كما تعمل دول على إعادة توطين لاجئين شردتهم الحروب والصراعات في بلدانهم، وتؤمن لهم مناخا ملائما لحياة جديدة، تعمل مدينة إسطنبول التركية (شمال غرب) على إعادة توطين دور نشر عربية فيها، خاصة تلك التي غادرت دولا دمرتها الصراعات، مثل الجارة الجنوبية سوريا ودول عربية أخرى.
وفي الآونة الأخيرة، وطنت إسطنبول العشرات من دور النشر العربية، بعد ارتفاع عدد الجاليات الناطقة بلغة الضاد في المدينة (بلغ عدد اللاجئين في تركيا أكثر من 3.5 ملايين، معظمهم عرب).
وخلال السنوات الخمسة الأخيرة، ارتفعت أعداد الطلاب الأتراك المقبلين على تعلم اللغة العربية، لاسيما بعد فتح تخصصات أكاديمية عديدة باللغة العربية، والتوجه الحكومي نحو تعليم العربية في المدارس الرسمية، إضافة إلى الاختلاط المباشر مع العرب المقيمين في تركيا.
لهذه الاسباب مجتمعة، تضاعف طلب الأتراك على الكتب العربية أو المترجمة مقارنة بالسنوات السابقة.
ويرى أصحاب المكتبات التي تبيع المطبوعات العربية في المدن التركية أن هناك إقبالا كبيرا من الطلاب الجامعيين الأتراك والعرب على شراء المنشورات العربية، بفضل افتتاح العديد من الأقسام، التي تدرس بالعربية في الجامعات، واشتراط تعلم العربية لدراسة بعض التخصصات، لاسيما العلوم الإسلامية.
** كافة مجالات المعرفة
ومنذ بداية الأحداث الأخيرة أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، أواخر عام 2010، انتقلت العشرات من دور النشر إلى تركيا لفتح أبوابها من جديد، لاسيما من سوريا ومصر واليمن والعراق.
بلال أبو الخير، صاحب مكتبة “دار الخير”، في إسطنبول، قال للأناضول: “لدينا ثلاثة فروع في تركيا.. المركز الرئيسي في إسطنبول، والمركز الثاني في مدينة هاتاي (جنوب)، والفرع الثالث في مدينة غازي عنتاب (جنوب).. كنا نعمل في مجال الطباعة والنشر والتوزيع منذ ثلاثين عاما في سوريا”.
أبو الخير زاد بقوله: “مكتبتنا تضم كافة مجالات المعرفة، منها كتب التراث والفقه والحديث والسيرة وعلوم القرآن، إضافة إلى الكتب الأدبية والسياسية والعلمية والفكرية، وكذلك سلسلات الأطفال التعليمية”.
وأضاف “توجد شريحة كبيرة من القراء المقبلين علينا من الجاليات العربية هنا، إضافة إلى إقبال كبير من الأتراك، لاسيما من يتعلمون العلوم الشرعية، سواءً في الجامعات أو المدارس”.
ومضى موضحا أن “الإقبال العربي والتركي يتمحور على الروايات الأدبية والكتب الفكرية والإسلامية، وكتب تعلم اللغة العربية.. ومنذ بداية فكرة إنشاء المكتبات وجدنا أن تركيا تفتقر إلى الكثير من الكتب العربية، ولذلك جاءت فكرة إنشاء دار النشر”.
** 5 آلاف عنوان
بدوره، قال إسماعيل حسن، المدير التنفيذي لدار الكتب العربية في إسطنبول: “افتتحنا مكتبتنا منذ أقل من شهر، ومقصدنا هو أن نقدم خدماتنا إلى الطلاب الأتراك المقبلين على تعلم العربية في المدارس أو الجامعات، بأفضل صورة ممكنة”.
وتابع حسن، في حديث مع الأناضول، أن “الطلب على الكتب كبير جدا، وجاءت فكرة فتح دار نشر لكي لا يشعر القرّاء بنقص في تعلم العربية هنا، وستكون مكتبتنا مفيدة للأساتذة والطلاب”.
أما هشام جبخنجي، صاحب “دار البيروتي” للنشر، فقال: “افتتحنا المكتبة بعد ازدياد أعداد الجالية السورية في تركيا، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أعداد الأتراك المقبلين على الكتب العربية، لاسيما الكتب الإسلامية منها”.
وأضاف، للأناضول، أن “ازدياد عدد الجامعات التي أنشأت مؤخراً تخصصات بالعربية زاد من أعداد المقبلين على اقتناء الكتب العربية، لأسباب تعليمية أو ثقافية”.
وأردف قائلا: “افتتحنا دار النشر قبل ثلاث سنوات؛ لأن تركيا كانت تفتقر إلى الكتب العربية، والآن نلبي الطلبات المختلفة، سواءً للجاليات العربية أو الأتراك”.
وأوضح أن “المكتبة تحتوي على كافة أنواع الكتب الدينية، كالحديث والفقه والاقتصاد الإسلامي، أو الكتب التراثية المتنوعة، بالإضافة إلى الكتب الروائية والأدبية، ولدينا نحو خمسة آلاف عنوان”.
** من كل الجنسيات
ووفق عبد الله الشلاح، مؤسس مكتبة الأسرة في إسطنبول، فإن “فكرة إنشاء المكتبة جاءت نتيجة الحاجة الماسة لدى الأُسر العربية هنا إلى اقتناء الكتب في دول الاغتراب”.
وتابع للأناضول: “وفرنا الكتب لجميع افراد الأسرة العربية: الآباء والأطفال والشباب والنساء.. إضافة إلى كتب تعليم العربية لغير الناطقين بها”.
وأضاف “لاحظنا في الأشهر الأخيرة أن الناس بدأت بإنشاء مكتبات للمطالعة في البيوت والمؤسسات، ولاسيما الجمعيات.. ويوجد إقبال على كتب الأطفال والتربية والكتب الإسلامية، إضافة إلى الدعوية.. نحن اليوم أمام مجتمع ثان في تركيا.. الآن أصبح روّاد المكتبة من كل الجنسيات”.
وأشاد الشلاح بـ”التوجه التركي في الجامعات والمدارس نحو تعليم اللغة العربية”، موضحا أنه “ساعد في إنجاح مكتباتنا، وفتح المجالات أمامنا لتعزيز العربية”.
وفضلا عن توطين واحتضان العشرات من المكتبات العربية، استضافت إسطنبول، العام الماضي، “المعرض الأول للكتاب العربي”، ومعرض “إسطنبول الدولي للكتاب العربي”، إضافة إلى تخصيص جناح باللغة العربية في “معرض إسطنبول الدولي للكتاب”.
- الأناضول
عذراً التعليقات مغلقة