تعد الشبكة السورية لحقوق الإنسان من أبرز المؤسسات الحقوقية المعنية بالشأن السوري، حيث انطلقت بعد أشهر من بدء الثورة السورية لتوثق الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، وتسعى جاهدة للدفاع عن القضية السورية أمام المحافل الدولية، وقد أصبحت بفضل حياديتها وجهودها الكبيرة جهة ذات مصداقية عالية.
حرية برس أجرت حواراً مع فضل شقفة، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حول أبرز التحديات التي تواجهها الشبكة، وجهود الشبكة في مجال التوثيق وحقوق الإنسان، ونشاطها على الصعيدين المحلي والدولي.
.
نص الحوار كاملاً:
عمل التوثيق محفوف بالمخاطر، خاصة أنه يتطلب قدراً عالياً من الحيادية، ما هي أبرز المخاطر التي تواجهها الشبكة في عملها داخل سوريا؟
تختلف التحديات والمخاطر بحسب كل نوع من أنواع الانتهاكات، فالتحديات أمام تسجيل حالات الاختفاء القسري مختلفة عن تحديات العنف الجنسي، مختلفة عن حالات القصف الجوي، وهكذا، وتتجسَّد بشكل عام بداية في كون الشبكة السورية لحقوق الإنسان أخذت على عاتقها تسجيل نطاق واسع مع الانتهاكات، كالقتل، والإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والدمار، والقصف العشوائي، والتعذيب، وغير ذلك، الأمر المهم الآخر هو تعدُّد وتنوع مرتكبي الانتهاكات، في بداية الحراك الشعبي نحو الديمقراطية كان النظام السوري وميليشياته الطرف الأوحد، وهو لا يزال المرتكب الرئيس والأكبر، لكن دخلت جهات عديدة بشكل تدريجي، كالتنظيمات المتشددة، وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وفصائل المعارضة المسلحة، وقوات التحالف الدولي، والقوات الروسية، والتمييز بين مرتكب الانتهاك أمر حيوي وأساسي في عملية التوثيق، أخيراً هناك التحديات الاعتيادية المستمرة منذ بداية الحراك الشعبي، التحدي الأمني، الذي يُعيق التحرُّك إلى مكان الجريمة، وفي ظلِّ هذا الكم فوق الطبيعي من حجم وسعة الانتهاكات في سوريا، فنحن بحاجة إلى توظيف قرابة الـ 850 موظفاً، وهذا أمر لا تُطيقة قدراتنا المادية واللوجستية. إضافة إلى انقطاع الاتصالات، والكهرباء، والإنترنت، إضافة إلى أنَّ نقدَ وتوثيق الانتهاكات من قبل جميع الأطراف، يجعلك غير محبوباً بل وربما ملاحقاً من قبل العديد منها، أخيراً خوف الضحايا من الإدلاء بشهاداتهم، خوفهم على أنفسهم، وخوفهم من المجتمع في بعض الأحيان.
جميع ما ذكرته سابقاً يوضع في كفة، وفقدان الأمل بجدوى المحاسبة والعدالة في الكفَّة الأخرى، لأن هذا الشعور يؤدي إلى عدم تعاون المجتمع معنا، وهم رصيدنا الأساسي، لقد فشل المجتمع الدولي في محاسبة المجرمين الأساسيين في سوريا على مدى سبع سنوات من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وبالتالي لا يوجد دافع يحفِّز المجتمع على الحديث عما ما ارتكب بحقه.
ما أبرز الصعوبات في توثيق حالات الاختفاء القسري، لا سيما أن معظم الجهات الفاعلة تكون عادةً مجهولة؟
عادة لا تملك الأسرة معلومات كافية عن ظروف اختفاء الضحية وغالباً ما تفقد أوراقه الشخصية معه كالهوية الشخصية، وكثيراً ما تتخوف العائلات من التواصل معنا خوفاً من تعرُّض الضحية للتعذيب في حال قامت العائلة بتوثيقه كمختفٍ قسرياً.
عدم معرفة أحد من الأهل والأصدقاء من هي الجهة الأمنية التي قامت بالاعتقال، ولدى مراجعة الأفرع الأمنية فإنها جميعاً تُنكر وجود المحتجز لديها.
صعوبة الوصول إلى أهالي المختفي قسرياً، وفي حالة الوصول قد ترفض بعض العائلات المساهمة في التوثيق بسبب الخوف، وعدم جدوى وفعالية ذلك، وتلجأ في هذه الحالة إلى الشبكات المافيوية التي أفرزتها هذه الظاهرة.
ما هي الصعوبات التي تعترضكم في توثيق حالات الاغتصاب لدى النساء؟
بشكل عام يعتبر توثيق وقائع العنف الجنسي من أعقد وأصعب أنواع التوثيق لما له من أبعاد اجتماعية ونفسية ترتبط بالضحية والمجتمع المحيط بها، وغالباً ما ترفض الضحية الحديث عن الانتهاك الذي وقع لها إما خوفاً من نظرة المجتمع وتعرُّضها للنَّبذ أو ربما القتل في حالة التصريح، وأخيراً قد يسبب لها الحديث عما جرى لها ألماً يكاد لا يوصف عبر نَكْءِ وتذكُّر الموقف الأليم.
وللوصول إلى مستوى عالٍ من التحقق، يجب إجراء فحوصات طبية، وهذا أمر شبه معدوم في الحالة السورية، ولابُدَّ للمغتصبة من أن تخضع بداية لدعم نفسي كي تتمكن من تجاوز شيء من محنتها، وتستطيع التحدث، والتقدم نحو الفحص الطبي، ربما، لكنَّ العلاج النفسي شبه معدوم، وخوفها من التصريح كذلك، فهي بالتالي لن تحصل عليه أصلاً.
والأمر ذاته تقريباً ينطبق على الذكور أيضاً.
في حالة القصف المشترك أو الجريمة المشتركة، كيف تقوم الشبكة بتمييز الجهة الفاعلة؟
غالبا ما يتقاطع القصف الروسي مع قصف النظام السوري، ونادراً ما يتقاطع مثلاً قصف للتحالف الدولي مع النظام السوري، وحتى مع القصف الروسي، وإن كان الاحتمال وارداً بشكل أكبر في الحالة الثانية (تحالف/روسي)، ويساعد في تحديد الاختلاف نوعية السلاح المستخدم والذي من الممكن معرفته عبر الشظايا، وعبر قوة الهجمة أيضاً ونوعيتها، وشكل الطائرة وصوتها، لكن بالرغم من كل ذلك، هناك هجمات لا نتمكن بدقة من تحديد مرتكبها، فنقول أننا لم نتمكن من تحديد الجهة، أو نشير إلى أنها هجمة مشتركة للحلف السوري|الروسي، وفي هذه الحالة يقوم الفريق بالاستمرار في متابعة الحالة، والاستمرار هو أهم ما يُميِّز عمل المحقق، وفي حال الحصول على أدلة جديدة، فإننا ننقلها من تصنيف إلى تصنيف آخر محدَّد.
هل تواجهون ضغوطاً من قبل دول تقومون بتوثيق انتهاكاتها بحق السوريين؟
نواجه نوعاً من الإدانة والاتهامات، وتشويه السُّمعة، والهجوم الذي يفتقدُ الأدب والاحترام، كما حصل عندما أصدرت وحدات حماية الشعب الكردية بيانَين إثر إصدارنا تقارير توثق الجرائم التي ارتكبتها، ذكرت فيهما أننا نُنفِّذ أجندة دول، وما إلى ذلك من شعارات فارغة. أما من الجانب الروسي فقد تعرَّضنا لهجوم من الخارجية الروسية ووصفتنا بأننا مصدر مُزيف، وتعرَّض موقعنا لهجمات شرسة مصدرها روسيا، وحسابنا على تويتر كذلك.
هل لديكم معلومات حول مصير المحتجزين لدى تنظيم داعش في الرقة؟
نحن نعمل على هذا الملف تحديداً، ولا يزال العمل مستمراً، الوضع معقد جداً وغير مستقر، كما أن هناك تضارب فيما نحصل عليه من شهادات، نحن بحاجة لمزيد من الأدلة والشهود، بحاجة أن نقوم بزيارة سرية، وبالتالي مزيد من الوقت، وسوف نُصدر تقريراً حول هذا السؤال تحديداً في المدة القريبة القادمة.
