غرف “واتسآب” والمشروع الوطني السوري

زكي الدروبي24 سبتمبر 2017آخر تحديث :
غرف “واتسآب” والمشروع الوطني السوري

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة، وهي ظاهرة غرف “واتسآب” التي أنشأها ناشطون بغرض تبادل النقاش حول السبل الكفيلة بإنقاذ الثورة من المخاطر المحيطة بها، بعد أن فشلت كل التشكيلات السياسية والعسكرية التي نصبتها الدول المختلفة لقيادة الثورة في تنفيذ مهام ثورة الشعب السوري، وألحقت بها أضراراً بالغة، وكانت عوناً للنظام المجرم كي ينفذ برنامجه السياسي الرامي لتفريغ الثورة من مضمونها التحرري وتوجيهها إلى أهداف ثانوية بعيدة عن هدفها الرئيسي.

وهي ظاهرة أحسنت استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنشئ معادلاً للصالونات السياسية، حيث تستضيف هذه الغرف بين الحين والآخر، عدداً من السياسيين والمفكرين لتحاورهم وتستمع لوجهات نظرهم حول المخاطر المحيطة بالثورة وسبل تجاوزها، واستطاعت التغلب على الانتشار الواسع للسوريين في أصقاع الأرض، وقربت المسافات بين السوريين، وعرفتهم على بعض، وجمعت من في الداخل السوري مع من هو متواجد خارج الأراضي السورية، واستمع الجميع لهموم بعضهم البعض، وأزيلت النظرة التقليدية التي روج لها النظام كثيراً ليستطيع التفريق بين أبناء الشعب الواحد، وهي أن كل من في الخارج شياطين تسلقوا على الثورة السورية ويعيشون برفاهية وأن من كل في الداخل ملائكة مناضلين.

نجمت هذه الظاهرة نتيجة نزع النظام للسياسة من المجتمع، وحتى المعارضات المختلفة التي تسلطت على رقبة ثورة الشعب السوري اليتيمة، لم تنشر الوعي السياسي بين أفراد المجتمع، بل اعتمدت على مقاربة عمل وزارة الخارجية فقط، فانشغلت كل الانشغال في ارسال الرسائل والبرقيات للحكومات المختلفة في العالم وللمؤسسات الدولية، والبحث عن شرعية مكانها مخيمات اللجوء وليس وزارات خارجيات الدول، وانشغلت في استقبال وتوديع الوفود المختلفة القادمة من وزارات خارجية الدول المختلفة، ونسيت هذا الشعب المسكين في المنافي والمخيمات، فلم تشكل مؤسسات لنشر التوعية السياسية، ولم تلتق معه بشكل دوري لتشرح له ما يجري من أحداث سياسية وتحللها وتشرح علاقتها والعائد منها خيراً أو شراً على هذه الثورة، وبقيت في برجها العاجي، ولازلت أذكر ما قاله لنا مؤسس الائتلاف في أول لقاء معه في القاهرة فور العودة من الدوحة حين اعترضنا على بعد مقر الائتلاف في القاهرة عن أماكن سكن وانتشار السوريين: ليس من مهام الائتلاف حل مشاكل السوريين اليومية، ولا نريد مكاناً قريباً منهم كي لا يزوروننا فيه كل يوم، وتم اختيار هذا المكان لأنه قريب من المطار وتصل له الوفود السياسية القادمة من بلدان العالم المختلفة بسهولة.

غرف “واتسآب” جاءت كمحاولة لملئ الفراغ الناجم عن غياب القوى السياسية والحزبية عن العمل مع الشعب، وبعضها تطور ليشكل تجمعات سياسية مختلفة تطرح رؤى عديدة محاولة بما امتلك هؤلاء النشطاء من الوعي البسيط الناجم عن الخبرة المكتسبة من القراءة والنشاط خلال السنوات السابقة تقديم الحلول لإنجاح برنامج الثورة، بعد أن عجزت المعارضات التي ابتليت بها الثورة عن تقديمها، وهذه الغرف تتطور باستمرار، فقبل عام تقريباً من الآن ومع البدايات الاولى لهذه الغرف شهدت الكثير من الصراعات الفكرية الحادة وعدم قبول الآخر وتبادل الشتائم والسباب فيها، ولازالت هذه الصراعات مستمرة حتى اليوم، ولازال أسلوب التخوين وتبادل الشتائم متبعاً، وإن خفت حدته كثيراً عن البدايات.

