شهدت البورصات الأوروبية تراجعا أمس جراء الانخفاض الملحوظ في قيمة أسهم شركات صناعة السيارات العالمية، ويكشف هذا التراجع القلق الذي ينتاب المضاربين والمستثمرين جراء انعكاس فضيحة تحايل كبار المنتجين في عالم السيارات على المعدل الحقيقي لانبعاثات الغازات ومن ثم على أرباح القطاع. القضية التي انفجرت منذ أيلول (سبتمبر) 2015 عبر فضيحة مدوية أصابت “فولكسفاجن” الألمانية، طالت الآن “ميتسوبيشي” اليابانية، وها هي تمتد إلى فرنسا حيث دهم محققون مكاتب شركة “بيجو-ستروين” في إطار تحقيقات بشأن نسبة الغازات المنبعثة من السيارات ومدى مطبقتها للمعايير العالمية. وأعلن مصدر في الحكومة الألمانية أمس أن نحو 630 ألف سيارة لشركات “أودي”، و”بورش” و”أوبل” و”مرسيدس” و”فولكسفاجن”، ستسحب من الأسواق الأوروبية بسبب مخالفتها مستوى انبعاثات الغازات الملوثة، وقد اتخذ هذا التدبير نتيجة التحقيق الذي أجرته السلطات منذ فضيحة “فولكسفاجن”، وأجري في الأشهر الأخيرة تحقيق حول انبعاثات الغازات الملوثة من جميع نماذج السيارات التي تستخدم الديزل في ألمانيا. ونزل مؤشر يوروفرست 300 لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى 0.5 في المائة على الرغم من أنه ظل على مسار تحقيق مكاسب للأسبوع الثاني، وهوى مؤشر قطاع السيارات الأوروبي 2.4 في المائة ليتصدر قائمة الخاسرين وقاد التراجع سهم “داميلر” الذي هبط بنسبة 6.6 في المائة إلى 66.22 يورو خلال التعاملات الصباحية في بورصة فرانكفورت، بعد أن ذكرت الشركة الألمانية أنها ستجري تحقيقا داخليا في عملية الاعتماد المتعلقة بانبعاثات العادم في الولايات المتحدة. ويتزامن إعلان “داميلر” إجراء التحقيق الداخلي مع تراجع أرباحها بنسبة 32 في المائة إلى 1.40 مليار يورو خلال الربع الأول من العام الجاري مقابل 2.05 مليار يورو خلال نفس الفترة من العام الماضي، ويرجع هذا التراجع جزئيا إلى تكاليف طرح نسخة جديدة مطورة من السيارة السيدان مرسيدس إي-كلاس، وكانت “دايملر” قد أعربت عن توقعاتها أن تكتسب أرباحها قوة دفع في 2016 بعد تحقيق نتائج قياسية العام الماضي. وكان سهما فاينانشيال تايمز البريطاني، وداكس الألماني قد بدآ التعاملات على انخفاض بنسبة 0.5 في المائة في حين نزل مؤشر كاك 40 الفرنسي 0.2 في المائة، وفي الوقت الذي انخفضت فيه قيمة أسهم “داميلر”، هبطت أسهم “فولكسفاجن” بما يوازي 4 في المائة، رغم إعلانها الاستعداد لتعويض 500 ألف من أصحاب سيارات الديزل، فيما امتدت الخسائر أيضا إلى شركة “فيات” الإيطالية و”بيجو” الفرنسية وتراجعت أسهمهما بنحو 3 في المائة. وأوضح لـ “الاقتصادية”، لويس سايمون من بورصة لندن، أن أسهم شركات صناعة السيارات الأوروبية ستشهد وضعا حرجا بالنسبة إلى قيمة أسهمها لبعض الوقت، مضيفا أن “اتساع نطاق فضيحة التحايل على الانبعاثات وامتدادها إلى بلدان غير أوروبية يحد نسبيا من الضغوط التي يعانيها القطاع”. وأضاف سايمون أن “الفضيحة إذا انحصرت في صناعة السيارات الأوروبية، فستمثل ضربة قاصمة للصناعة الأوروبية، لأن المستهلك كان سيتوجه إلى البدائل الأخرى اليابانية والأمريكية، ولكن كما نرى فإن شركة “ميتسوبيشي” اليابانية أعلنت تورطها في هذا النوع من التحايل، وهو ما سيقلص استهلاك الأوروبيين من السيارات اليابانية، وبصفة عامة فإن الاستهلاك الأوروبي من السيارات الأمريكية لا يعد كبيرا جراء استهلاكها المرتفع نسبيا للوقود مقارنة بالسيارات الأوروبية واليابانية”. واتسعت فضيحة شركة “ميتسوبيشي” اليابانية المتعلقة بكفاءة استهلاك الوقود حيث قال مسؤولون عن سلامة السيارات في الولايات المتحدة “إنهم يسعون للحصول على معلومات” في الوقت الذي صرحت فيه وسائل إعلام “إن الشركة قدمت بيانات مضللة بشأن طراز أو اثنين على الأقل”. وأقرت أكبر شركة منتجة للسيارات في اليابان بأنها بالغت في تقدير كفاءة استهلاك الوقود في 625 ألف سيارة ما أدى إلى خسارة أسهمها نحو 40 في المائة من قيمتها السوقية أو ما يقدر بنحو 3.2 مليار دولار في ثلاثة أيام. ودفع ذلك السلطات اليابانية إلى مداهمة إحدى منشآتها الخاصة بالأبحاث والتطوير في الوقت الذي حذرت فيه وكالة “ستاندرد آند بورز” من أنها قد تخفض تصنيف الشركة أكثر، وأشار مسؤولون كبار في اليابان إلى أن “ميتسوبيشي” قد تضطر إلى رد أموال للمستهلكين وللحكومة إذا ما ثبت أن السيارات لا تتمتع بكفاءة في استخدام الطاقة كما كانت تدعي. وقال كيتشي إيشي وزير النقل الياباني خلال مؤتمر صحفي “إن هذه مشكلة كبيرة قد تؤدي إلى فقدان الثقة بصناعة السيارات في بلادنا” مضيفا أنه “يريد أن تدرس “ميتسوبيشي” إعادة شراء السيارات التي تدور حولها القضية”.
عذراً التعليقات مغلقة