ترجمة: رانيا محمود – حرية برس:
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن المواجهة التي تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة وروسيا من شأنها أن تُعرّض التحقيق الدولي في الهجمات الكيماوية في سوريا للخطر، ولاسيما ضربة السارين القاتل التي وقعت في قرية تخضع لسيطرة المعارضة في نيسان/ أبريل الماضي. حيث لا يوجد أي خلاف حول استخدام غاز السارين -وهو غاز عصبي مميت ومحظور بموجب معاهدة دولية وقعّت عليها سوريا- في هجوم الرابع من نيسان/ أبريل الماضي في قرية خان شيخون في محافظة إدلب الشمالية والتي أسفرت عن مقتل وإصابة المئات. ولكن روسيا الحليف الأهم للنظام السوري أثارت شكوكاً حول التأكيدات الغربية بأن قوات الرئيس بشار الأسد قد أطلقت هذه القنبلة السامة.
وقد أوضحت روسيا بأنه في حال كان تقرير اللجنة المقرر صدوره الخميس المقبل يدين الأسد ويؤكد مسؤوليته عن الهجوم الكيماوي، فإن روسيا ستستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لإنهاء تفويض اللجنة التي تقود التحقيق. حيث تُعد هذه اللجنة التي تنتهي ولايتها في تشرين الثاني/ نوفمبر هي الآلية الوحيدة للمساءلة حول فظائع استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وقد اقترحت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة “نيكي ر. هايلي” هذا الأسبوع القيام بتصويت في مجلس الأمن حول تمديد ولاية اللجنة لمدة عام، وذلك قبل صدور التقرير المرتقب الخميس المقبل.
وقالت “هايلي” في بيان : “لا ينبغي أن يكون هذا الأمر مثيراً للجدل، لكن بعض أعضاء المجلس قد قرروا جعله كذلك. وذلك استناداً على تجديد محتويات التقرير القادم ،التي يرغب الروس بالقيام بها ، وتسييس العملية . لا يمكننا العمل بهذه الطريقة”.
وأضافت “هايلي” أنه كان هناك “تأييد ساحق” في مجلس الأمن لعمل اللجنة التي وصفته بأنه أساسي لإيجاد ومقاضاة مرتكبي الهجمات الكيماوية في سوريا كائناً من كان. وقالت : “لا يمكننا أن ننتقي ونختار من نرغب في أن يكون المذنب “.
وقد ضغطت “هايلي” -من خلال مذكرة أرسلتها إلى دبلوماسيين آخرين في مجلس الامن، وشاهدتها صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة- على تأييد التصويت في الأيام القليلة القادمة حول تمديد ولاية اللجنة ويرجع ذلك إلى حد ما إلى أن عملها لم ينته بعد.
وقد عبرت فرنسا عن دعمها للولايات المتحدة حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية “اجنيس رومات – اسباغن” للصحفيين في باريس: “لا يمكننا الطعن بمصداقية واستقلالية هذه الآليات على أساس أن نتائجها ليست مناسبة لروسيا”.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريس” في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء أن اللجنة ” أداة مهمة جداً حيث أنها تعالج مشاكل المساءلة . ونحن ندعم بالكامل أنشطتهم”.
وحتى يوم الجمعة، لم يتضح بعد موعد إجراء تصويت مجلس الامن، لكن الدبلوماسيين الغربيين يأملون أن يحدث ذلك في مطلع الأسبوع المقبل. إن استخدام الفيتو الروسي من شأنه أن يضع روسيا في موقف إغلاق أحد مجالات التعاون القليلة مع الولايات المتحدة وحلفائها بشأن المساءلة في الحرب في سوريا. حيث كان نشر الأسلحة الكيميائية جريمة حرب، ويُعد موضوعاً متكرراً من الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية السورية، التي استمرت لأكثر من ست سنوات.
وقد أنشأت اللجنة خلال سعيها في تحديد هوية مرتكبي الجرائم الكيماوية ما يُعرف ب “آلية التحقيق المشتركة” ، وذلك قبل بضع سنوات بوصفها عملية تعاونية للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تتخذ من “لاهاي” مقراً لها وتراقب الحظر العالمي على هذه الذخائر.
وقد وجد محققو اللجنة منذ ذلك الحين أن القوات الحكومية في سوريا قد استخدمت قنابل محمّلة بالكلور في ثلاث مناسبات على الأقل في عامي 2014 و 2015 ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وأن مقاتلي الدولة الإسلامية قد استخدموا سم الخردل مرة واحدة على الأقل، إلا أن تحقيق خان شيخون يعد أكبر مهمة منفردة تواجهها اللجنة.
وقد أعرب الروس دائماً عن شكوكهم في موضوعية آلية التحقيق المشتركة وقدرتها على جمع أدلة موثوقة في منطقة حرب.
وقد ازدادت هذه الشكوك علناً يوم الجمعة الماضي عندما تحدث “ميخائيل اوليانوف” خبير في نزع السلاح بوزارة الخارجية الروسية في مؤتمر صحفي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وطعن في الافتراض الأساسي حول هجوم خان شيخون بأنه نُفّذ من الجو.
ولم يعلق رئيس اللجنة “ادموند موليت” دبلوماسي في الأمم المتحدة منذ فترة طويلة على نتائج التقرير قبل اطلاقه. ولكن من المعروف أنه يشعر بالإحباط إزاء ما اعتبره عدم تعاون سوريا مع التحقيق.
وبعد جلسة إحاطة خاصة لمجلس الأمن في يوليو / تموز -أي بعد ثلاثة أشهر من هجوم خان شيخون- قال “موليت” للصحفيين إنه بحاجة إلى مساعدة سورية، وأنه “نأمل أن نُعطى الأدوات اللازمة للقيام بعملنا”.
ولم يتمكن محققو اللجنة من زيارة خان شيخون بسبب المخاطر الأمنية، بل اعتمدوا بدلاً من ذلك على معلومات أخرى، بما في ذلك شهادات الشهود والمراقبة الجوية وعينات التربة التي لم يجمعوها بأنفسهم.
وتقول كل من روسيا وسوريا أن عجز اللجنة عن السفر بأمان داخل سوريا يثير الشكوك حول مصداقية النتائج. وقال محللون خارجيون أنه حتى لو كان السبب هو عدم تعاون الحكومة السورية فإن الأخيرة هي الملامة.
وقال “أرون لوند” وهو زميل في مؤسسة “القرن” -مجموعة بحثية كتبت بكثافة عن سوريا- : “إنها بالتأكيد النقطة الأضعف في هذا التحقيق والتحقيقات السابقة التي لم تتمكن من الوصول إلى المواقع”.
وبالنسبة لمحققي خان شيخون فقد قال” لوند” : “هذه مسألة كبيرة، ولهذا السبب قد ينتهي بهم الأمر قائلين نحن لا نعلم “.
عذراً التعليقات مغلقة