سمير نشار بضيافة “حرية برس”: “أستانة” اختراق في جسد الثورة

نشار: الولايات المتحدة استثمرت في أخطاء المجلس الوطني وثغراته لمحاولة التخلص منه كممثل للمعارضة والثورة

فريق التحرير21 سبتمبر 2017آخر تحديث :

عندما كانت قبضة نظام الأسد الأمنية تضرب بلا هوادة في صفوف قيادة المعارضة السورية ونشطائها، كان سمير نشار واحداً من أصحاب المواقف الواضحة الجريئة في وجه نظم الاستبداد والفساد الجاثم على صدور السوريين، ومع انطلاق ثورة الكرامة في آذار من العام 2011 لم يتأخر سمير نشار “أبو كرم”رئيس الأمانة العامة في “إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي” عن الانحياز لحلم شعبه وحلمه، فكان أحد أبرز من مثلوا “إعلان دمشق” في المجلس الوطني، وتولى مسؤوليات عديدة في قيادة العمل الثوري والسياسي المعارض، لكنه في السنة الأخيرة من عمر الثورة ابتعد عن واجهة العمل القيادي في مؤسسات المعارضة السورية، ولم يبتعد صوته، ولم تغب مواقفه الواضحة.

“حرية برس” تدخل في هذا الحوار ساحة أفكار ومواقف سمير نشار، ومشكوراً كانت إجاباته على أسئلتنا واضحة كاشفة:

* كيف تقيمون ما تضمنه البيان الختامي لاجتماع أستانة 6؟

** بيان أستانة الختامي هو محصلة لكافة اللقاءات التي تمت بين الروس والاتراك ومن ثم الإيرانيين السرية والعلنية والتي غالباً كانت تتم بغياب وفد الفصائل، علينا العودة قليلاً للبدايات وكيف حصل التلاقي الروسي التركي منذ منتصف عام 2016 وقبل البدء بعملية درع الفرات في الشمال السوري من الحدود المشتركة الى مدينة الباب والتي تمت نتيجة صفقة تبادلية بين الجانبين الروسي والتركي، التخلي عن حلب من قبل الأتراك مقابل السماح لجيشهم بالتوغل في الشمال، لإنجاز هدف تركي يتمثل في قطع التواصل على “قوات سوريا الديمقراطية”  أو بالأصح “pyd” بين منبج وعفرين لمنع قيام كيان كردي متصل جغرافياً، على ما يمثله هذا الكيان من خطر على الأمن القومي والداخلي لتركيا، خاصة أن الثقة مفقودة بين تركيا وحليفها المفترض الولايات المتحدة الامريكية التي تدعم قوات الـ “pyd” بقوة وبإصرار ورفضت أي مشاركة لتركيا في عمليات قتال داعش وهي الحليف في الناتو منذ أكثر من نصف قرن، والسؤال المثير للاهتمام هنا، لماذا رفضت الولايات المتحدة مشاركة تركيا في قتال داعش رغم إلحاحها المتكرر وليس فقط في سورية وانما ايضا في الموصل؟ أنا اعتقد أن سبب الرفض أولاً، هو الاتهامات غير المعلنة لتركيا بأنها غضت النظر عن دخول آلاف المتطرفين الإسلاميين عبر حدودها إلى سورية والعراق، أي انها ساهمت بشكل غير مباشر بقيام دولة داعش وأيضا القاعدة وخاصة في سورية، وثانياً.. اعتقد أن تركيا راهنت على كل الجماعات الاسلامية في توسع وتمدد نفوذها في سورية وربما بشكل أقل في العراق، ودعنا نتذكر أن المقايضة الوحيدة التي ابرمتها داعش – قبل صفقتها الأخيرة مع حزب الله – هي مع تركيا بعد سقوط الموصل واحتجازها عشرات الأتراك، ولم يعلن عن المقابل لهذا الإفراج.

هذه الخلفية لابد منها لفهم سبب وطبيعة التحول بالموقف التركي والتي أدت إلى تفاهمات روسية تركية بدأت تتجسد من خلال لقاءات استانة، اغلب الفصائل التي شاركت في استانة بداية كانت هي الفصائل التي هزمت وانسحبت من حلب في نهاية العام 2016 باستثناء أقرب فصيلين إلى تركيا وهما أحرار الشام وفتح الشام، بالإضافة إلى الزنكي وبعض الفصائل الصغيرة أيضا.

المثير للاستغراب أن “أحرار الشام” و “فتح الشام” المدعومين من تركيا وقطر بشكل أساسي وبشكل لا لَبْس فيه هم من رفضوا المشاركة في أستانة، وبرأيي أن خلافاً سياسياً وليس ايديولوجياً نشب بين الفصائل المذكورة من جهة وتركيا من جهة ثانية حول الغاية والهدف من استانة، فتح الشام اعتبرت أن مسار استانة يهدف لأمرين:

الأول: استهدافها هي وتصفيتها اذا لم تنصاع للتوافق التركي الروسي.

الأمر الثاني: الذهاب بحل سياسي ترعاه روسيا مع نظام بشار الأسد وهذا ما ترفضه فتح الشام بالتأكيد.

أما أحرار الشام فقد كانت حريصة على عدم الخلاف مع تركيا، لذلك اتخذت موقفاً حيادياً نوعاً ما من مسار أستانة، فقد اعتذرت عن المشاركة لما لديها من مخاوف حقيقة من استانا وأهدافه، لكنها لم تهاجمه.

