مشروع تجهيز المجاهدين أحدث عناوين أزمة حزب الله المالية

فريق التحرير14 يونيو 2017آخر تحديث :

ترتفع على طريق مطار رفيق الحريري الدولي صورة ضخمة لمقاتل من حزب الله غير مكتمل الملامح. أرفقت الصورة بعبارة الجهاد بالمال واجب –حملة تجهيز مجاهد. وكان سبق للحزب إطلاق حملات مماثلة في بداية هذا العام، ولكن الظروف المواكبة لهذه الحملة الجديدة تتزامن مع ظهور معلومات تفيد بأن نسخة جديدة من العقوبات الأميركية الموجهة ضده بصدد الاعداد، وهي تختلف عن النسخة التي سربت بعض المعلومات عنها إلى وسائل الإعلام مؤخرا، وتم تداولها.

تميل النسخة الجديدة من العقوبات إلى توسيع دائرة الإجراءات الرامية إلى تجفيف منابع تمويل حزب الله والقضاء على موارده. وكانت الإشارات الواردة من لقاءات الوفد النيابي الذي زار واشنطن مؤخرا للتباحث مع المسؤولين الأميركيين في إمكانية التخفيف من ثقل العقوبات تفيد بأن الوفد عاد دون أن يحقق نتيجة، بل سمع من المسؤولين الأميركيين كلاما واضحا حول توجه واشنطن إلى تشديد العقوبات وإلى توحيد التعامل مع حزب الله وحلفائه وخصوصا حركة أمل.

ويحمل الملصق الذي صممه حزب الله لحث مؤيديه على التبرع بالمال لتغطية تكاليف تجهيز مقاتليه، جملة من الرسائل تستدعي تحليلا معمقا. إذ يختلف هذا الملصق عن كل السياقات التي كان الحزب يعتمد عليها كمدخل لمخاطبة جماهيره أو توجيه الرسائل إلى خصومه وأعدائه. ويؤشر على ظهور مرحلة جديدة مغايرة لكل ما سبق.

ولطالما كانت ملصقات الحزب ميالة إلى الوضوح والمباشرة والعمل على إظهار علامات القوة والبأس، وكان الخطاب الذي تحمله غالبا تهديديا ومنذرا وصاخبا. الجديد الذي يبثه ملصق تجهيز المجاهدين في نسخته الحالية هو أنه يظهر مجاهدا غير مكتمل الملامح ولا يظهر رأسه.

وتنسجم الرمزية المقصودة من وراء ذلك مع خطاب التخويف والتهويل من المصير الذي يمكن أن يلحق بالحزب وجمهوره ومؤيديه في حال انتصرت الجماعات التكفيرية. واستعمل حزب الله هذا الخطاب مرارا لتبرير مشاركته في الحرب السورية ودفع جماهيره إلى تأييد خياره وتحمل تبعاته.

ويلعب ربط الإشارة الرمزية إلى قطع الرأس مع طلب الدعم المالي دور إدخال الجماهير مباشرة في خط الجهاد عبر منحها القدرة من خلال تبرعها وتكفلها بتجهيز مقاتلي الحزب على إتمام صورة مناعة الجسم المقاوم، ومنع قطع رأسه وتغييب ملامحه. وإذا كان الرأس في الملصق غائبا فإنه لا يزال موصولا بالجسد، لكن الدلالة الرمزية تقول إن هذا الواقع لا يمكن أن يستمر إلا من خلال الدعم المالي الذي من دونه سيتحول الانفصال الفعلي للرأس عن الجسد إلى واقع لا يمكن مواجهته.

ويحاول حزب الله من ناحية أن يجعل من حالة الجهاد بنية عامة مشتركة تجمع بين كل جمهوره وتوحد بينهم وبين مقاتليه من خلال الوسيط الذي يقيمه التبرع، والذي تكمن مهمته في تحويل كامل البيئة الحاضنة إلى مجاهدين.

ويسعى الحزب من ناحية أخرى إلى تصميم آلية دعم يمكن من خلالها مواجهة تداعيات العقوبات الأميركية، إذ أن صيغة التبرع المباشر تصعّب كثيرا عمليات المراقبة والمتابعة والضبط، ويمكن من خلالها خلق دائرة مالية تسمح لممولي الحزب من الأشخاص العاديين أو رجال الأعمال بالاستمرار في دعمه دون أن تتأثر نشاطاتهم بالعقوبات الأميركية.


فساد داخلي ومعالجات عقيمة

ألقت القوى الأمنية مؤخرا القبض على ابن شقيق وزير الصناعة والزراعة المنتمي إلى حزب الله حسين الحاج حسن وضبطت معه كمية كبيرة من المخدرات. شكّل الأمر مناسبة لكشف الصراعات الداخلية المتنامية داخل حزب الله والتي ترتبط جميعها بملف الفساد المالي.

وبعد إعلان خبر التوقيف صدر بيان نسب إلى عائلة الحاج حسن تضمّن هجوما عنيفا على قيادات حزب الله، متهما إياها بشن حملة منظمة على الوزير منذ اغتيال القيادي في الحزب مصطفى بدرالدين. واتهم البيان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ونجله محمد بتنفيذ عمليات نصب واحتيال بقيمة 27 مليون دولار تم اختلاسها من صلاح عزالدين.

وصلاح عزالدين هو رجل أعمال كان يقوم بعمليات مالية ضخمة بتغطية من حزب الله، قبل أن يعلن إفلاسه متسببا بفضيحة ضخمة طالت حينها العديد من المقربين من الحزب.

ويتابع البيان لهجته الاتهامية تجاه مسؤولي الحزب، متسائلا عن مصادر أموال مسؤول اللجنة الأمنية السابق أحمد مشيك، ومتهما النائب نواف الموسوي بامتلاك مصنع كبتاغون. وبعد صدور هذا البيان صدر بيان آخر تبرأت فيه العائلة من البيان السابق الذي قالت إنه صادر عن أحد أفرادها. وأكدت أن ما صدر في البيان السابق بات في عهدة القضاء. كما شددت على أنها لا تقدم غطاء سياسيا ولا عائليا لأي مرتكب وأنها تؤيد تطبيق القانون على كل الأراضي اللبنانية.

وتزامن هذا المناخ الذي خرجت فيه تهم الفساد المالي إلى العلن مع ارتفاع زخم الحملات الإعلانية الرامية إلى حض الناس على التبرع في سبيل تجهيز المقاتلين. ويلقي هذا التطور اللافت الضوء على طبيعة الأزمة المالية التي يعاني منها حزب الله والتي لا يمكن ردها إلى تراجع التمويل الخارجي وزيادة الأعباء المالية المترتبة عن المشاركات القتالية في ميادين متعددة وحسب، بل يمكن القول إن الفساد الداخلي يشكل العامل الأبرز الذي يقف وراء استفحالها.

وتدل المعالجة التي اعتمدها الحزب عبر المطالبة بالتبرعات على مدى تطور الأزمة وضيق سبل الحلول المتوفرة. فالبيان الأول الصادر عن أحد أفراد عائلة الحاج حسن لا يكشف عن معلومات جديدة أمام الرأي العام بل يعرضها وحسب، وهو أمر كان خصوم الحزب يحرصون على القيام به، وكانت الجماهير الموالية للحزب تقوم بمهمة تكذيبه وإخراجه من التداول.

والمفارقة التي تدل اليوم على وجود مناخ جديد تكمن في أن تهمة الفساد المالي لم تصدر عن خصوم الحزب بل من طرف جمهوره، أي الجهة نفسها التي يتوجه إليها الحزب طالبا منها التبرع لتجهيز مقاتليه، وهو ما يشير إلى وجود ارتباك كبير. يلجأ الحزب إلى اعتماد معالجات عقيمة للتعويض عن الشح المالي من خلال قيادة شبكة تجارة مخدرات تمتد من لبنان إلى أقاصي الأرض، ولكن هذا التجاوز الذي نما تحت ظله ورعايته انفجر في وجهه بشكل كبير ولم يعد قادرا على ضبطه أو حتى إدارته لصالحه.

مشكلة معوقي الحرب

تجمع الإحصاءات الواردة عن خسائر الحزب الناتجة عن انخراطه في صراعات المنطقة أن هذا العدد بلغ عتبة الـ3000 قتيل والـ5000 معوق تتراوح إعاقتهم بين الجزئية والكلية. وإذا كانت الأعباء المالية المترتبة عن التعويضات التي يتوجب دفعها لذوي القتلى تشكل عبئا ماديا ثقيلا، يبقى ملف تدبير كلفة الاعتناء بمعوقي الحرب في واجهة العناصر المسببة للأزمة المالية. ويفرض هذا العدد الكبير من المصابين حجم إنفاق هائل ومستمر ولا يمكن التهاون فيه. كما أن ضرورات الأمن والسرية لا تسمح بمتابعة علاجهم في المؤسسات اللبنانية العامة بشكل كامل، بل من خلال المؤسسات التابعة للحزب أو حلفائه والتي باتت محتاجة إلى كم كبير من الموارد والتوسيعات حتى تكون قادرة على التعامل مع هذه الحالات.

ولا تقدم المستشفيات التابعة للحزب والمتمركزة في منطقة الضاحية الجنوبية الخدمات الطبية للمواطنين الذين يمثلون البيئة الحاضنة للحزب، بشكل مجاني، بل تتعامل بصفتها مؤسسات تجارية تبغي الربح. وجل هذا الربح يستخدم لتغطية تكاليف علاج جرحى الحرب، أو الخدمات الاستشفائية لعائلات قتلى الحزب السابقين والحاليين. وعلى الرغم من أن حزب الله يستخدم نفوذه للتخفيف من حدة هذه الأزمة من خلال استخدام بعض مؤسسات الدولة في تقديم الرعاية الصحية والطبية لجرحاه، إلا أن هذا الأمر لا يستطيع لجم التداعيات الضخمة لهذا الملف بل يساهم في تأثير محدود للغاية.

يؤكد حزب الله في كل تصريحاته على تبعيته المالية لإيران. وهو يجد نفسه حاليا في أزمة كبيرة بسبب تراجع قدرتها على تمويله مع التوسع الكبير لنشاطاتها العسكرية في المنطقة وضعف مواردها.

وإذا كان حزب الله واحدا من أبرز استثمارات إيران في المنطقة والعالم، إلا أنه لم يعد الوكيل شبه الحصري لإيران، حيث باتت لديه الآن مجموعة من الشركاء المضاربين الذين يتطلبون الكثير من الدعم الذي يستنزف موارد إيران، من قبيل الحوثيين والحشد الشعبي، كما يبلغ عدد الفصائل التابعة لإيران والتي تحارب في سوريا حوالي 40 فصيلا تعتمد جميعها على الدعم الإيراني.

ويمكن النظر إلى الأزمة المالية لحزب الله بوصفها تمهيدا لأزمة دور في المرحلة القادمة، فبعد التعقيد الكبير الذي يسيطر على مشهد التحالفات والعداءات في المنطقة، وخصوصا بعد اندلاع الأزمة الخليجية القطرية، ودخول دول كبرى على خطها وبروز محاور جديدة، لا يبدو أن الدور المناط لحزب الله يمكن أن يكون وازنا أو فاعلا أو قادرا على قلب المعادلات.

يمكن انطلاقا من هذه المعطيات توقع أن يكون نهب موارد البلد هو المدخل الأساسي الذي سيلجأ إليه للخروج من أزمته المالية عبر صفقات النفط وتفعيل وتيرة التهريب عبر المرفأ والمطار وغيرهما.

  • المصدر: العرب اللندنية – شادي علاء الدين
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل