لماذا لن ينجح الأكراد في سوريا

فراس علاوي19 مايو 2017آخر تحديث :
لماذا لن ينجح الأكراد في سوريا

* فراس علاوي

ينقسم الأكراد حسب موقفهم من الوجود الكردي في المجتمع السوري عملياً لقسمين رئيسيين ضمنهما تقسيمات فرعية أخرى، وما يهم هو التوجه العام للتيارين الرئيسيين وهما:

التيار الأول الذي يقول ببقاء المكون الكردي ضمن الخارطة الجغرافية والجيوسياسية السورية مع الحفاظ على خصوصية الكرد ضمن سوريا واحدة، جغرافياً وسياسياً واقتصادياً مع الحفاظ على الهوية السورية لهم، وبالتالي يبقى الكرد ضمن النسيج الإجتماعي السوري، ويمثله المجلس الوطني الكردي أحد مكونات الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة والمكون من عدد من الاحزاب الكردية.

التيار الثاني وتقوده الأحزاب الإنفصالية بقيادة أذرعها العسكرية وأبرزها pyd والـ ypg والتي تعمل على إنشاء كانتون كردي يشابه ما حصل في كردستان العراق ويلامس أحلام الكرد في إقامة وطن قومي لهم وهو ما حاولوا فرضه واقعاً على الأرض من خلال فكرة إقامة “روج آفا”،  وهي المنطقة الممتدة من القامشلي السورية في الشمال الشرقي حتى عفرين في الشمال وعلى تماس مع الحدود التركية مروراً بتل أبيض السورية ومنبج والباب.

هذا المشروع الانفصالي حاولت القوى المروجة له العمل على تحقيقه بالقوة، من خلال وضع نفسها في خدمة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، خاصة بعد تعرض عدد من المناطق الكردية لهجمات من فصائل إسلامية مثل ما حدث في هجوم جبهة النصرة على رأس العين في العام 2012، وهجوم تنظيم داعش على عين العرب كوباني في العام 2014، حيث استغل الأكراد هذا الفعل للترويج للمظلومية الكردية في المنطقة عموماً وفي سوريا خاصة.

هذا النجاح جعل من الأكراد ورقة الضغط الأمريكية والأوروبية على الروس والإيرانيين بداية الأمر، ورأس حربة في ما سمي الحرب على الإرهاب، حيث جاء إعلان تأسيس “قوات سوريا الديموقراطية” والذي يتكون في غالبيته من مقاتلي المكون الكردي “pyd” وهو النسخة السورية للـ “pkk” الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني، إضافة إلى قوات حماية المرأة الكردية وعدد من التشكيلات الأخرى الكردية والممثلة لبعض الأقليات خاصة في منطقة الجزيرة السورية كالسريان والآشوريين.

هذه القوات بدأت عملياتها ضد تنظيم داعش بدعم أمريكي في الشمال الشرقي من سوريا وسيطرت على مدينة الشدادي ومن ثم تل أبيض.

ومع تقدم قسد (قوات سوريا الديموقراطية) في الجغرافية السورية بدأت المشاريع الإنفصالية بالظهور للعلن وأعلن عن تشكيل إدارة الحكم الذاتية في تل أبيض، وتوسعت تلك المشاريع بعد سيطرة قسد على مدينة منبج أحد أهم معاقل داعش في الشمال السوري وبالتالي ظهر مشروع “روج آفا” الذي يعمل على إقامة كانتون كردي مستقل وظهرت دعوات الفيدرالية ووصل بعضها للدعوة للإستقلال.

ما قدمته قسد خلال هذه الفترة جعل منها الاختيار الأول للولايات المتحدة في حربها على داعش، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها
أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد تكرار تجربتها في العراق عندما سلمت العراق لإيران لذلك هي لا تريد دخول كامل لدولة إقليمية في سوريا خاصة في ظل السباق المحموم بين تركيا وإيران حول السيطرة على سوريا، حيث يرى الأمريكان أن أي دخول لتركيا للأرض السورية، وهي الأقرب لذلك خاصة بعد عملية درع الفرات التي دعمتها تركيا يعني تسليم سوريا لتركيا كما سلمت العراق لإيران، فالاعتماد على مليشيا مثل قسد يضمن عدم سيطرة دولة معينة وبذات الوقت تقليم أظافر جميع القوى على الأرض بما فيها الأكراد من خلال ضرب بعضهم ببعض، كذلك فقد قدم الأكراد أنفسهم على أنهم الفصيل الأكثر تنظيماً وانضباطاً على الساحة السورية.