بعد انتهاء “استانة 1” قامت “هيئة تحرير الشام” التي تشكلت من فتح الشام والزنكي وأنصار الدين وفصائل أخرى بمهاجمة الفصائل التي شاركت في أستانا واستولت على مستودعات أسلحتها وهزمتها، وبالتالي أصبحت تللك الفصائل اسماً دون مسمى، لأن البعض منها التجأ إلى تركيا والبعض انضم إلى هيئة تحرير الشام، والبعض الاخر اعتزل العمل الثوري المسلح وبقي في سورية.

بعد توقيع وقف إطلاق النار وبعد اجتماع استانة لم يلتزم النظام السوري ولا المليشيات الطائفية ولا حتى روسيا به، وخاصة في محيط مدينة دمشق، حيث جرى إعادة احتلال وادي بردى وتهجير سكانه الى إدلب، إضافة الى بعض البلدات الأخرى من الغوطة الشرقية، وتواصلت الهجمات ومعارك أحياء دمشق، برزة وتشرين والقابون، وتهجير سكانهم أيضا الى إدلب، وبقي حي جوبر هو الحي الدمشقي الوحيد الذي يقاوم الهجمات العديدة التي قام بها النظام بشراسة في رغبة منه لإيصال رسالة الى الداخل والخارج انه استعاد السيطرة على جميع أحياء دمشق وأغلب مدن وبلدات الغوطة وهذا إنجاز كبير له. كل تلك التراجعات في مواقع الثورة والثوار حصلت نتيجة اتفاق استانة والتوافق التركي الروسي، مسار “أستانة” اختراق في جسد الثورة، الآن ربما المهمة الاخيرة لأستانة هي تصفية جميع الفصائل وعلى رأسها هيئة تحرير الشام  ليس لأنها ارهابية وهذا معروف منذ سنوات لكن بسبب عدم انخراطها بالحل السياسي والميداني الذي ترعاه روسيا وتركيا والذي سوف يؤدي في نهايته إلى العودة الى حضن نظام بشار الاسد، وهذا أدى الى تحولات عديدة في المواقف السياسية لكثير من الدول التي كانت ترفض بقاء بشار الاسد في أي حل سياسي، الان أغلبية الدول تطالب ببقائه في المرحلة الانتقالية وهذا أيضا محاولة تطويع لقوى المعارضة والثورة ميدانيا من خلال استانة وسياسياً من خلال جنيف.

كما ذكرت الأيام القادمة سوف تكون حاسمة على الصعيد الميداني في إدلب، وتركيا تحاول تعبئة وحشد الفصائل لتكون رأس حربة في الهجوم المتوقع على إدلب، بإسناد مدفعي، وربما بدعم من قواتها البرية أيضاً، بالاضافة الى دعم جوي روسي في محاولة لإجبار جميع الفصائل دون استثناء على القبول باتفاق استانة، وبالتالي بالحل السياسي وإنهاء الثورة أو كما تطلق عليها روسيا: (الأزمة السياسية بين الجماعات المسلحة وبين حكومة الجمهورية العربية السورية) بالمصالحة مع نظام بشار الاسد من خلال حكومة انتقالية تحت رئاسته وبإصلاحات دستورية شكلية مما عهدناها في نظام بشار الاسد، وكما يطالب رئيس منصة موسكو بإجراء تعديلات على دستور النظام لعام 2012 التي يعرفها الجميع.

ربما يجدر الاشارة أخيراً الى المحاولة الفاشلة والبائسة التي قامت بها حركة أحرار الشام بمحاولة الهجوم على إدلب وأدت الى نهايتها تقريبا وكشفت عجزها وهشاشتها، فلم يكن أحد يتوقع ان تنتهي الحركة خلال ثلاثة أيام، وهي التي كانت تعتبر ربما أقوى فصيل في سورية، لابد من التذكير ان احرار الشام قامت بتبني تحولات بعد فوات الأوان، عندما اعتبرت انها أحد فصائل الجيش الحر ورفعت علم الثورة بعد ست سنوات واعادت العمل بالقانون العربي الموحد بدلاً عن المحاكم الشرعية، وبقاياها الآن بصدد الانضمام الى مشروع الجيش الوطني التي تسعي تركيا الى إنجازه قبل الهجوم على ادلب.

الأيام القادمة مليئة بالتحديات الحاسمة على الصعيدين الميداني والسياسي بالنسبة لخيارات الثورة السورية.

* بعد مرحلة التعقيد والتشابك الدولي والإقليمي الذي يشهده الوضع السوري، ومحاولات تعويم نظام الأسد، هل بات من المستحيل الوصول لحل جذري للقضية السورية يلبي طموحات الشعب السوري الثائر؟

** لا زالت التناقضات الدولية والإقليمية موجودة ولو أن المشهد السياسي يظهر أن روسيا هي التي تلعب الدور الرئيسي على الصعيدين السياسي والميداني، الروس ميدانيا ومنذ بداية عملية درع الفرات ولاحقاً أستانة، هم في حالة تنسيق دائم مع تركيا، وننتظر النتائج النهائية لعملية إدلب المرتقبة.

على الصعيد السياسي لمسنا النشاط الروسي والتواصل مع الدول الغربية والدول العربية من خلال الزيارات الأخيرة لوزير الخارجية الروسية لدول الخليج والتواصل المستمر مع مصر مع محاولة منحها دورا في التواصل مع الفصائل من خلال تيار أحمد الجربا الذي يحاول ان يجد له مكاناً.

كل التحركات الروسية وخاصة مع دول الخليج هدفها إعادة تعويم وتسويق بشار الاسد في أي حل سياسي، ومبدئياً وعلى الأقل في المرحلة الانتقالية، وأعتقد أن دول الخليج ربطت موافقتها بالموقف الامريكي الذي حتى الآن ليس موقفا واضحا وحاسما من دور بشار الاسد، رغما انه ليس هناك رفضا قاطعا أمريكيا لدوره، وانا ميال الى ان السعودية لن تدعو الى مؤتمر رياض2 قبل ان تتأكد أن امريكا موافقة، لان المؤتمر سيرتب الارضيّة السورية لتلك القفزة بالمجهول غير معروفة النتائج.

* لنفترض أن جميع الدول الفاعلة بالملف السوري وخاصة الشقيقة والصديقة وافقت على بقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، واجتمع مؤتمر رياض2 وأعاد النظر برؤيته السياسية وأسقط شرط “ان لا دور لبشار الاسد في بدء المرحلة الانتقالية”، من يجبر الشعب الثائر على القبول بهكذا تنازل؟؟

** هناك رأي سائد إلى حد كبير أن الدول سوف تستطيع فرض الحل السياسي في سورية بما يتوافق مع مصالحها وخاصة الدول المتدخلة بالصراع وهي روسيا وإيران وأمريكا وتركيا ومن ثم السعودية، لكن أنا أنظر الى الحالة الليبية التي هي أقل تعقيداً وأقل تشابكاً في تضارب المصالح، ومع ذلك تمكنت بعض الفئات الليبية من إعاقة السير بالحل الدولي، وحتى الآن لم يستطع الحل الدولي أن يجد طريقه الى التطبيق ووقف الصراع في ليبيا التي أنهت حكم القذافي، وهو كان العقدة التي تجاوزتها الثورة الليبية.

الوضع السوري أصعب وأكثر تعقيداً من الملف الليبي وخاصة مع حجم الجرائم المرتكبة بحق السوريين من قبل بشار الأسد واستخدامه الأسلحة المحرمة الدولية أكثر من مرة ضد الشعب السوري.

سيكون من الصعب توقع قبول أي دور لبشار الاسد في أي حل سياسي سواء في المرحلة الانتقالية، ومنذ بدايتها أو في أحد مراحلها أو من خلال الانتخابات، أو في المستقبل، سورية لن تعرف الاستقرار ولا المنطقة إذا بقي بشار الأسد في سورية.

هكذا حل لن يقبل به السوريون كفصائل وأفراد، وليس قادة، وكافة المعارضين من مجتمع الثورة والمعارضة وبغض النظر عن مواقف مؤسسات المعارضة التي باتت تشبه المؤسسات الرسمية البيروقراطية نتيجة فقدان صدقيتها وعدم الالتفات إلى مواقفها من قبل أكثرية جمهور الثورة، كل ذلك يضع الاتفاق كما أظن أمام تحديات خطيرة خاصة كما ذكرت سابقا ما سوف يحصل بادلب وما سوف يحصل بالرياض2 وأيضا وربما الأهم وضوح الموقف الأمريكي الذي ربما ينتظر ما ننتظره نحن أيضا لكن هو ليبني عليه موقفاً سيكون حاسماً تجاه ما تحاول روسيا فرضه ميدانياً وسياسياً.

* لماذا نرى هذا الفشل الذريع في الوصول لتمثيل سياسي للمعارضة السورية ككيان يضم جميع أطياف الشعب السوري؟

** الفشل في تشكيل إطار سياسي جامع يعبر عن كافة أطياف الشعب السوري يعود كما اعتقد لأسباب عديدة من أهمها، أن علينا الاعتراف أنه ليس كل الشعب السوري مع الثورة السورية وأن سكان أهم مدينتين في سورية لم يتجاوبوا وينخرطوا في صفوف الثورة إلا بشكل متاخر وجزئي، وهذا له أسبابه الاجتماعية المعقدة التي يصعب شرحها في هذا الحيّز.

الثورة السورية التي كان أول تمثيل سياسي لها هو المجلس الوطني السوري جاء تلبية لنداءات الحراك الثوري بالداخل بعد عدة أشهر من قيامها واستمرارها، لتأمين التواصل مع المجتمع الدولي وطلب الدعم الدولي لحماية المتظاهرين والمدنيين السوريين الذين تعرضوا لعمليات قمع وتصفيات جسدية بالشوارع وبالمعتقلات، وأيضا لتوضيح أهدافها بالحرية والكرامة الانسانية ولكل مكونات الشعب السوري.

المجلس الوطني هو محصلة توافقات سياسية بين قوى سياسية وثورية معارضة بشكل جذري للنظام ورئيسه بشار الاسد، وهنا أكرر لم تكن كل المكونات الاجتماعية والسياسية السورية متوافقة مع هذا الطرح، ومنها على سبيل المثال هيئة التنسيق الوطنية، وبالتالي لم يكن هناك شكل من أشكال الإجماع في الموقف من تأييد الثورة، لابد من الاعتراف أن بعض القوى السياسية وخاصة الإسلاميين، والاخوان المسلمين تحديدا كانت لديهم أوهام، سواء تجاه حجمهم أو الدعم الإقليمي الذي يحظون به من قطر وتركيا، أو القبول الامريكي بهم في أنظمة الحكم، كما جرى في مصر وايضا تونس وليبيا.

لابد من ذكر أن بعض الشخصيات المؤثرة رفضت رفع علم الثورة كشعار للمجلس الوطني السوري في المرحلة الأولى من تأسيسه.

بعض القوى والشخصيات في المجلس الوطني انقلبت على مبدأ التوافق الذي يتعارض مع الانتخابات، إعلان دمشق كان يرى أن المرحلة الثورية ولحين اسقاط النظام تفرض علينا أن نكون توافقيين، ولأن قضية التنافس من خلال الانتخابات تقلص من مساحات التوافقات وتخلق انحيازات ايديولوجية وسياسية لسنا بحاجة إليها في المرحلة الثورية، كما أن مناخ الانتخابات يؤدي الى صراعات وإلى شللية، وحيازة فريق أو مجموعة أو جماعة على القرار الذي يخص كل الفاعلين في الثورة سياسيا وميدانياً، وأثبتت الأحداث صحة هذا الرأي كما أظن من خلال الانتخابات التي سادت في نهاية عام 2012 بالدوحة، وبعد التوسعة في المجلس لضم فئات جديدة من مكونات المجتمع السوري، وزيادة تمثيل المرأة، ما حصل كان مفارقاً لكل ماكان مستهدفاً، ونتج بالتأكيد عن تطبيق مبدأ الانتخابات، فقد زاد الحضور الاسلامي بشكل فاقع. ولم تنتخب ولا امرأة. لم ينجح بالانتخابات أهم شخصيتين وطنيتين في المجلس الوطني الأول من المكون المسيحي والآخر من المكون العلوي، وانتقل هذا الداء للأسف للائتلاف الوطني السوري في كافة مراحله والى الآن.

من أهم الأسباب لتراجع دور مؤسسات المعارضة في الثورة وتراجع الثقة بها هو الصراعات الانتخابية والشللية واستخدام المال السياسي في شراء الولاءات وأيضا ظهور شخصيات تصدرت المشهد السياسي في الائتلاف لم يكن لها أي دور أو تاريخ لا بالمعارضة ولا بالثورة لكنها تملك المال لشراء الولاءات، وغالبا هذه الشخصيات التي كانت تملك المال محسوبة على هذه الدولة أو تلك، والتي كان الائتلاف ساحة صراعات فيما بينها للهيمنة على قرار الائتلاف، الذي أصلا لم يكن سوى صناعة دول لمصادرة القرار الوطني السوري المستقل الذي كان يمثله المجلس الوطني السوري الذي هو صناعة وطنية بامتياز، استغلت الدول الثغرات التي ذكرتها سابقا في المجلس الوطني للقضاء عليه، وأيضا كان الاسلاميون أكبر الخاسرين رغم تعويلهم على الدول الاقليمية.

الملاحظة التي يجب التوقف عندها خاصة بالائتلاف وإلى حد ما بالمجلس الوطني، هي شبكة العلاقات التي تربط السوريين المغتربين في الخارج ولمدة طويلة مع الدول، كافة الدول بما فيها روسيا. احد اهم أسباب فشل مؤسسة الائتلاف ممثلة لقوى الثورة والمعارضة أنه فاقدة للقرار الوطني السوري المستقل، الانتخابات التي كانت طريق للإفساد، السوريون الوافدون على مؤسسة المعارضة لم يكن لهم أي دور أو تاريخ لا بالمعارضة ولا الثورة وأصبحوا صناع قرار في الدائرة الضيقة التي تطبخ بها القرارات.

* هل تستطيع المعارضة السورية بوضعها الراهن البائس الدفاع عن وحدة سوريا في وجه مشاريع التقسيم الدولية المطروحة؟ أم أنها كالعادة ستكتفي بالتنديد؟

** شخصيا لا أعتقد ان القوى الاقليمية المتدخلة في سورية وأعني تحديداً ايران وتركيا لها مصلحة في تقسيم سورية وهي ربما تدافع عن وحدتها ليس محبة بسورية بقدر ماهو دفعاً لتهديدات التقسيم التي من الممكن أن تتمدد إليهما وتشكل تهديدا للأمن القومي للدولتين، وهذا ما نشاهده الآن في التهديد الكردي الذي يمثله حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الـ “pyd” ويشكل مخاطر جدية وحقيقية على الأمن القومي التركي وهو السبب الحقيقي وراء الانعطافة التركية الحادة بالملف السوري لمواجهة هذا التهديد المدعوم من الولايات المتحدة الامريكية، قبل ظهور الـ “pyd” وتوسعه كان هناك صراع حاد بين نفس الدولتين وكانا لا يعارضان التقسيم اذا كانت سورية بجزئها الشمالي خاضعا للنفوذ التركي وسورية المفيدة تخضع للنفوذ الإيراني وكان هذا السيناريو مرشح قبل صعود داعش بسورية والعراق وقبل التدخل الامريكي خاصة في شمال سورية لدعم قوات الـ “pyd”، عند ذلك تحول الصراع على سورية بين الدولتين على سورية إلى تعاون وتنسيق بينهما ضد التدخل الامريكي وضد التمدد والتهديد الذي يمثله الـ “pyd”، هذه التحولات والمتغيرات المتسارعة والمتحركة بآن وخاصة بعد التدخل الروسي غيّرت وتغير معادلات التحالفات والصراعات للقوى المتدخلة والموجودة في سورية. اليوم ايران وتركيا أشد الدول حرصاً على وحدة سورية خلافا لمواقفهما السابقة، والنظام السوري وإيران اللتان دعما وسلما ونسقا مع قوات الـ “pyd” لمواجهة تركيا في بداية الصراع، اليوم النظام السوري يطالب بإعادة سلطته الى مناطق الجزيرة السورية والتي هو سلمها الى الـ “pyd” سابقا.

باعتقادي حتى الآن لا يوجد سيناريو للحل في سورية لدى جميع القوى الاقليمية والدولية، لأن الخارطة تتغير باستمرار، وتحاول جميع الدول توسيع هامش نفوذها لتضمن لنفسها مكاناً واسعاً قدر الإمكان على الطاولة، الحل السياسي في سورية ليس في متناول اليد كما أرى، وبالتالي أعتقد أن السؤال المطروح سابق لأوانه.

ولكن.. المعارضة السورية بالفعل في وضع مزرٍ لأسباب سبق ذكرها، وليست هي من سيدافع عن وحدة سورية قياساً بمكونات الشعب السوري التي ليس لها مصلحة في تقسيم سورية، ربما باستثناء طيف من الأكراد، ولا أقول المكون الكردي، الذي بالتأكيد يحتاج إلى الاعتراف بخصوصيته الثقافية والقومية ومعالجة المظالم التي تعرض خلال مرحلة حكم الاسد الأب والابن، وبالتالي يمكن معالجة هذه الإشكاليات من خلال توافق وحوار وطني بعيداً عن سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، وهي سياسة تزيد من فجوة عدم الثقة بين القوى السياسية والمكونات السورية.

يبقى السؤال هل لإسرائيل مصلحة في تقسيم سورية إلى كيانات هزيلة؟ أعتقد أن سورية المركزية والموحدة تحت حكم الأسدين لم تشكل تهديداً على إسرائيل، وسورية مركزية على هذه الشاكلة مرحب بها من قبل إسرائيل،أما إذا كانت مقسمة إلى أجزاء تحكمها جماعات رديكالية متطرفة لا يمكن ضبطها والسيطرة عليها فهذا يشكل واقعاً خطراً لن تقبل به إسرائيل ولا تريده، وتفضل حكم الاسد عليه. حاليا وحدة سورية ليست في خطر، والمعارضة ومؤسساتها بشكلها وواقعها الحالي ليست مؤهلة للدفاع عن وحدة سورية حالياً.

* ماذا عن “إعلان دمشق”، ألا يتحمل – وكان إلى وقت قريب أكبر تشكيلات المعارضة السورية – مسؤولية الفشل المخزي الذي تعانيه مؤسسات المعارضة؟

** من حيث المبدأ ليس هناك أي تشكيل سياسي أو ثوري أو أفراد مارسوا دوراً وتصدروا المشهد السياسي أو الثوري المعارض إلا ويتحملون جزءا من المسؤولية عما آلت اليه الأمور، لكن كما يعرف الجميع أن المسؤولية توزع على حجم الصلاحية الممنوحة وعلى الدور الذي مورس وحجم الأخطاء المرتكبة، المسؤولية لا توزع على الجميع بالتساوي بغض النظر عن حجم مساهمة كل طرف بالخطأ أو حجم الجريمة حتى، القاضي يحاسب الجميع ويطلق أحكاما على الجميع وإنما الأحكام تتفاوت بما يتناسب مع حجم الارتكاب وبحسب دور كل طرف. هذه المقدمة لأقول إن إعلان دمشق وهو ائتلاف من قوى وشخصيات، الذي أسس في الشهر العاشر من عام 2005 في دمشق وعقد أول مؤتمر له في نهاية عام 2007 في دمشق اكتسب مصداقيته من خلال سيرته ونضاله ضد الاستبداد والقطع معه، وطالب بالتغيير الديموقراطي السلمي والتدريجي، قدم تضحيات في سبيل هدف تحقيق التغيير الديموقراطي واعتقل أبرز قادته في ذلك الحين وزجوا في السجون رغم أن عمل إعلان دمشق سلمي وعلني. اعلان دمشق -وهذه حقيقة – لم يكن من أنصار التسرع بتشكيل إطار سياسي يمثل ويدافع عن أهداف الثورة، لكن مطالبات القوى الثورية وإلحاحها والتي كانت قريبة من قوى إعلان دمشق هي من ساهمت في دفعه للتفاعل مع تلك المطالبات التي لم تأت من الداخل فقط، بل أتت أيضا من القوى والتجمعات السياسية التي نشأت خلال الثورة أو ما قبلها مثل جماعة الاخوان المسلمين، إعلان دمشق لبى دعوة من بعض المعارضين السوريين المقيمين بالدوحة لبحث مشروع إقامة كيان سياسي بالمشاركة مع هيئة التنسيق الوطنية وقوى أخرى لم تنجح المحاولة، نظرا لاختلاف رؤى المشاركين في طبيعة الأهداف حول رأس النظام تحديدا، الذي اعترضت هيئة التنسيق على أن يكون هو المطلب الرئيسي المراد تغييره من هذه الثورة التي قام بها السوريون.

المحاولة الثانية جاءت من خلال دعوة أخرى الى اسطنبول لنفس الهدف، وهو تشكيل إطار سياسي، وبعد عدة ايام من النقاشات مع باقي التشكيلات السياسية والقوى الثورية والشخصيات المستقلة وعندما اقتربنا من الوصول الى اتفاق انسحب الدكتور حازم نهار ممثل هيئة التنسيق الوطنية بناء على توجيهات من دمشق

وفيما يتعلق ببنود اتفاق تشكيل المجلس الوطني السوري فقد كان أهمها:

1- التوافق بدل الانتخابات، لمحاذيرها كما ذكرت سابقا في المرحلة الثورية.

2- التداول في المواقع لترسيخ فكرة المؤسسة وعدم ارتباط الشخص بالموقع، وتعامل الاخرين مع المجلس الوطني كمؤسسة.

3-التساوي بالتمثيل بغض النظر عن الاحجام، للمشاركة باتخاذ القرارات بعيدا عن قوة كل طرف سواء السياسية أو حتى الثورية.

ورغم أن اعلان دمشق هو القوة السياسية الوحيدة التي تمثل الداخل السوري إضافة طبعاً للقوى الثورية. إلا أن إعلان دمشق اكتفى بأن يكون عدد ممثليه 7 سبعة فقط رغم ان الكوتا كانت 20، وكان العدد الاجمالي لأعضاء المجلس الوطني ما يقارب 220 عضواً، وقبل أن تكون “مجموعة 74 اربع وسبعون عضوا” وقبل ان تكون مجموعة الاخوان المسلمين 20+40 من أنصارهم، اعلان دمشق اعتمد مبدأ أن قاعدة العمل الوطني والثوري هي توافقية ولا تحتاج الى أعداد ولا نحتاج الى انتخابات، لان التوافق يحد من قاعدة التصويت ويحصرها في حال عدم حصول توافق على شرط “الثلثين” من خلال التصويت، وفقط في المكتب التنفيذي الذي يشكل القيادة السياسية.

للاسف الشديد جرى القفز على شروط الاتفاق من قبل أكثر من طرف، ليس فقط من قبل الاخوان المسلمين، وانما أيضا من شخصيات وطنية مستقلة رغبت بالاحتفاظ بمواقعها بعد مدة أشهر لا أكثر، هذا من ناحية، من ناحية أخرى اكتشفنا حجم الحضور الاسلامي في المجلس الوطني وضعف تمثيل المرأة وأيضا ضعف تمثيل باقي المكونات السورية، وهذا سجل مأخذا على المجلس الوطني السوري، للاسف شركاؤنا لم يحاولوا ان يأخذوه بالاعتبار ومحاولة تلافيه، وكما ذكرت سابقا فشلت عملية التوسعة لتلافي ذلك بإعطاء انطباع اكثر سلبية عن تكوين المجلس الوطني السوري.

اعلان دمشق عمل مع الاخرين من الشركاء السوريين بمنتهى الإخلاص للمشروع الوطني الجامع بعيدا عن الانتماءات الحزبية او الأيديولوجية او السياسية لقناعتنا انه لا مكان لهذه الانتماءات في ظل الثورة والمطلوب كان تجميع جميع القوى من مدنية وميدانية وسياسية واعلامية ومن مختلف مكونات الشعب السوري في بوتقة واحدة لتحقيق انتصار الثورة وإسقاط النظام سواء عسكريا او سياسيا وقيام نظام سياسي جديد يشارك به كل السوريين من خلال مؤتمر وطني عام يجمع السوريين في الداخل (في دمشق) أولا، والسوريين الذين أبعدوا عن سورية ومن مختلف شرائح المجتمع السوري ومكوناته الاثنية والمذهبية والطائفية والثقافية والاجتماعية وبما فيهم السوريين الذين كانوا موالين للنظام من غير المرتكبين لجرائم، لأنهم جزء من الشعب السوري ولهم ما لجميع المناصرين للثورة، سورية الجديدة تبنى من قبل جميع السوريين من خلال نظام ديموقراطي مدني تعددي مثل باقي باقي الدول الديموقراطية.

ما حصل فعلا انه كأنت هناك رغبة أمريكية تحديدا بمصادرة القرار الوطني السوري المستقل الذي كان سمة المجلس الوطني السوري الذي هو صناعة وطنية سورية حرة بدون اي تدخل اقليمي او دولي.

المآخذ الحقيقي برأيي على المجلس الوطني السوري هو عدم التواصل مع الداخل السوري وعدم انتقال قيادة المجلس الى الداخل السوري وكان هذا الانتقال متاحاً الى المناطق المحررة في الشمال السوري وممارسة نشاطه ومهامه والوقوف على أولويات ومتطلبات الثورة ميدانياً، للاسف الشديد هذا لم يحصل رغم أن إعلان دمشق طرح الفكرة أكثر من مرة وعلى أكثر من رئيس لكن الاهتمام والأولوية كان للعلاقات الخارجية والتواصل مع الدول، وربما ايضا كان هناك رهان مضمر على شكل من أشكال التدخل الخارجي أو الضمانات الاقليمية والدولية ان الأمور ستكون منتهية خلال عدة أشهر، وهذه التوقعات أو الضمانات أو الإيماءات الاقليمية والدولية كلها لم تتحقق.