منذ بدء هجوم قوات الأسد على “داعش” في ديرالزور قبل شهرين؛ تحدث ناشطون محليون حول انتهاكات كبيرة من قبل هذه القوات والميليشيات الطائفية ومنها إعدامات ميدانية وإخفاء قسري، هل استطاعت الشبكة توثيق هذه الانتهاكات؟
صحيح وردتنا أنباء كثيرة عن عمليات قتل فوري، واعتقال، وإخفاء قسري، وعن نهب للممتلكات، قامت بها القوات المهاجمة: النظام السوري والميليشيات الشيعية التابعة له، وغالباً ما يكون التَّحقق من هذه الأنباء أكثر صعوبة من غيرها، بسبب تشريد أغلب أهالي المنطقة، ولا تزال عمليات التحري مستمرة، وهي بحاجة أيضاً إلى وقت للوصول إلى أدلة وشهود ناجين.
كيف تنظر الشبكة إلى إمكانية توثيق انتهاكات عناصر “داعش” وكيف تتم محاكمتهم في المستقبل وهل لدى الشبكة معلومات عن طريقة محاكمة عناصر “داعش” الذين تعتقلهم “قسد” أو فصائل المعارضة؟
وثَّقنا مئات الانتهاكات التي مارسها التنظيم الإرهابي بشكل لا مبالٍ بأي قانون أو محاسبة، وبأنماط مختلفة من الجرائم، كالقتل، والتعذيب، والاغتصاب، والعنف الجنسي، والتشريد القسري، وغير ذلك، أما عن محاسبتهم، فهؤلاء المجرمون لهم الحق بالمحاكمة العادلة، كما هو الحق لنظام بشار الأسد والميليشيات الإيرانية بالمحاكمة العادلة، بشار الأسد قتل من السوريين أكثر بعشرين ضعف مما قتل أبو بكر البغدادي، وخيارات المحاكمة ذاتها تبقى مشروعة لجميع مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
للشبكة نشاط إعلامي وحقوقي على الصعيد الدولي لتسليط الضوء على الانتهاكات في سوريا، لو تحدثنا عن هذا الدور المهم. وكيف ترون الاستجابة من قبل هيئات الأمم المتحدة والمنظمات المعنية؟
نعتقد أن استجابة الجناح الحقوقي في الأمم المتحدة والمتمثل في لجنة التحقيق الدولية، وفي المفوضية السامية لحقوق الإنسان جيد إلى حد كبير، وهناك تعاون وتنسيق مستمر على مدار سبع سنوات، نحن نرسل تقارير ومعلومات بشكل متتابع، وأيضاً في حال الطَّلب، وهذه المدة الطويلة من العلاقة التعاونية أدَّت إلى نشوء ثقة عالية متبادلة، وانعكس ذلك في المخرجات الصادرة عنها، من تقارير وبيانات، وإحصائيات لضحايا النزاع المسلح في سوريا، وعلى نحو مشابه العلاقة مع العديد من المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، ومرصد مراقبة الذخائر العنقودية حول العالم، وغيرها، كما شاركنا في العديد من اللقاءات الثنائية، والمحادثات، والفعاليات والندوات المشتركة، لكنني أعتقد أنَّ على المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحديداً بذل المزيد من الجهود بشأن تسليط أكبر للضوء على حالة حقوق الإنسان في سوريا.
أما على الجانب الإعلامي، ونتيجة للاستمرارية والعلاقة الممتدة لسبع سنوات مع عدد واسع من وسائل الإعلام، فقد أصبحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مصدراً ومرجعية معتمدة، خاصة في وسائل الإعلام العربية، وهذا يلعب دوراً حيوياً في إبقاء الحدث السوري مشتعلاً، لأنَّ الواقع لايزال كذلك، فلم يتوقف القتل، ولا التعذيب، ولا التدمير وغير ذلك، لذا علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لننقل بدقَّة ومصداقية ما يُعانيه المواطن السوري، في هذا المقام نتوجه بالشكر لـ “حرية برس” على مواكبتها الدائمة، ومن ضمنها هذا اللقاء الموسع.
ماذا عن مصادر تمويل الشبكة؟ وهل تمكنت الشبكة من الحفاظ على استقلالية عملها وتوجهاتها في ضوء حاجتها للتمويل من جهات مختلفة؟
كان هذا حاضراً منذ اللحظة الأولى للتأسيس، وهو محاولة تنويع مصادر الدخل، وأيضاً بدأ الاعتماد على مصدر تمويل ذاتي ثابت، في البداية كان يغطي نسبة 5% من النفقات، ويتوسَّع مع الزمن، نحن نقبل التَّبرعات الفردية والدولية الغير مشروطة، لدينا حساب بنكي في الولايات المتحدة الأمريكية لاستقبال ذلك، إضافة إلى المشاريع التي نقوم بتنفيذها مع بعض الجهات المانحة، لكن نحن لا نتقاضى أي مقابل مادي مقابل التقارير والأبحاث التي نقوم بها، والتي نرسلها إلى الجهات الأممية والدولية ووسائل الإعلام.
وفد الثورة في أستانا قال إنه اتفق مع الجانب التركي على أن الأهمية القصوى لإحراز تقدم بملف المعتقلين، ما مدى القدرة على تحقيق ذلك في أستانا أو حتى جنيف؟
طُرحت قضية المعتقلين في مسار مفاوضات جنيف، وخاصة في الجولات الأولى، وصحيح أن الإنجاز كان شبه معدوم أيضاً، لكنها كانت حاضرة ضمن النقاشات، وعلى جدول الأعمال، إلا أنَّ الجولات الثلاث الأخيرة تكاد تخلو تقريباً من مجرد ذكر أو نقاش لهذا الملف الحساس، بل إننا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومن خلال حضورنا في عدة جولات في جنيف، إما بصفة استشارية، أو في غرفة المجتمع المدني، لمسنا تغييباً مقصوداً لهذا الملف، بذريعة تعقيده وإنه قد يُعطِّل تقدُّم العملية السياسية، ولقد أكَّدنا مراراً في تقارير وبيانات عديدة أنَّ مفتاح التَّقدم في العملية السياسية وإظهار انفراج وتقارب إنما يبدأ ويكون بكشف مصير المختفين والمفقودين، وتكرَّر النَّهج ذاته في مفاوضات أستانة منذ أول اجتماع في كانون الثاني/ 2017 حتى بداية الجولة السابعة، كما تحدثنا في ورقة صدرت منذ مدة قريبة، في الحقيقة، لقد فشلت جنيف وأستانة في الكشف عن مصير مفقود واحد.
هل هناك تنسيق بين الشبكة ووفد الثورة المفاوض لتقديم لوائح بأسماء المعتقلين والمختفين قسرياً لدى النظام؟
هناك نوع من التنسيق، ونحن نعتقد أن قضية المعتقلين وغيرها من المسائل الحقوقية يجب أن يديرها أصحاب الاختصاص، ويبقى العسكريون مع الشؤون العسكرية، والسياسيون مع الشؤون السياسية.
رسالة توجهها الشبكة السورية لحقوق الإنسان لذوي الضحايا؟
نحن نأمل من ذوي الضحايا عدم الكلل ولا الملل ولا اليأس في سبيل فضح من قام بجريمة بحق ذويهم، ولا يكون ذلك إلا بجمع الأدلة، والإدلاء بشهادات ومعلومات، ونحن نضع إمكاناتنا بين أيديهم، ونأمل أن نساهم في ذلك، ونرجو أنَّ أيَّ سوري تعرَّض لانتهاك داخل سوريا أن يتواصل معنا عبر البريدي الإلكتروني، أو صفحات التواصل لتسجيل ما تعرَّض له وفضح من انتهك حقوقه.
مسار العدالة طويل، ولا بدَّ من العمل فهناك عدا عما ذكر من التوثيق والمحاسبة، موضوع تخليد ذكرى الضحايا، كل ذلك لا يتم دون تعاون ذوي الضحايا، مع تفهمنا العميق ليأسهم من سياسة المجتمع الدولي ومجلس الأمن تجاه قضيتنا “العدالة”، وهم محقون في ذلك دون أدنى شك، ولهم منا خالص العزاء والتضامن قدر ما نستطيع.
Sorry Comments are closed