية الأخرى والمنظمات غير الحكومية.
ويتشابه برنامج حلب القديمة مع التصميم الذي استخدم في إعادة تأهيل حمص القديمة، حيث أن الأحياء التي أعيد إعمارها يبدو أنها تعطي الأولوية لخطط حكومة النظام السوري، بدلاً من أي شكل من أشكال الحياد.
وقد انتقد معهد سوريا ومنظمة باكس من أجل السلام ومنظمات الدعوة التي عملت معا لمراقبة الحصار والتشريد القسري في سوريا بشدة تدخلات الأمم المتحدة في حمص، حيث فصّل تقريرهم الذي حمل عنوان “لا عودة إلى حمص” سلسلة من التدخلات التي قامت بها الأمم المتحدة وحكومة الأسد والتي بحسب التقرير من سأنها أن تمنع اللاجئين من حمص الذين فروا من المدينة، وآخرين ممن نزحوا قسراً من البلدة القديمة في عام 2014 من العودة. في الواقع إنه شكل سياسي من الهندسة الاجتماعية.
وبحسب تقرير “العودة إلى حمص”، فإن عملية تحديد أولويات إعادة تأهيل حمص، وتحديد أي ممتلكات يمكن استعادتها مقابل ما قد يتطلب الهدم، لم تكن شفافة، ولم تشمل أي أشخاص غير موجودين حالياً في المدينة نفسها. وقال التقرير “لم يتم الاتصال بأي من المهجرين الذين تم الوصول إليهم خلال هذه الدراسة من قبل أي منظمات أو وكالات بشأن الممتلكات التي تركوها وراءهم”. وبدلاً من الاعتراف بتلك الإخفاقات، فإن عملية التخطيط في حلب تستخدم حمص كمثال على الطريقة المثلى لتقييم الضرر والوصول إلى المستفيدين من مساعدات إعادة البناء.
وتتهم المديرة التنفيذية للمعهد السوري في سوريا “فاليري سيبالا” وكالات الأمم المتحدة التي تشارك في أعمال إعادة الإعمار في مناطق مثل شرق حلب -على الأقل علناً- تحافظ على الجهل المتعمد، عاصبة أعينها عن أن النظام السوري يتخذ خطوات حقيقية لمنع العديد من المدنيين من العودة إلى ديارهم “.
و قد رفضت المفوضية الإجابة على أسئلة “فوكس نيوز” عن قرار وضع أولويات حكومة النظام السوري في حلب على رأس القائمة. لكن ذلك لم يمنعهم من القيام بحملة انتقاد إعلامية اجتماعية ضخمة تهدف إلى جمع التبرعات من أجل عملهم في المدينة.
وتصدر المفوضية أيضاً بيانات صحفية عن عملها في شرق حلب تنص على أنه “بالنسبة لأولئك الذين اختاروا العودة إلى حلب منذ توقف القتال، فإن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها يقدمون الدعم لمساعدة الناس على العودة “وقد دعموا هذا الأمر بتقديم طلب تمويل للمانحين بمبلغ 156 مليون دولار للربع الأخير من عام 2017.
وقال “خضر خضور” زميل غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، في تقرير أصدره في تشرين الأول/ أكتوبر عن النظام السياسي والاجتماعي الجديد في حلب برعاية مؤسسة “فريدريش إبيرت” الألمانية، أن العديد من أحياء حلب الشرقية كانت مأهولة من قبل “أفقر المهجرين الجدد من الريف”، الذين واصلوا التعرف على قراهم أو أجزاء أخرى من البلاد أثناء العمل لصالح أصحاب المصانع، وفي الغالب يكونون مستقلين عن النظام، و يعيشون في الأجزاء الغربية الغنية من المدينة.
لقد تمزقت هذه المجتمعات بشكل وحشي، بما في ذلك أصحاب المشاريع الخاصة بهم، وكما قال “خضور” فإن الصراع “أعاد تشكيل ميزان القوى بين حلب والنظام في دمشق”. ويظهر شكل جديد لاستغلال الحرب هو شبكة الطاقة الجديدة التي تستخدمها دمشق للسيطرة على حلب اليوم، ويعتزم النظام استخدام هذه الشبكة في سوريا بعد انتهاء الصراع القائم في سوريا “.
ويقول “خضور” إذا كان الهدف من إعادة التأهيل هو تقديم الأمل والانتعاش للسكان النازحين الذين يواجهون الآن الانقسام الاجتماعي، فإن “مساعدات إعادة الإعمار يجب أن تقدم فقط بشرط عدم فرض قيود أمنية على عودة اللاجئين والنازحين، وأن التقنيين السوريين المستقلين يجب أن يشاركوا في عملية إعادة الإعمار في مهمة رقابية على إنفاقها وإدارتها”.
عذراً التعليقات مغلقة