اعتاد أهالي جبل الأكراد على طقوسهم الخاصة في جميع المناسبات الهامة ولا سيما الأعياد، فلم تكن هذه الأيام تمضي بشكل عادي، بل هناك عادات توارثها أبناء هذه القرى عن أجدادهم لاستقبال هذا اليوم.
يقول المشرف على صفحة قرى جبل الأكراد وهي صفحة تهتم بنشر تراث تلك المنطقة لـ”حرية برس”: قبل العيد كان هناك ما يسمى وقفتان، والوقفة اسم متعارف لليوم الذي قبل العيد أو ما قبله، فالوققة الأولى تسمى “وقفة الكعك” والأخرى اعتقد “وقفة الدبايح”، كان بعض الناس يحضرون أو يشترون الاضحية سواء كبش أو خاروف وحتى عجل ليتم التضحية بها يوم العيد.
وعن “وقفة الكعك” يقول، وهي قبل بيومين من العيد حيث يتم تحضير الكعك فتقوم سيدة البيت بعجن الدقيق بزيت الزيتون وتضيف إليه التوابل من شمرا ويانسون وحبة البركة وغيرها، والكعك نوعان إما مالح وإما حلو يضاف له السكر والمحلب، ثم يقمن بعد ذلك بتقطيع العجين ومدّه ثم تدويره على شكل دوائر قد تكون مبسطة وخاصة للمالح أو دائرية الشكل للكعك للحلو، وكذلك يأتون بالسميد ويعجنوه بالسمن ثم يقطعوه ويضعوه في قالب خشبي مع الجوز ليتم عمل معمول بجوز ثم يدخلوه الفرن لينضج وبعدها يرش عليه السكر الناعم المطحون، وكذلك يتم عمل “أقراص بسيوه” أو بعجوة على نفس المبدأ لكن تحشى بالعجوة عوضا عن الجوز وتوضع بقالب خشبي مخصص لها ثم تدخل للفرن لتنضج، وفي هذا اليوم أو قبله يتم تحضير البيت وتنظيفه أو ما يسمى “التعزيلة” حيث تغسل البرادي وتنظف النوافذ ويرتب ويهيأ البيت لاستقبال المعيدين بأجمل هيئة، وفي هذا اليوم يذهبون إلى البرية لقطع أغصان الريحان (الحملاس أو حب الآس البري) وذلك لتحضيره لليوم التالي من أجل أخذه للمقبرة
وفي اليوم التالي أو الوقفة الثانية “وقفة الدبايح”، فتذهب الناس للمدينة أو للمحلات في القرى التي فيها محلات لباس ليشتروا لباس العيد سواء للأطفال أو الشباب أو الرجال والنساء وكذلك يذهبون الى محلات السكاكر ليشتروا سكاكر وملبّس وشوكولا وراحة وهريسة اللوز او الفستق ونوكا ودروبس (بون بون) إلخ بالاضافة لشراء البقلاوة بأنواعها من سوارة الست للمبرومة للبلورية لعش البلبل، وكذلك في هذا اليوم يذهب الرجال إلى الجزار ليشتروا حاجتهم من اللحم وخاصة لحم الغنم، وبعد صلاة العصر وبعد خروج الناس من الصلاة يتوجهون هم وغيرهم من الناس إلى المقبرة حاملين معهم جرزة من أغصان الريحان المحضرة سلفاً وما أن يصلوا حتى يتفرقوا ويذهب كل رجل إلى قبر قريبه وينثر عليه أغصان الريحان ويجلس قرب القبر ويقرأ الفاتحة أو شيئاً من القرآن أو سورة ياسين على أرواحهم.
يوم العيد مع إشراق واطلالة هذا اليوم المبارك، كنا نستيقظ على أجمل الأصوات وأعذب الكلمات تصدح بين ثنايا الجبال بين الأزقة والحارات مهللة بالبشر والبهجة والفرحة والسرور والبركات والوجوه تشع مشرقة، فهذا يوم التكبيرات، الكل يلبس أجمل الثياب ويتزين ويضع أطيب العطور يسارعون الخطى الى المسجد في يوم التكبير والتسامح والفرح وصفاء النفوس مع نسمات الصباح اللطيفة المنعشة تنطلق الناس وكلما اقتربوا من المسجد تزداد قوة التكبيرات التي تعم الآفاق والطرقات والمنحنيات الى السهول والهضاب والشعاب والأودية والغابات، ويدخلون المسجد مع التكبير والتحميد والوجوه تشع بهجة وسرور وصفاء نفوس ورائحة المسجد تزدحم بها العطور المختلفة وتقام الصلاة وتأتي الخطبة ثم تنتهي ويبدأ الناس يعيدون بعضهم البعض ويتصافحون وتتصافى النفوس وتذهب الشحناء وتعلو الابتسامات، ثم تمضي الناس والكل يبحث ويمضي إلى أولوياته فالأب يريد أن يعيد أهله والجيران والأقارب وأحياناً تنطلق مجموعات من كل عائلة يطوفون على بيوت العائلة يعيدونهم ويعيدون كبار العائلات الاخرى في نفس الطريق أما سيدة المنزل فكانت تعد حاجيات الأبناء وتحضر كل متطلبات الضيافة من أكل وحلويات وفواكه، والشباب منهم من يذهب لمعايدة الاقرباء ومنهم من يستعد للذهاب في رحلة لمكان ما مع أصدقائه أو ما شابه ذلك، أما الفتيات فيتصلن بأقربائهن وأصحابهن ليمضوا هذا اليوم المبارك السعيد برفقتهن، أما الأطفال فيسعون لأخذ عيدياتهم ولينطلقوا ويشتروا الالعاب ومنهم من يدور على البيوت ليعيد الناس وكانت كلمة التعييد من قبل هي ايامكم سعيدة والرد عليها يكون من العايدين الفايزين أو كلمة تعييد أخرى وهي عيد مبارك عليكم والرد يكون وعليكم أبرك الاعياد.
“سنمضي هذا العيد هنا أيضا لقد اعتدنا على إمضاء العيد في قريتنا، أجبرنا على النزوح منذ خمسة أعوام وكنا نعتقد أن عودتنا قريبة، الآن لا أريد شيئ سوى أن أدفن في مقبرة قريتنا بالقرب من قبور أجدادي” بهذه الكلمات بدأت أم أحمد حديثها عن العيد في جبل الأكراد بريف اللاذقية عن عادات العيد في جبل الأكراد والتقاليد التي كانت متبعة مع اقتراب قدومه.
تقول أم أحمد وهي امرأة في الأربعين من العمر، لقد أمضينا أجمل أيام عمرنا في تلك القرى، كنا نستعد لاستقبال العيد كالإطفال فقد كانت هذه الإيام فرصة للم شمل الإهل حيث كانت قريتنا تخلو من شبانها، فأغلبهم يقيم في المدينة بهدف العمل كانوا يأتون بالعيد لزيارة أهلهم وإمضاء عطلة العيد معهم كانت قريتنا تعود للحياة وتمتلئ بالسكان.
تضيف أم أحمد كنا قبل قدوم العيد بيومين نتوجه إلى التنور لم نكن نملك هذه المعدات المتواجدة الآن كالفرن وغيرها، كانت تجتمع نساء القرية هناك وكل شخص ينتظر دوره ليأتي حيث كنا نقوم باعداد الكعك وخبز التنور بالإضافة إلى قرص العيد، وهو قرص كبير لم يكن الهدف من صنعه هو الأكل بل كان يعلق في المنزل للعيد القادم بهدف جلب البركة إلى هذا البيت، بعد الانتهاء من التنور كنا نعود للمنزل ونستعد للذهاب إلى منزل كبير العيلة للإفطار لأن بهذا اليوم الجميع يكونوا صائمين ومن الأصول ان يكون الافطار عند كبير العائلة.
أذكر جيدا تلك الايام وكأنها تحصل أمامي الآن لقد كنت في يوم العيد أصعد إلى سطح منزلنا وأجلس لأراقب المصلين وهم يخرجون من المسجد، كانوا يسيرون في مجموعات ويزورون بيوت القرية بيتاً بيتا ليتبادلوا تهاني العيد.
- هل سوف نعود؟ هو السؤال الذي طرح علي من قبل أم احمد في نهاية حديثي معها، فهي تعتبر أني على علم كافي بما يحصل وأستطيع أن أعطيها جواب يطمئن قلبها وهو أن عودتنا قريبة، لم يكن جوابي كذلك لن نعود وإن عدنا فلن نعود لن نستطيع أن نتعرف على هذه المنازل التي لم ينجوا منها بيت إلا وكان به قتيل أو معتقل لربما كان يجدر بي الكذب لكي أصنع ابتسامة على وجهها أو ربما كان يجدر بتلك الطائرة أن لا تلقي الصواريخ على قريتها وتجبرها على النزوح.
عذراً التعليقات مغلقة