بعد هذا الدعم كان لابد من زيادة العمل على الأرض وزيادة وتيرة الحرب على داعش، حيث توجهت قوات قسد شمالاً باتجاه الباب ومناطق ريف حلب من أجل استكمال مشروعها الإنفصالي لكن هذا التقدم اصطدم برفض تركي أتبعه دخول الجيش التركي على الأرض، وبالتالي احتمالية حدوث صدام مباشر بين قوات مدعومة من التحالف مع قوات مدعومة من الاتراك وهذا ما لا يريده الطرفان لذلك فقد تجمد العمل باتجاه الباب من قبل قسد وتحولت الأنظار باتجاه الرقة أحد أبرز معاقل داعش في سوريا.
حيث أطلقت قسد ما سمي بعملية “غضب الفرات” والتي كان هدفها المعلن هو السيطرة على محافظة الرقة وإخراج داعش منها، وبالفعل بدأ العمل ضمن عدة مراحل تم خلالها السيطرة على أغلب مناطق ريف الرقة الشمالي والشرقي والغربي، وأصبحت قسد على مشارف مدينة الطبقة أحد أهم معاقل داعش والتي تعتبر منطقة استراتيجية بسبب موقعها وبسبب وجود سد الفرات ومطار الطبقة الحربي فيها حيث اعلنت السيطرة على الطبقة لاحقاً، بعد مفاوضات مع مقاتلي داعش الموجودين فيها وتأمين خروج آمن لهم مع أسرهم وسلاحهم الخفيف وبذلك يكون الطريق مفتوحاً لمعركة الرقة المقبلة والأكثر أهمية.

معركة الرقة هي المعركة الأكثر أهمية لجميع الأطراف المتواجدة على الأرض السورية والتي تدعي محاربتها الإرهاب , لكن هناك من يرى أن معركة الرقة مختلفة عما سبقها من معارك , بسبب طبيعة الرقة كموقع استراتيجي وأهميتها كعاصمة للتنظيم في سوريا ومقراً لكثير من قياداته العسكرية والمدنية , وبذات الوقت معقلاً لكثير من المقاتلين الأجانب “المهاجرين” والذين يحددون السياسة العامة والشرعية لداعش لذلك سيدافع عنها التنظيم بشراسة ولن يتخلى عنها بسهولة.

لكن ما الذي يجعل نجاح الأكراد صعباً في عملياتهم المقبلة وربما مستحيلاً….

الموقف التركي هو أحد أهم عوامل عدم نجاح الأكراد في تحقيق أهدافهم في سوريا إذ يرفض الأتراك أي وجود للكرد على حدودهم سواء على شكل دولة مستقلة أو ضمن فيدرالية، وبذلك هم يعارضون تقسيم سوريا وبذات الوقت يحاربون الوجود الكردي على حدودهم، فهم قد بعثوا برسائل عدة عسكرية وسياسية يعبرون فيها عن نيتهم التدخل ولو بشكل منفرد في حال بقي الكرد على مواقفهم وفي حال استمروا في العمل على تحقيق مشروعهم الانفصالي.

كذلك هناك عائق يتعلق بالكرد أنفسهم وهو الانقسام والصراع الكردي الكردي واختلاف الاستراتيجية بين الأحزاب الكردية، وكذلك بين النخب والقيادات العسكرية، كذلك هناك عوامل تتعلق بالعمل العسكري نفسه وهو عدم إمتلاك الأكراد لعدد كاف من المقاتلين يغطي المساحات التي يسيطرون عليها وهو ما يجعلهم يلجأون للقوى العربية التي تتحالف معهم من أجل زيادة العدد أولاً وتحقيق القبول لدى المناطق التي يسيطرون عليها خاصة العربية منها ثانياً, لكن ذلك يزيد من نقمة أهالي تلك المناطق عليهم بسبب عمليات التجنيد الإجباري التي لجأوا إليها مؤخراً بسبب التجاوزات التي تقوم بها تلك القوات على الأرض.

العامل الأهم هو عدم قبول الحاضنة الشعبية في المناطق العربية للوجود الكردي على أراضيها تحت أي ذريعة حتى لو كانت تخليصهم من داعش، رغم المعاناة التي يعانونها من وجود داعش على أراضيهم، وقبول بعض المناطق بدخول الأكراد هو قبول مؤقت فالكثير من ابناء تلك المناطق بما فيهم نخبها الثورية والفكرية يرون في التواجد الكردي إحتلال لمناطقه لا يختلف عن أي قوى محتلة أخرى، رغم رؤية البعض أنه أقل الشرين ضرراً عليهم وأن مسألة إخراجه من مناطقهم أسهل من إخراج داعش، وبالتالي هو صراع مؤجل تنظر إليه كثير من القوى أنه قادم لا محالة وهو ما جعل تنظيم داعش يروج لفكرة الغزو الكردي الامر الذي استقطب البعض ممن كان متردداً للانخراط في صفوفها بسبب خلافات تاريخية وعقدية سابقة مع الاكراد خاصة في المناطق الشرقية من سوريا كدير الزور مما جعل التفضيل يميل باتجاه كفة داعش.

كل هذه الأمور تجعل من نجاح الأكراد في مشروعهم شبه مستحيل في ظل متغيرات محلية واقليمية ودولية وبذلك لن يحقق الأكراد مرادهم في سوريا، وإنما عليهم السعي للإندماج أكثر في مشروع الدولة السورية التعددية بالتعاون مع جميع أبناءها لا كسب عداوتهم وبالتالي تحقيق مطالبهم التي خرجوا من أجلها في العام 2004 وهي حق المواطنة والاعتراف بهم كمكون من مكونات الدولة السورية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل