“حليف الأحلام لإسرائيل”، هذا هو الوصف الذي أطلقه معلق الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف الإسرائيلية ألون بن دافيد بمقال نشر في 30/6/2015 ليختصر العلاقة الضاربة في التاريخ بين تل أبيب والكيان الكردي الذي يسعى للتحول لدولة بعد الاستفتاء المقرر في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
ولم يكن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء تأييد بلاده لإقامة دولة كردستان غريبا أو جديدا، فموقفه هذا تكرار لمواقف إسرائيلية تاريخية، منها موقف تبناه هو عام 2014.
وكان نتنياهو قد حث الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز في يونيو/حزيران من ذلك العام على العمل لاستغلال علاقاته بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لتغيير موقف الإدارة الأميركية من استقلال كردستان.
وكشفت صحيفة هآرتس الصادرة في 29/6/2014 أن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان اتصل مع نظيره الأميركي جون كيري، وحثه على تغيير موقف بلاده من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عمليا.
حلف الأقليات
والاهتمام الإسرائيلي بإقليم كردستان وتحوله لدولة تخترق الدول الأربع -الأعداء لإسرائيل بتفاوت بين حجم هذه العداوة- العراق وإيران وتركيا وسوريا ليس جديدا، بل يعود لستينيات القرن الماضي عندما تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون نظرية ما سماه “الطوق الثالث” أو “تحالف الأقليات” في المنطقة الذي كان يستهدف بشكل رئيسي اليهود والأكراد.
تتعدد الأسباب التي يسردها سياسيون ومحللون، عوضا عما تكشفه حقائق التاريخ بين إسرائيل والأكراد تاريخيا، وهو ما يفسر أن تل أبيب تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن تأييدها قيام الدولة الكردية.
لعل السبب الأهم حسب المنطق الإسرائيلي أن دولة كردية في شمال العراق ستكون نواة لدولة كردية أكبر يمكن أن تضم لها لاحقا مناطق الوجود الكردي في شمال وشمال شرق سوريا، وشرق تركيا وغرب وشمال غرب إيران.
وستمكن هذه الدولة الكردية إسرائيل من اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، حيث تفترض إسرائيل أن مثل هذه الدولة ستواصل نهج إقليم كردستان التاريخي في التحالف مع إسرائيل، بحيث إن هذه الدولة يمكن أن ترتبط بشراكة استراتيجية مع تل أبيب، تقلص من عزلتها، وتزيد من هامش المناورة أمامها في التأثير على المشهد الإقليمي.
في الوقت نفسه، سيحول الإعلان عن مثل هذه الدولة دون إحياء خطر تشكل “الجبهة الشرقية”، والمتمثل في إمكانية تعرض إسرائيل لغزو من الناحية الشرقية، حيث إن إعلان الدولة الكردية يعني عمليا إعلانا رسميا عن تقسيم العراق وبإقرار دولي.
محاصرة تركيا وإيران
ولعل واحدا من أهم الأسباب التي تدفع النخب الأمنية الإسرائيلية للمجاهرة بحماسها لفكرة إقامة دولة كردية هو تقديرها أن مثل هذه الدولة ستسهم في محاصرة كل من تركيا وإيران اللتين تناصبهما إسرائيل العداء.
وقد سبق للجنرال عوزي ديان رئيس مجلس الأمن القومي وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق، أن تحدث عن دور الدولة الكردية المهم في محاصرة أنقرة وطهران، على اعتبار أن مثل هذا الدور يقلص من قدرة هاتين الدولتين للتفرغ للاهتمام بالصراع مع إسرائيل مستقبلا.
وكانت وسائل إعلام أجنبية تحدثت مرات عدة عن أن إسرائيل اتخذت من إقليم كردستان منطلقا لعمليات نفذتها ضد منشآت نووية إيرانية، وهو كشف يتوافق مع العلاقات العسكرية والأمنية بين تل أبيب وأربيل الضاربة في القدم.
النفط لإسرائيل
سبب آخر لتطلع إسرائيل لدولة كردية هو ما كشفته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في أغسطس/آب 2015 أن 75% من واردات إسرائيل من النفط تصل إليها من كردستان العراق، وهو ما يكشف عن حجم التعاون بين إسرائيل والإقليم الذي تتطلع تل أبيب لأن تكون دولة تتمتع بعلاقات ربما تكون الأقوى معها في المنطقة في حال قيامها.
ولا يقتصر الدعم الإسرائيلي لإقليم كردستان على شراء النفط، بل يتعداه إلى تعاون اقتصادي كبير، فقد كشفت صحيفة “معاريف” في عددها الصادر بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 النقاب عن أن شركات إسرائيلية تستحوذ على الكثير من الاستثمارات داخل كردستان، ولا سيما في مجال الطاقة والإنشاءات والاتصالات والاستشارات الأمنية.
وتذكر الصحيفة أن جميع الشركات الإسرائيلية العاملة في الإقليم يديرها جنرالات احتياط خدموا في الجيش والاستخبارات، على رأسهم الجنرال داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز “الموساد”.
جذور العلاقة
في مذكراته الصادرة عام 2015، كشف نائب رئيس جهاز الموساد الأسبق، نحيك نفوت، إلى أن الموساد عمل على تدريب وتسليح المقاتلين الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني، ويلفت نفوت خاصة إلى أن الأكراد لعبوا دورا مركزيا في مساعدة إسرائيل على تهجير يهود العراق أواخر عام 1969، حيث نقلوا اليهود من منازلهم باتجاه الحدود مع إيران، التي كانت في حالة تحالف غير معلن مع إسرائيل، ثم نُقلوا إلى إسرائيل.
ويرى المحلل السياسي المختص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي أن شهادة نفوت تكتسب أهمية خاصة، لأنه هو من تولى تطوير وإدارة هذه العلاقات من قبل الموساد، حيث أشار إلى أنه ما زال يحتفظ بعلاقات شخصية مع الكثيرين من قيادات الأكراد، وضمنهم الرئيس الحالي مسعود بارزاني.
Sorry Comments are closed