قالت صحيفة «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكية في تقرير لها، أن العلاقة بين روسيا وإيران أضعف كثيرًا مما يتخيله الجميع، وأن الوضع الحالي في سوريا يمثل صورةً غير حقيقية لطبيعة الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري بين إيران وروسيا، كما يوضح أهداف كلٍّ منهما من الحرب الدائرة حاليًا في سوريا.
ووفق التقرير، فقد كان للحرب في سوريا بالغ الأثر في توطيد العلاقات بين روسيا وإيران لتصل إلى أقوى درجاتها من خلال التنسيق المشترك بينهما على أرض المعركة، في الوقت الذي تشير فيه الكثير من التقارير الإعلامية أن هذا التعاون لن يتوقف عند سوريا فقط، بل ستسعى روسيا إلى توسيع دورها في المنطقة من خلال التنسيق مع إيران وحزب الله. على الرغم من ذلك، يرى الكاتب أن العلاقات الروسية الإيرانية ليست بذلك القرب في عدة أمور أخرى، وأن تلك العلاقة تتوقف عند حدود معينة بسبب اختلاف مصالح البلدين حتى في القضايا التي يتم فيها تنسيق مشترك بينهما.
بحسب التقرير، فإن فكرة التحالف الروسي الإيراني ذات قيمة حقيقية بالنسبة لهما لأربعة أسباب. أول تلك الأسباب هو أن كلتا الدولتين تهدفان بالأساس إلى إنهاء الهيمنة الأمريكية من خلال بدء حرب باردة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. السبب الثاني هو انحياز الروس تجاه إيران في المفاوضات النووية، حيث تدعم روسيا برنامج طهران النووي من خلال مساعدتهم في بناء المفاعلات وضغطهم لتحصل إيران على المزيد من الامتيازات، مثل رفع العقوبات خلال مفاوضات الاتفاق النووي. السبب الثالث هو توافق البلدين على دعم نظام الأسد في سوريا والتنسيق لبدأ حملة عسكرية في سوريا لتنفيذ تلك الرؤية. السبب الرابع والأخير هو أن روسيا ترى في إيران الكثير من الفرص الاقتصادية، وخاصةً بعد رفع العقوبات عنها. ومع كل تلك الأسباب، فإنه إذا نظرنا لكل الأمور المتقاربة والمصالح المشتركة بين روسيا وإيران فسنجد أن العلاقة محكومة بحدود واختلافات كثيرة.
النفوذ الإقليمي في الشرق الأوسط
وفق ما ذكره التقرير، فإن الهدف الرئيسي للبلدين هو توسيع النفوذ الإقليمي لهما وإنهاء السيطرة الأمريكية. بالعودة إلى التاريخ، فقد سعت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرةً إلى إدراك سيطرة الولايات المتحدة بشكل فردي عالميًّا، حتى بما يتعارض مع المصالح القومية الروسية سواء في الشرق الأوسط، أو في مناطق أخرى. هنا، رأى وزير الخارجية ورئيس الوزراء الروسي الأسبق يفغيني بريماكوف (1996-99)، والخبير في شئون الشرق الأوسط، أن تدخل روسيا ومشاركتها فيما يحدث في الشرق الأوسط ضد ما تفعله الولايات المتحدة سيضمن إعادة روسيا إلى وضعها العالمي. وعلى الرغم من أن التدخل في الشرق الأوسط كان محدودًا للغاية في فترة بريماكوف، إلا أن هذا الفكر أصبح راسخًا في السياسة الروسية الخارجية، ما كان يعني سعي روسيا -وإيران كذلك- إلى الهيمنة في المنطقة، وسحب الدول العربية إلى مسارهما بعيدًا عن الولايات المتحدة، وفقًا لما يشير إليه التقرير.
ويشير التقرير إلى أن تلك الفترات التي تحسنت فيها العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة، وبين روسيا وإيران من جهة أخرى، قد صحبها هدوء نسبي في العلاقة بين طهران وموسكو، مؤكدًا أن الهدف الأساسي لروسيا هو تحقيق توازن عالمي بينها وبين الولايات المتحدة، بما يضمن لها تحقيق مصالحها دوليًّا، ومع تحقق هذا الهدف، تختلف الاتجاهات الروسية بالتبعية، ما قد يجعل إيران هي أداة في يد روسيا لتحقيق هذا التوازن المنشود، وقد لا ترغب روسيا في التحالف معها بالأساس في حال وصلت إلى العلاقة المطلوبة مع الولايات المتحدة، وهو ما حدث سابقًا عام 1995، حيث تم توقيع اتفاق تعاون بين روسيا والولايات المتحدة، مرت العلاقة الإيرانية الروسية على إثره بفترة برود طويلة.
