آلاء مازن – حرية برس:
على ساحل صخري وعلى مسافة 30 كم عن مدينة اللاذقية تتوسد مدينة جبلة كتف البحر الأبيض المتوسط، ضاربة جذور وجودها في عمق التاريخ.
يتشكل سكان المدينة من خليط بشري ظل متآلفاً مئات السنين، حيث يتوزع أهلها بين السنة والعلويين وقلة مسيحية، وفيما ينتمي معظم أهالي مدينة جبلة الى الطائفة السنية، ينتمي معظم أهل ريفها في القرى المحيطة إلى الطائفة العلوية.
حكاية جبلة مع ثورة الكرامة
عندما سطعت شمس الثورة في آذار من العام 2011 وفاح عطر هتافات الحرية قادماً من درعا كانت أصوات الثوار تدق أبواب قلوب أهالي مدينة جبلة بشبابها وشيبها ونسائها رجالها وحتى أطفالها، هنا بدأت أول مراحل عبور دم الثورة عبر شرايين شبابنا المظلوم والمهمش من قبل نظام الأسد، و بدأت أولى مراحل التخطيط لأول صرخة للحرية، ولكن كيف و متى وأين والثوار يعلمون أن القبضة الامنية الشديدة بدأت تشتد في جبلة منذ تعالي صرخات الحرية في درعا وحمص وبانياس؟
توجه بعض الشباب ومنهم الشهيد محمد زريق والشهيد ملهم الطريفي وآخرون غيرهم، إلى جامع المنصوري ومع انتهاء صلاة الجمعة قام عناصر الأمن بإغلاق أبواب المسجد واعتقلوا أحد المصلين، ما دفع الناشطين الى عدم التحرك والهتاف بالحرية بسبب القبضة الأمنية الشديدة.
لكن جبلة لم تتأخر طويلاً عن أول مظاهراتها، حيث تنادى ثوارها بتاريخ 25/3/2011 إلى الخروج للتظاهر، وشارك في المظاهرة حشد غفير من أهالي جبلة، وكان لمعارضين من الطائفة العلوية حضور لافت يومذاك.
استمرت المظاهرات الأسبوعية وشبه اليومية إضافة الى الاعتصامات المسائية، في شوارع وساحات الحرية نصرة للمدن الثائرة، الى ان جرى أول اقتحام لمدينة جبلة في 24/4/2011، حيث قام محافظ اللاذقية “عبد القادر محمد الشيخ” بزيارة المدينة والتقى مع بعض الوجهاء من سكانها وناشطيها ووعدهم بتلبية كافة مطالبهم و الإفراج الفوري عن المعارضين السياسيين والناشطين، ولكن وعوده تلك تبددت بعد لحظات، فبعد وقت وجيز من خروج المحافظ من المدينة قام عناصر المنتشرين على مداخل المدينة والمدعومين من اللجان الشعبية المؤيدة للنظام والشبيحة باقتحام المدينة وإطلاق النار بشكل كثيف وعشوائي وارتقى خلال ساعات الاقتحام الاولى سبعة شهداء، و اصيب العشرات واعتقل عشرات آخرون.
كان يوماً لا ينسى في مدينة اعتادت على إيقاع جميل للحياة، لتتحول الى ساحة حرب مفتوحة ضد مدنيين آمنين عزل، وامتدت معاناة الأهالي الى اشراقة صباح اليوم التالي، وكانت حصيلة تلك الليلة ثلاثة عشر شهيدا جميلا، ويتفاجئ سكان المدينة بحواجز ملأت الشوارع وقطعت أوصال الأحياء الثائرة (العزي – الدريبة – الصليبة – الجركس – الفيض) لكن تلك الحواجز لم تستطع أن تسكت أفواه الثائرين واستمرت المظاهرات في أزقة وأحياء المدينة.
وبتاريخ 5/6/2011 عاودت عناصر أمن نظام الأسد اقتحام المدينة للمرة الثانية، حيث داهم المئات من عناصر الأمن العسكري والشرطة العسكرية المدينة بذريعة اعتقال الشاب (حسين كوبش) الذي كان يطلق عليه من قبل المواليين للنظام لقب (أمير السلفية في مدينة جبلة) و راح ضحية هذا الاقتحام أربعة شهداء و عدة جرحى.
وبعد أن أنتهى النظام من حملته الإجرامية على أهالي حي الرمل الفلسطيني في مدينة اللاذقية، جاء الدور على أشقائهم في الأحياء الثائرة في مدينة جبلة بتاريخ 25/8/2011، لتشهد المدينة يوماً آخر لا ينسى بالنسبة لأهالي جبلة، حيث قام أكثر من 1000 عنصر تقريباً من جيش الأسد مدعومين بعناصر الأمن العسكري و عصابات الشبيحة باقتحام الأحياء الثائرة، حيث قام عناصر الأمن بإشعال بعض الإطارات لإعطاء الإشارة للبارجات البحرية التي كانت متواجدة قبالة سواحل المدينة للترهيب و لضرب الأحياء في حال حدثت مقاومة من الأهالي، واعتقل خلال هذا الاقتحام عدد من خيرة شباب ورجال المدينة، وضيق عناصر أمن النظام الخناق على الأحياء الثائرة وازداد عدد الحواجز على مداخل ومخارج الأحياء الثائرة وأصبحت المظاهرات اليومية وحتى الأسبوعية شبه معدومة واقتصرت على بعض المظاهرات الطيارة والمظاهرات الطلابية داخل الأحياء والتي كانت تستمر لبضع دقائق فقط، واستمرت تلك المظاهرات الى أواخر سنة 2013.
ويعود توقف الحراك الثوري داخل المدينة لعدة أسباب، منها:
• ازدياد الحواجز و التواجد الأمن في الشوارع و إحكام القبضة الأمنية على المدينة
• هجرة عائلات كثيرة مع أبنائها خوفا من الاعتقال
• الخوف من شبح الاعتقال و التعذيب كان سببا رئيسيا لترك بعض الشباب للعمل الثوري واتخاذهم موقف الحياد
• ملاحقة بعض الناشطين مما أدى الى تهجيرهم خارج البلاد
• خروج ما تبقى من ناشطين في المدينة الى مناطق سيطرة الثوار و تابعوا نشاطهم الثوري هناك
• هجرة عدد كبير من الشباب خوفا من التجنيد الإجباري في جيش الدفاع الوطني أو استدعائهم للخدمة الاحتياطية
• اعتقال بعض الفتيات و التهديد باستمرار ذلك لردع أهالي المدينة من العودة للنشاط الثوري
• و قد كان ايضا استشهاد بعض المعتقلين تحت التعذيب سببا في توقف الحراك الثوري داخل المدينة
• قيام عناصر الدفاع الوطني وشبيحته باختطاف بعض الأشخاص وطلب الفدية من ذويهم , أو ابتزاز أصحاب المحلات بدفع الإتاوات و مبالغ مالية ضخمة لإبقائهم داخل المدينة وتجنب اعتقالهم
شهداء تحت التعذيب
يعتبر الشهيد جمال حوري (6/9/2011) من أوائل شهداء أقبية الموت، وقد خرجت مظاهرة كبيرة أثناء تشييعه وقام الأمن بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين لتفريقهم.
أما الشهيد بلال نصور (3/3/2012) فيعتبر شهيد جبلة الثاني تحت التعذيب، وعندما تم تسليم جثمانه رافق عناصر الأمن نعش الشهيد الى المسجد للصلاة عليه، وعندما لاحظ الأمن تزايد أعداد المشيعين بشكل كبير قام بإغلاق أبواب المسجد ومنع الناس من الدخول لإقامة الصلاة، فثارت ثائرة المشيعين بسبب تلك التصرفات وقاموا بكسر أقفال المسجد وصلوا على الشهيد وشيعوه بمظاهرة حاشدة رفع فيها علم الثورة، فقام النظام باقتحام تلك المظاهرة وتفريقها بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع وملاحقة المتظاهرين وتم اعتقال عدد من الشباب المتظاهر.
وبعد تلك الحادثتين عمدت قوات الأمن إلى عدم تسليم جثامين الشهداء تحت التعذيب لذويهم واكتفى بتسليم اوراقهم الثبوتية وشهادات وفاتهم لمختار الحي في مناطقهم.
الانشقاقات العسكرية في مدينة جبلة
لم يتوانى الضباط و العساكر الشرفاء من مدينة جبلة عن المبادرة للانضمام لصفوف الشعب والثورة وانشق عدد لا بأس به من صف الضباط والضباط والجنود، ومنهم:
• المقدم تيسير سهيل درويش الذي انشق بتاريخ 2/4/2012 و شكل كتيبة أحفاد القسام.
• النقيب أسامة قاسم الذي انشق في مدينة دير الزور وانضم الى الثوار في ريف اللاذقية وبعدها انضم الى تنظيم الدولة “داعش” وقتل بغارة لطيران التحالف استهدفت سيارته.
• الملازم رائد غريب توفي في تركيا بسبب مرض عضال.
عقوبة جماعية
عاقب النظام أهالي مدينة جبلة لموقفهم المعارض له وخروجهم في المظاهرات ضده، بمنع الصيادين من العمل وتدمير عدد من قواربهم بحجة تهريبهم السلاح للثوار ومشاركتهم في الحراك الثوري، وذلك لتضيق سبل العيش عليهم، كما عمد الى قطع الماء والكهرباء والتشدد في إدخال المواد الغذائية والطحين الى الأفران.
واليوم، في السنة السابعة من عمر ثورتنا، تبدو شوارع مدينة جبلة مثقلة بجراح أهلها، وفقدان خيرة شبابها ورجالها وحتى أطفالها، فلا يكاد يخلو بيت من شهيد أو معتقل أو مطارد أو مهجر، فالمدينة باتت بلا شباب، ولا يرى فيها إلا بعض الشبيحة المنتسبين للدفاع الوطني أو الشاب الوحيد المعفي من الخدمة العسكرية، أو المريض، ومعظم العائلات تركت منازلها وهاجرت خوفا من التشبيح عليهم، ومن بقي من أهالي المدينة لاحول له ولا قوة، ينتظر ساعة نصر الثورة، فيما تغص المدينة بالنازحين، ومعظمهممن حلب، والكثير منهم يؤيدون نظام الأسد، في حين يحتل بحرها الروس والشبيحة.
وتقول المعلومات الواردة من المدينة أن نظام الأسد وبعد التغيير الديمغرافي الذي طرأ عليها نتيجة قمع قوات الأمن وإجرام الشبيحة، يحاول تهيئة مدينة جبلة ذات الموقع الجغرافي والسياحي المميز، بفعل اطلالتها المميزة على البحر، يحاول النظام تحويل ساحل المدينة الى منتزه للروس، وقد بدأت بالفعل أعمال هدم الكثير من المنازل وتوسعة الشوارع تحضيراً لهذا المشروع المرفوض من أهالي جبلة.
وبموازاة هذا النهج الإجرامي لنظام الأسد، وحلفائه الروس والإيرانيين، يتمسك أحرار جبلة بثوابت ثورة الكرامة، وينتظرون موعد الحرية، لييتخلص السوريون جميعاً من نظام القتل وجلب المحتلين، وليرفرف علم ثورة عالياً في سماء مدينة جبلة.
- فيديو – جبلة – الجمعة العظيمة مظاهرة حاشدة 22-4-2011
Sorry Comments are closed