“غرابيب” المال ودراما رمضان

فريق التحرير3 يونيو 2017آخر تحديث :
رشا عمران

يبدو مبكّرا الحديث عن الدراما العربية في موسمها الحالي، فشهر رمضان في أيامه الأولى، وكذلك مسلسلاته، وإن كان “المكتوب مبين من عنوانه” كما يقولون، فلا يبدو مما يتاح متابعته من الأعمال الدرامية المنتجة أخيرا أن ثمة ما هو جديد، لا على مستوى السيناريو، ولا الإخراج ولا التمثيل. الوجوه نفسها تقريبا، مع مزيد من عمليات التجميل وحقن البوتوكس، ومع إسفافٍ كثير في المسلسلات الكوميدية، ومع الإبهار في الصورة واللباس والإكسسورات في المسلسلات التاريخية، أو المأخوذة عن أعمال روائية مشهورة. ولعل الحديث عن الكلف الإنتاجية الباهظة للإنتاج الدرامي العربي هذا العام، وقد قيل إنها تجاوزت الثلاثة مليارات دولار ونصف المليار، يبدو ضربا من العبث، في ظل ما يحدث في بلادنا، فثمة حالة من الفصام الحقيقي لدى منتجي الدراما وصنّاعها، فكأن ما يحدث في بلادنا العربية منذ ست سنوات لا يعنيهم، ولا يعنيهم أن يكون أكثر من ستين في المئة من العرب تحت خط الفقر، أو يقتربون منه، طبعا من دون التطرق إلى الكوارث الأخرى من القتل والتشرد والاعتقالات، ومحو مدن بأكملها عن وجه الأرض.
ومن متابعة سريعة لمواضيع الدراما للعام الجاري، لا يبدو أن هناك أي مسلسل يقترب، بشكل ملموس، من الأحداث السياسية والإنسانية العصيبة التي نعيشها، ليس فقط في البلدان المبتلية بالحروب والقتل اليومي، ولكن أيضا في تلك التي تبدو هادئةً ومستقرةً وآمنةً. المسلسل الوحيد الذي يفترض أنه يتحدث عن جزء مما يحدث هو “غرابيب سود”، يتحدث عن تنظيم داعش، بإنتاج سعودي تجاوز عشرة ملايين دولار، وبمشاركة عربية واسعة في التمثيل والإخراج. يريد المسلسل، كما أراد له صنّاعه، التحدّث عما يفعله التنظيم الإرهابي في المناطق التي يحتلها، طريقة تجنيده للنساء والأطفال، آليات القتل والفتاوى الجاهزة لكل ما يود فعله، طريقة نشر ثقافة كراهية الحياة والترغيب بالموت الذي يعتبره “داعش” معبرا لعناصره ولضحاياه نحو العالم الآخر، حيث الثواب والعقاب الحقيقيان. وقد يبدو ذلك كله جيدا وضروريا في وضعنا الحالي، وسنفترض النيات الحسنة في إنتاج عمل ضخم كهذا، وعرضه في الشهر الكريم، ولكن متابعة الحلقات الأولى من العمل تضع مشاهده في حيرة: هل يتابع عملا دراميا أم مسلسلا كوميديا يسخر من الرؤية الإعلامية لتنظيم داعش؟
يبدو ما قدم حتى الآن في المسلسل في غاية السذاجة، ولا يختلف مطلقا عما كانت تقدّمه قناتا الدنيا والميادين ما قبل بدايات ظهور التنظيم، من دون أن يحاول صنّاع المسلسل التحرّي عن الحقائق، أو لقاء الهاربين من أسر التنظيم، ليس لأن العنف الذي يظهر عليه التنظيم في المسلسل غير حقيقي، فالتنظيم يقوم أصلا على هذا العنف الذي يسعى إلى بث الرعب من مجرد ذكر اسمه، ولكن لأن تنظيما كهذا ينجح في استقطاب كفاءاتٍ علمية، وشباب من كل العالم، وليس فقط من المسلمين والعرب أو الأصول العربية، ويؤسس وكالة أنباء ومطبوعة في غاية الاحتراف والمهنية، لا يمكن تقديمه بهذه السذاجة التي ليس وراءها سوى القتل والإجرام، إلا إذا كان المقصود هو السخرية منه، عدا عن أن صنّاع المسلسل غضّوا النظر، حتى الآن، عما حدث قبل ظهور التنظيم، وكأن التنظيم وعناصره نزلوا بالباراشوت من السماء، واستقروا حيث هم، كأن لا أجهزة مخابرات خلفهم، ولا دول وأنظمتها سهلت دخولهم ووجودهم في بلادنا، ولا جهات عديدة تمدّهم بالمال، وبأحدث ما تنتجه مصانع الأسلحة في العالم. والأهم، كأن لا شي كان يحدث قبل ظهور التنظيم في سورية والعراق، لا ثورة، ولا أنظمة فتكت وما تزال بشعوبها، ولا براميل قاتلة تلقى من الطائرات، ولا صواريخ عابرة للمدن تدكّها فوق رؤوس سكانها، ولا مئات آلاف الشباب المعتقلين في سجون هذه الأنظمة، ويقتلون تحت التعذيب، ولا الإفراج عن مئات الجهاديين من المعتقلات العربية وإطلاقهم ليكونوا عونا للقضاء على الثورات، ولا تجريف للمجتمعات العربية وتفريغها من كل ما يضعها على سلم الحضارة عبر عقود طويلة.
كأن لا شيء من هذا حدث ومهّد لظهور “داعش”.. هل نفترض حسن النية في ما قدم حتى الآن من حلقات “غرابيب سود”؟ لنتابع ونكتشف، ولو أن البدايات هي ستائر تكشف ظلال ما وراءها.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل