لكنّ أحدا منّا حينذاك، لم يفكر أن دريد لحام وأمثاله، حاجة ملحة لتكتمل ملامح أي ديكتاتور، إذ إن الدور الوظيفي الذي يقوم به “كوميديو السلطة” يفيد بترسيخ الحكام وأحياناً “تأليههم” حتى، ويفوق أدوار المنظومات الأمنية والإعلامية، وأخص، إن تسرّب هؤلاء الكوميديون، عبر مسامات الفقراء على أنهم نواب عنهم لفضح استبداد الأنظمة وكشف عورات الحكومات.
واستمرت الآراء بالتباين كما أداء لحّام، فمن أدّى “كاسك يا وطن” أو من أضحك الجميع بـ”صح النوم”، هو غيره تماماً بـ “أبو الهنا”، أو حتى بـ”ضيعة تشرين”، التي سوّقت استقرار سورية التي عجّت بالانقلابات والنزاعات، خلال فترة بطل التشرينين، وليس التشرين الواحد.. أي حافظ الأسد.
لتأتي الثورة عام 2011، والتي كانت بالنسبة لمعظم السوريين، بل وللمراقبين من خارج سورية، الفيصل الأخلاقي وتأكيد الأقوال بأفعال، إذ لم يتطرق سوري بشكل علني، وإن تمثيليا، لهضم حقوق السوريين وقمعهم، كما دريد لحّام. لترجح كفة كل من تنبأ من ذي قبل، على أن “غوار” وصولي ليس إلا، بدأ من خلال نهاد قلعي، واستمر عبر محمد الماغوط، قبل أن يغدر بهما، بل ويتخلى عن “فرقته” التي عانى معظم أعضائها، الفقر والاضطهاد، وماتوا بظروف مؤلمة، ربما بنهاية قلعي وبقوش، أمثلة لا تحتاج إلى عناء الدليل.
وتأكدت رؤية من قال عن لحّام، أنه بوق سلطة ليس إلا، حينما استميل الكوميديان لحام لنظام الأسد، وأعلنها غير مرة أنه ضد الثورة، وليس محايداً فحسب، متذرعاً بأنه لا يعارض من الخارج، رغم أنه الأعلم ربما، بمصير من يعلو صوته ويعارض داخل مملكة الأسد الممتدة منذ خمسين عاماً.
بيد أن قتل الشك باليقين، جاء حينما رأى دريد لحام القداسة بعيون خامنئي، بل وأن بلاده، سورية، ازدادت قداسة حين دخلها جنود المرشد الأعلى، ليدفن إثر هذه التصريحات عروبته ويتأكد الجميع، أن غوار كان يمثل عليهم، لا عنهم.
وقتذاك، وفي ترميز لم يفهمه “الكوميديان” أعلنت مواقع إلكترونية عدة، وفاة دريد لحام، فسارع للنفي واعتبر نبأ الوفاة “شائعة تصب في مناخ الكذب والخداع الذي شهدناه في السنوات الماضية وطاول كل شيء في حياتنا” ولم يفهم من الخبر، أنه مات بالنسبة لجلّ السوريين.
قصارى القول: يحاول لحّام الثمانيني “مواليد دمشق 1934” لملمة بعض ملامحه، من خلال العودة إلى مسرح “الوطنجية”، وإن عبر القفز على كل ماضيه الذي أسسه على نقد الأنظمة والمستبدين، متسلحاً بـ”ببروبغاندا” حضن الوطن، عبر مشاهد فاقدة للمصداقية وأقواله “أي فنان سوري معارض إذا أراد العودة لسورية سأخرج بسيارتي على الحدود لاستقباله والعودة معه إما لبيتي أو للسجن”، متناسياً ما قاله العميد المقتول أخيراً، عصام زهر الدين “نصيحة من ذقني لا ترجعوا لن نسامحكم”. أو ما توعّد به، عضو القيادة القطرية، مهدي دخل الله، من معاقبة وما تفوه به من إساءات. أو لعل لحّام لم ينس تلك المقولات، ويرغب باستكمال دور وظيفي جديد، ليوقع بالسوريين بغيابات السجن أو يضيف من يعود، إلى أرقام القتلى تحت التعذيب.
ويستمر الكوميديان لحّام، بعرضه التمثيلي حول حضن الوطن، وهذه المرة من “دار الأسد” وليس “مسرح العمال” من خلال إطلالته أخيراً على خشبة مسرح دار الأوبرا السورية، ضمن فعاليات احتفالية “هنا لنا 2 – نتذكر”، ليشارك بالمسرحية الهزلية الداعية للعودة إلى حضن الوطن… طبعاً دونما أي تصريح أو تلميح لجرائم سيده بالوطن، بل على العكس، يحاول عبر عكاكيز الماضي “لو لو لو لولالي الله محي شوارعك يا بلادنا المعمورة”، أن يستحوذ على مشاعر الحضور، ولينقلب على غوار الطوشة وينسف ماضيه عبر قوله “إذا وطني غلطان أنا معه، إذا سخنان أنا رقوده، إذا ختيار أنا عكازته، إذا حفيان أنا صرمايته لأنه سيدي وتاج راسي”.
نهاية القول: ربما لم يقل ممثل سوري، عن الفقر والظلم وقهر السلطة للمواطنين، كما قال ومثّل دريد لحام، بيد أن اختبار الثورة التي كان يدعو لها، والتي لحقت اختبارات كثيرة، وطنية بعد تغليبه إيران المرشد على الشعب السوري، و أخلاقية بحق زملائه، أكدت أن دريد لحام ممثل كوميدي، يؤدي الأدوار وفق ما يفرضه “القائد” وما تقتضيه ظروف المرحلة، من تنفيس للشعب ومحاولة الإنابة عنهم بكل ما يقولون، ليخرج السوري من مسرح لحام وهو راض عما قاله “غوار” بل ويتساءل.. أيمكنني أن أقول أكثر من ذلك.. .فخلينا ساكتين أحسن.
عذراً التعليقات مغلقة