محاولة النشطاء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل الافكار وطرح المشاريع السياسية مستمرة، لكن ما يعيبها هو الوقت الطويل اللازم لتطور هؤلاء النشطاء، خصوصاً ونحن نعلم أن السياسة كانت مغيبة تماماً عن مجتمعاتنا، قبل وأثناء الثورة السورية، وهذا الوقت الطويل هو ما لا نملكه في ظروف ثورتنا الحالية، بالإضافة لصعوبة تباعد المسافات المانعة للقاء الفيزيائي بين أعضاء هذه المجموعة، واختلاف التوقيت بين دول العالم المختلفة، حيث يستغرق المرء ساعات لقراءة ما كتب خلال ساعات نومه من قبل الآخرين الذين كان التوقيت لديهم في النهار خصوصاً أنه غالباً ما يتم البدء فوراً بمجموعات كبيرة يصل تعدادها لأكثر من 150 عضواً، ويحار المرء في الرد وفي مناقشة الطروحات المختلفة في المجموعة.

أيضاً من السلبيات الأخرى التي تعيق تطور هذه المجموعات وتفعيلها لحدها الأقصى هو تحميلها أكثر مما تحتمل، فيصل الغرور في البعض للاعتقاد أنه يمكن لهذه الغرف أن تنجز حلولاً متكاملة للثورة السورية، فيحاول بطيبة قلب تضر أكثر مما تنفع أن يجمع بين الأضداد، بين من يشيد بالمقاتلين القادمين من وراء الحدود ويرفعهم لمصافي القديسين مثلاً وبين من يعتبرهم مجرمين وارهابيين يساعدون النظام على قتل الشعب السوري، ومحاولة جمع هذه التناقضات لا ينجز مشروعاً سياسياً، بل يفجر أي تجمع موجود، وأيضاً الاعتماد على صفة “ناشط” في الإضافة دون التأكد من امتلاك المضاف للوعي الكافي للمشاركة بمثل هذا المشروع سيعيق تقدمه وتطوره، وأخيراً الاعتماد على أفراد بدلاً من تجمعات سياسية في ايجاد المشروع الوطني يكرر المأساة السابقة في تكريس حالة الاقطاع السياسي.

نرى أن الظاهرة مفيدة إن استثمرت في تقريب السوريين من بعضهم البعض، وجمع الداخل مع الخارج، ومناقشة هموم الحياة اليومية للسوريين في الداخل والخارج، واستخدامها في نشر الفكر والوعي السياسي مهم جداً، ونرى أنه في سياق بناء التجمعات الحزبية والسياسية من المفيد البدء بمجموعات صغيرة لا تتجاوز العشرة أعضاء ممن لديهم فهم مشترك وبرنامج سياسي متقارب فيما بينهم، ليلتقوا ويتحاوروا وينتجوا ورقة سياسية يتم طرحها من قبل كل واحد من أعضاء هذه المجموعة على المعارف والمحيطين به ثم وبعد الحصول على قبول مبدئي منهم، يقوم بإضافتهم لغرفة عامة تطرح هذه الورقة من خلالها وتحدد أوقات خاصة لمناقشة كل بند من بنودها وصولاً للاتفاق حولها ثم تكوين هيكل تنظيمي يستطيع حمل هذا البرنامج السياسي المطروح من قبل هذه الجماعة، أما الاستعجال واضافة الأعداد الكبيرة ففيه خطورة كبيرة من حيث الصراعات الفكرية الكبيرة التي تؤثر وتشوش على المجموعة ككل وتصل لتبادل الشتائم مما يضطر الأعضاء للمغادرة مع ما تسببه هذه المغادرة من احباط للمغادر ولبقية المجموعة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل