وجهت قوات أميركية تتمركز في منطقة البادية السورية ضربة مدفعية لفصائل تابعة لميليشيات الحشد الشعبي العراقي التي قالت إنها تمكنت من عبور الحدود بين سوريا والعراق رغم التحذيرات الأميركية.
ووفقا لمسؤول عراقي، رفض ذكر اسمه، أسفر القصف الأميركي عن مقتل 36 مقاتلا وإصابة 80 آخرين، بعدما استهدفت قافلتهم في الجهة المقابلة لمنطقة عكاشات التابعة لقضاء الرطبة، أقصى غربي العراق. لكن تقارير أخرى أشارت إلى أن عدد القتلى يفوق ذلك بكثير.
وقال المصدر إن “جثث القتلى وصلت في وقت متأخر من مساء الاثنين إلى مطار بغداد الدولي”، مشيرا إلى أن “من بين القتلى ابن شقيق الحاج أبو آلاء الولائي، الأمين العام لكتائب سيد الشهداء”.
وأقرت كتائب “سيد الشهداء”، إحدى الميليشيات العراقية المقربة من الحرس الثوري الإيراني، بوقوع قتلى وجرحى في صفوف مقاتليها جراء القصف الأميركي، متوعدة بأن “هذا العمل لن يمرّ دون عقاب”.
وقالت في بيان إن “قوات الطاغوت الأميركية قامت بقصف شديد لمواقع مجاهدي كتائب سيد الشهداء في خط هذه الحدود وفي الجهة المقابلة لعكاشات (غرب الأنبار)، الأمر الذي أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، وذلك لاستعمالهم الذخيرة الذكية”.
وأوضحت أن الهجوم جاء بعد إعلان القوات الأميركية أن “الحدود العراقية السورية خط أحمر لا يجب لقوات الحشد الشعبي أو غيره الاقتراب منها”.
وسبق للقوات الأميركية أن هاجمت في ثلاثة مواقع قوات عراقية حليفة للأسد، قرب الحدود السورية العراقية.
وأشارت قيادة الميليشيا إلى “أننا في كتائب سيد الشهداء نحمّل الجيش الأميركي عواقب هذا العمل الذي لن نسكت عنه”، داعية “الجهات المختصة ولا سيما الحكومة العراقية إلى فتح تحقيق كبير في هذا العمل الدنيء”.
وأضافت “إننا إذ نعلن أن هذا العمل لن يمرّ دون عقاب، فإننا ندعو إلى حماية الحدود العراقية السورية، وحرمان الأميركان من استثمار هذه الحدود لتمرير أجنداتهم الخبيثة”.
ودعت الحركة إلى “عقد اجتماع عاجل لقادة فصائل المقاومة الإسلامية في العراق لتدارس الردّ المناسب ولتبادل وجهات النظر بخصوص هذا العمل الإجرامي الغادر”.
ومن المستبعد أن يقدم الحشد الشعبي على استهداف القوات الأميركية، إذ لا ترغب إيران، الداعم الرئيس للميليشيات الشيعية العاملة في العراق، في مواجهة عواقب سياسية وخيمة أو تصعيد المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة.
ويعد القصف الأميركي إعلانا صريحا عن إصرار المسؤولين الأميركيين على تنفيذ استراتيجيتهم بقطع الطريق على الممرّ الإيراني الممتد من الحدود العراقية عبر صحراء البادية السورية، التي تشرف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، إلى دمشق.
وقال مراقب عراقي لـ”العرب” إنه “من الثابت أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة في سوريا تضع اعتبارا لنهج روسيا في خفض التصعيد. لكن التركيز على قتال داعش لا يقف حائلا أمام واشنطن لمنع الحشد الشعبي من التمدّد في مناطق سبق لها وأن أعلنتها مناطق محظورة على الإيرانيين ومن يمثّلهم من الميليشيات العراقية التابعة، كون تلك المناطق تقع ضمن مشروع الطريق المفتوحة في اتجاه دمشق التي تخطط إيران لضمان السيطرة عليها”.
ويقول محللون عسكريون إن القوات الأميركية تريد إجبار الميليشيات التابعة لإيران على التركيز على الممرّ المقابل الممتد عبر قضاء تلعفر وبلدة بعاج، وصولا إلى محافظة دير الزور السورية، حتى يتم وضع الحشد الشعبي وداعش في مواجهة بعضهما البعض.
وأبلغ مسؤولون كبار في بغداد “العرب” في وقت سابق بأن “رئيس الوزراء حيدر العبادي، وقادة في القوات الأميركية، لن يمانعوا في توغل قوات الحشد الشعبي في المناطق الحدودية الصحراوية بين العراق وسوريا التي ينشط فيها تنظيم داعش، ولا سيما في صحراء البعاج، شمال غرب الموصل”.
وكما أن هناك تنسيقا أميركيا-روسيا بشأن الحد من التمدد الإيراني، وهناك تنسيق أميركي-عراقي بشأن تشتيت الجهد القتالي الذي يقوم به الحشد الشعبي في الصحراء، بعيدا عن المحافظات العراقية وهو ما يمكن أن يدخل الميليشيا الشيعية في دائرة مفرغة.
وفي بغداد، خرج نواب من ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي إلى اعتصام في ساحة التحرير، وسط العاصمة، للتنديد بالهجوم الأميركي.
وطالب النائب كاظم الصيادي، رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ”إغلاق السفارة الأميركية في بغداد، وطرد سفير الإرهاب والقتل”، في إشارة إلى السفير الأميركي، متّهما “محور الشر والقتل (أميركا) بتنفيذ جريمة كبرى”، ضد الحشد الشعبي.
ويقول المراقب العراقي إن “الوضع السياسي في العراق المضطرب أصلا بسبب الخلاف على قانون الانتخابات، الذي يشكك الكثيرون في نزاهته، في حاجة لأزمات من النوع الثقيل تكون بمثابة مخرج للأحزاب والكتل السياسية التي ستجد في دخولها إلى سوق المزايدات التي تتعلق بسلامة الحشد الشعبي مناسبة للهروب من استحقاقات مرحلة ما قبل الانتخابات”.
وتشير مصادر “العرب” إلى أن فصائل الحشد الشعبي التي تنتشر قرب الحدود السورية تتعمد ارتداء أزياء عسكرية خاصة بالجيش العراقي والشرطة الاتحادية لتجنب استفزاز الطيران الأميركي الذي يتحرك في المنطقة انطلاقا من قاعدة التنف القريبة.
ولم يصدر أيّ تعليق من الجيش الأميركي، حتى ساعة إعداد التقرير، عن هذا الهجوم. لكنّ متحدثا باسم التحالف الدولي قال إن “مزاعم الهجوم على موقع للحشد الشعبي، قرب الحدود، ليست دقيقة”.
وقال المسؤولون في بغداد إن تجاهل الحكومة لتحركات الحشد الشعبي قرب الحدود ربما ينطوي على خطة لاستنزافه عبر السماح له بالقتال في منطقة تصنف تقليديا على أنها بيئة ملائمة لداعش، بسبب طابعها الصحراوي وتضاريسها المعقدة، واستحالة الإمساك بمخارج أو مداخل محددة لها.
عذراً التعليقات مغلقة