على الجانب الآخر، يؤكد التقرير سعي طهران دائمًا إلى إظهار تعاونها وقربها من موسكو، ويتضح ذلك في عدة أمثلة في الحرب الأخيرة في سوريا، كإعلان نائب وزير الخارجية الإيراني للشئون العربية والإفريقية عن وجود تعاون وثيق بين روسيا وإيران، ستسعى الدولتان من خلاله إلى استخدام جميع الوسائل لإنهاء الأزمة السورية.
ما تريد إيران وروسيا من وراء دعم الأسد؟
يرى الكاتب أنه على الرغم من قيام الدولتين بحملات عسكرية موسعة لصالح نظام الأسد، فإن كل منهما يملك نموذجًا مختلفًا لما يريده بالنسبة لسوريا، حيث تسعى روسيا من جانبها من خلال الحفاظ على نظام الأسد إلى الإبقاء على أحد عملائها الكبار في المنطقة، في حين ترغب إيران في أن تكون سوريا خاضعةً بالكامل لقبضة طهران، ما قد يعني ترجمة تلك الرغبات إلى أفعال مختلفة في تلك الحرب. ويشير إلى أن طريقة روسيا لتثبيت حكم الأسد ونظامه هي دعم مؤسسات النظام، وتسليح وتقوية قوات الجيش الموالية للنظام، فيما يؤكد الكاتب أن بشار الأسد نفسه قد لا يكون عنصرًا أساسيًّا بالنسبة للروس، بل حتى إن سقوطه قد يحول سوريا إلى وحدة لخدمة المصالح الروسية في الشرق الأوسط.
على النقيض، وفق التقرير، تسعى إيران من خلال تدخلها في الوضع السوري إلى استمرار بشار الأسد نفسه، وتقويض سلطة الحكومة في الوقت ذاته، وزيادة اعتمادها على إيران. مؤكدًا أن رغبة إيران القوية في استمرار الأسد نفسه تنبع من قناعتها الكاملة بأن نفوذها الحالي في سوريا مرتبطٌ بوجوده، في الوقت الذي يدين فيه الأسد بالولاء التام لإيران بسبب الدعم الكامل الذي يحظى به عسكريًّا واقتصاديًّا منذ بداية الحرب، بل ووصل الأمر لقيام إيران بتدريب آلاف المقاتلين في سوريا، ممن تسعى أن يكون ولاؤهم الكامل مستقبلًا لإيران وليس للحكومة السورية.
في ضوء ذلك، يرى الكاتب أنه من الواضح أن الروس لا يرون في إيران الشريك المثالي في سوريا، ويعتقدون في أن اختلاف وجهات النظر سيظهر بوضوح أكبر في حال استمرار وقف إطلاق النار الحالي.
البرنامج النووي الإيراني.. هل تدعمه روسيا حقًّا؟
يؤكد التقرير أنه على الرغم من أن الوضع ظاهريًّا يشير إلى تحالف روسيا الكامل مع إيران حول برنامجها النووي، إلا أننا إذا تفحصنا الأمور بدقة فسنجد أن التعاون الروسي مع إيران في هذا المجال كان محدودًا أيضًا. ففي الوقت الذي تبدو فيه روسيا قد قدمت المعاونة لإيران في بناء المفاعلات النووية، كانت روسيا من المعارضين لامتلاك إيران لبرنامج نووي عسكري، حيث عارضت فكرة بناء قنبلة نووية إيرانية خلال مساعدة إيران في بناء تلك المفاعلات ذاتها، إلا أنها أظهرت عالميًّا دعمًا غير محدود لما تقوم به إيران، وحذرت الولايات المتحدة وإسرائيل من اتخاذ أي إجراء عسكري بشأن برنامج إيران النووي.
يضيف التقرير أن إيران كانت تقوم من الناحية الأخرى بالتعاون مع الغرب نحو منع امتلاك إيران لسلاح نووي، حيث صرح فيليب جوردون، خبير السياسات الخارجية الأمريكية والمساعد الخاص للرئيس الأمريكي، أنه بمجرد أن علمت روسيا برغبة إيران في بناء قنبلة نووية في فوردو عام 2009، أصبحت حليفًا ومعاونًا للولايات المتحدة في منع إيران من مواصلة هذا الأمر. دعمت روسيا أيضًا العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران، بالإضافة إلى العقوبات حول الأسلحة والصواريخ، كما لعبت دورًا قويًّا في الإتفاق النووي الإيراني.
يرى الكاتب أن الدرس الكبير الذي يمكن تعلمه هنا هو أنه بمجرد وضع إيران على طاولة المفاوضات، والسماح لها بلعب دور سياسي عالمي تضاهي فيه القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، تعاونت روسيا بشكل كامل لمنع حتى حليفتها إيران من امتلاك سلاح نووي، ولو كان على حساب علاقة التقارب الطويلة بينهما.
الاقتصاد الروسي في خطر
النقطة الأخرى التي يرى فيها التقرير موضع شك هي العلاقات والفرص الاقتصادية الكبرى للتعاون بين إيران وروسيا، وخاصةً مع رفع العقوبات عن إيران، وهو ما قد يعني في الوقت الحالي أن تعقد روسيا صفقات بيع أسلحة لطهران تساوي بلايين الدولارات، إلا أن الكاتب يظن أن هذا الأمر أيضًا قد لا يبدو بتلك السهولة، على الرغم من أن روسيا قد قامت ببيع معدات عسكرية سابقًا لإيران، إلا أنها الآن تبدو مترددة حول منح إيران المزيد من الأسلحة المتطورة.
على سبيل المثال، فقد تراجعت موسكو عن عقد تم توقيعه عام 2007 لبيع منظمومة S-300 للدفاع الجوي لطهران، وقد وصلت أخبار أخرى مؤخرًا تفيد بأن روسيا قد أجلت تسليم المنظومة لإيران من جديد، بعدما قامت إسرائيل بتقديم دليل على كسر إيران لوعدها الذي يقضي بعدم تزويد حزب الله بالسلاح الروسي. يعتقد الكاتب أيضًا أن هذا قد يكون هو السبب الظاهري فقط لتعطيل الصفقة، وأن السبب الحقيقي قد يكون هو رغبة الكرملين في تجميد أية صفقات عسكرية لطهران حاليًا لأنها قد تخل بتوازن القوى في المنطقة.
وبحسب التقرير، لا تتوقف حدود العلاقة الاقتصادية بين إيران وروسيا على أسباب اعتبارات عسكرية وسياسية فقط، بل يعتبر كل الاقتصادين في منافسة مباشرة مع بعضهما البعض، وخاصةً فيما يتعلق بصادرات النفط والغاز، حيث تتنافسان بشكل مباشر على نصيب من السوق العالمي المتراجع بالفعل بسبب تراجع أسعار النفط.
ووفقًا للكاتب فإنه وإذا اعتبرنا أن إيران استعادت سيطرتها على نسبتها السابقة من سوق النفط في أوروبا، فستخسر روسيا مباشرةً 10% من نصيبها في السوق. الأمر ذاته فيما يتعلق بالغاز، حيث قامت إيران بتوقيع اتفاقية مع العراق وسوريا لبناء خط للغاز من محطتها في الخليج الفارسي إلى ميناء طرطوس السوري، والذي يعتبر النقطة الأساسية لشحن الغاز إلى أوروبا. ولا تريد روسيا منافسة في مجال الغاز تحديدًا، وهو ما ظهر جليًّا في السابق من خلال ضغطها على بشار الأسد في 2009 لمنع توقيع اتفاق مماثل مع قطر.
ويرى التقرير أن الأزمة الحالية فيما يخص الطاقة تبدو حرجة للغاية بالنسبة للكرملين لسببين رئيسيين: أولهما والأكثر أهمية هو أن الاقتصاد الروسي يعتمد أساسًا على عائدات النفط والغاز الطبيعي، والتي تمثل 50% من الميزانية الاتحادية في روسيا بحسب تقارير عام 2013.
السبب الثاني بحسب التقرير هو أن روسيا نجحت بالفعل في ترجمة سيطرتها على 30% من سوق الطاقة الأوروبي إلى نفوذ سياسي حقيقي عندما يتطلب الأمر ذلك، حيث أشارت تقارير حديثة إلى أن الموقف الذي اتخذته الحكومة المجرية على سبيل المثال بدعمها لروسيا دبلوماسيًّا ورفضها العقوبات الموقعة عليها، يعود بالأساس إلى هيمنة روسيا كمورد رئيسي للطاقة. وعلى الرغم من سعي روسيا لتعويض خسارتها المادية في قطاع الطاقة الأوروبي من خلال الاتجاه شرقًا نحو أسواق جديدة كالصين، يبدو النفوذ والتأثير السياسي الذي تخسره روسيا بتراجع صادرتها النفطية لأوروبا أمرًا لا يمكن تعويضه.
عذراً التعليقات مغلقة