إعلان دمشق هو الوحيد الذي عارض قيام الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، الرغبة الامريكية استغلت الثغرات والمآخذ على المجلس الوطني لتأسيس إطار سياسي جديد منزوع الإرادة الوطنية السورية أو التلاعب بالقرار الوطني للثورة السورية، ولم ينضم اعلان دمشق الى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بشكل رسمي وإنما ممثله في المجلس الوطني سمي من ضمن حصة المجلس الوطني السوري عضوا بالائتلاف كممثل للمجلس.

* كيف تصف الخلل في الائتلاف الوطني؟ ولماذا لم يصدر موقف نقدي عن إعلان دمشق لأداء الائتلاف على مختلف الصعد؟

** أمراض الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة رافقت ولادته، أي أنها خلل بنيوي قبل أي شي آخر، عدا عن الصراعات الانتخابية والشللية واستخدام المال لشراء الولاءات، لكن الأسوأ والأخطر أنه تحول ساحة للصراعات الاقليمية بين محورين، المحور الأول يضم تركيا وقطر، وتدعم الجماعات الاسلامية بمختلف أطيافها، والمحور الآخر تقوده السعودية ويضم الإمارات والأردن أيضاً، يدعم الجماعات غير الإسلامية بمختلف أطيافها. إعلان دمشق بقي خارج هذه الصراعات ولم يحسب على أي من المحورين لأن منطلقه هو أنه من السابق لأوانه خوض هذه الصراعات الأيديولوجية أو السياسية، لأنها موضوعات مكانها الطبيعي في نظام سياسي مستقر ضمن دولة قانون ومؤسسات دستورية وسياسية تحكم في هذه الصراعات التي يفترض أن تكون ضمن برامج سياسية خاصة بكل جماعة سياسية أسوة بباقي الدول الديموقراطية.

وللأسف .. بعض السوريين ارتضى لنفسه لعب أدوار سلبية نظراً لارتباطات سياسية او ايديولوجية مع هذه الدولة أو تللك.

إعلان دمشق لم يتصدر المشهد السياسي بالائتلاف وكان يحاول دائما عدم الدفع للهاوية بالعمل داخل الائتلاف والدعوة للعمل التوافقي الذي لا نزال نؤمن به، لكن قدرات إعلان دمشق لم تكن كافية لمجاراة قدرات وإمكانيات الأشخاص أو القوى التي تستمد دعمها وقوتها من دول شقيقة أو صديقة.

إعلان دمشق لاتزال قيادته موجودة بالداخل السوري ضمن ظروف صعبة وقاسية جداً وتعمل وفق الإمكانيات والقدرات المتاحة وهي محدودة جداً نظرا لطبيعة الظروف التي تعيشها سورية وتواجهها الثورة.

ويحق لقيادة إعلان دمشق أن تفخر انها الجماعة السياسية الوحيدة في الداخل السوري التي أصدرت بيان الثورة بتاريخ 25 /2 /2011 تطالب فيه قوى المجتمع والمعارضة السورية لملاقاة رياح التغيير العربي التي أحدثت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وان سورية على موعد مع التاريخ ومع الحرية من هذا النظام المجرم، للاسف قوى المعارضة في الداخل لم تتعامل بالإيجابية ولا الجدية المطلوبة.

إعلان دمشق لا شك يتحمل مسؤولية لكنه يأتي في المرتبة الأخيرة في ترتيب تسلسل المسؤولية بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة التي مارست العمل السياسي بالمعارضة، التي تكاد تكون محصورة بالمجلس الوطني السوري.

* كنت إلى وقت قريب أحد قادة المعارضة السورية الفاعلين، هل تعترفون أيضاً أنكم أحد الفاعلين في سوء إدارة المعارضة لملف الثورة السورية؟ وأنت غائب اليوم عن واجهة العمل السياسي لقوى الثورة والمعارضة، لماذا؟ وهل يحق للقادة أن يتركوا مواقعهم في المعركة؟

** لا شك أني كنت أحد الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي من خلال دوري بالمجلس الوطني السوري وفي المكتب التنفيذي الذي شكل قيادة المجلس وقيادة المعارضة في ذلك الحين، ومسؤول أيضاً عن ممارساته وعثراته لكن أيضا بشكل نسبي، وكما ذكرت سابقا ان الولايات المتحدة استثمرت في أخطائه وثغراته لمحاولة التخلص منه كممثل للمعارضة والثورة، وهذه المحاولات بدأت كما أظن منذ مؤتمر القاهرة منتصف عام 2012، واستمرت المحاولات من خلال لجنة المتابعة والتواصل التي اقترحتها ورفضها المجلس الوطني ومن ثم طرحت مبادرة السيد رياض سيف، أظن سُميت المبادرة الوطنية والتي يعتقد الكثيرون وأنا منهم انها كانت اسم جديد للجنة المتابعة والاتصال التي اقترحها وعمل عليها روبرت فورد مسؤول الملف السوري الامريكي، ونجحت الجهود الامريكية بالتعاون مع الجهود القطرية والتركية في مؤتمر الدوحة.

في تلك المرحلة اعلان دمشق كان من أشد المعارضين لاستبدال المجلس الوطني السوري باي اطار سياسي آخر للمعارضة وقوى الثورة لأننا نعرف ان اي تخلي عن المجلس الوطني هو مصادرة للقرار الوطني السوري، وأنا ممثل لإعلان دمشق (بعض الزملاء يعرف) كنت من أشد المعارضين لقيام الائتلاف لمعرفتنا الأكيدة ان قضية السوريين وقرار ثورتهم السياسي سيبدأ بالتسرب إلى الدول الشقيقة والصديقة، وكانت هناك جلسات ملاكمة سياسية بيني وبين روبرت فورد بالدوحة وضغوط لا مثيل لها على أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني، واعتز وأفخر أني كممثل اعلان دمشق قاومت وقاتلت الى النهاية لكن بالأخير بقيت بمفردي، وتم تجاوز المجلس الوطني وكانت تلك اللحظات بداية نهايته، ونجحت الجهود الامريكية بمساعدة الدول كافة في تاسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وحتى في فرض قياداته المتعاقبة.

تأسيسا لما ذكرت ولموقف اعلان دمشق من الائتلاف تراجع دور الإعلان وبالتالي دوري في المشهد السياسي من خلال موقعي في الائتلاف الذي أصبحت فيه عضوا مثل باقي أعضائه الذين يزيدون عند التأسيس عن 60 وبعد التوسعة بعد عدة أشهر عن المئة، وبدأت شخصيات مثل السادة مصطفى الصّباغ والسيد أحمد الجربا بتصدر المشهد السياسي لقوى الثورة والمعارضة والذان يمثلان محورين متناقضين من الدول المتصارعة وكما ذكرت سابقا محور قطر – تركيا وتدعم القوى الاسلامية والسيد مصطفى الصّباغ، ومحور السعودية – الامارات – الاْردن وتدعم السيد احمد الجربا.

القاسم المشترك بين الرجلين الجربا والصباغ ان الاثنين ليس لهما تاريخ لا بالمعارضة السياسية ولا دور بالثورة، والاثنان يملكان المال السياسي، وهذه مفارقة تدعو للتهكم عن كيفية إدارة الصراع مع النظام السوري وهذا كان له تداعيات سلبية جدا، واذا وجدت فروقات بين الرجلين فهي بسيطة جدا تتمثل أن أحدهما يقود العمل بطريقة إدارة رجل أعمال والآخر بطريقة شيخ عشيرة.

ليس فقط ممثل اعلان دمشق من تراجع دوره وإنما اغلب الشخصيات السياسية والمعروفة بتاريخها السياسي اصطفت وراء الرجلين والمحورين، بكل تواضع إعلان دمشق لم يحسب على الفريقين وظل يحاول فعل الممكن والدعوة المستمرة للتوافق ونبذ آلية الانتخابات التي كانت تعزز سياسة المحاور والشللية والولاءات الشخصية والتي أصبحت من الأمراض المستعصية وأصبح الائتلاف عصياً على الإصلاح رغم المحاولات المتكررة من عدد من الرؤساء الذين حاولوا وفشلوا.

نهاية عام 2016 ومع إسقاط مدينة حلب والتي اعتز وأفخر بها، مدينتي التي قضيت حياتي فيها والتي كنت آمل أن تتحرر بالكامل هي وكامل سورية وأعود اليها كمواطن حر، إلى سورية الحرة، شعرت بإحباط شديد وعجز كبير أنني لم أستطع أن أقدم شيئا مفيدا لمدينتي، وأن دوري بالائتلاف لم يعد مجدياً، خاصة انني ناقشت أمر الانسحاب منه منذ فترة ليست بالقصيرة مع بعض الزملاء وكنا دائما نتوقف عند التوقيت المناسب ونختلف عليه، وبشكل منفرد وبعيدا عن رغبة الأمانة العامة لإعلان دمشق وأيضا الكثير من الزملاء بالائتلاف قررت المغادرة بكل هدوء وبدون ضجيج.

العمل الوطني والاهتمام بالشأن العام والدفاع عن الثورة وأهدافها في الحرية والكرامة الانسانية لكل المواطنين السوريين ليست بالضرورة محصورة بأطر المعارضة الرسمية كالائتلاف الوطني لقوى الثورة المعارضة السورية، الذي للأسف اصبح أقرب إلى كونه مؤسسه بيروقراطية أكثر منه كونه مؤسسة ثورية.

كما كنت في سورية أمارس العمل الوطني المعارض ضمن صفوف قوى إعلان دمشق سأستمر بالعمل ضمن صفوفه ولو أن ساحة العمل اختلفت والقدرات والامكانيات والتواصلت أقل حالياً مما كنا عليه عندما كنا بالداخل، لكن يجب الاعتراف أن الظروف المختلفة المحيطة بالثورة السورية، وهي أيضا متغيرة ومتحولة ومعقدة، جعلت أغلب المعارضين السوريين الوطنيين خارج الفعل السياسي المباشر والمؤثر، ومع ذلك علينا باستمرار أن نحاول، وهذا ما أفعله دائماً، وهو أني أحاول، في سبيل انتصار ثورة الحرية والكرامة وتحقيق أهدافها لجميع المواطنين السوريين والعمل على شد عَصّب الوطنية السورية أولا، ولدى جميع السوريين، لتحقيق أمل السوريين في دولة الحرية والقانون.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل