* ميشيل كيلو
هل بدأ وضع سورية تحت إشراف دولي عليها، بحضور روسي وموافقة أميركية؟ وهل ستنجح موسكو في الحصول على تفويضٍ من مجلس الأمن، أو الأمم المتحدة، يشرعن قيام المناطق الأربع الخاصة بما يسمى “خفض التوتر”؟ أم سيكون هناك اليوم، أو بعد حين، تفاهم بين الدولتين العظميين يمهّد لنجاح التفويض الذي لا توافق واشنطن على مشاركة إيران في تطبيقه، بيد أنها قد تغير موقفها مقابل ثمن عراقي كبير، قد تجد طهران نفسها مجبرةً على دفعه، لأن علاقاتها مع موسكو قد تتحول، في أي تفاهم مع أميركا، إلى عبء على الكرملين، خصوصا إذا أصر ترامب على إخراج الملالي من سورية؟ وهل ستتمسك موسكو بطهران إن تفاهمت واشنطن معها على دور تركي موسع، ستتقاطع عنده سياسات الدولتين، بينما سيعطل خلافهما حول دور إيران وأهدافها تفاهمهما الضروري لحل المعضلة السورية؟ أخيرا، هل ستمهد إدارة المناطق لإنجاح الإشراف الدولي عليها، قبل نقله إلى غيرها؟ وما مصير الجغرافيا الخاضعة لتنظيم داعش، وتبلغ قرابة نصف سورية؟
يبدو أننا أمام خطواتٍ موضوعها إخراج سورية من وضعها الراهن، بمبادرة روسية تكسر الاحتجاز الدولي الذي يغلق منافذ الحل في سورية، ويصعد التعارض بين مصالح طرفيه الروسي والأميركي، ويعزّز التضارب بين تموضعهما في مناطق سورية وتعاملهما معها، ويربط موسكو بقوىً ليس من السهل تهميشها، قبل تسريع الحل، ويوسع أخيرا الهوة بين مشاريع الحلول المختلفة ووثيقة جنيف وقرارات مجلس الأمن، فضلا عن زيادة مخاطر انعكاس الحدث السوري على الأوضاع الداخلية للبلدان المنخرطة فيه، الانعكاس الذي لم يعد شأنا خارجيا بالنسبة لها، وإنما تتشابك آثاره مع صراعات الأجنحة فيها، كما يبدو بوضوح في إيران، حيث تطالب قطاعات شعبية واسعة بوقف انخراطها في حرب بشار الأسد ضد شعبه الأعزل والمسالم.
بتقديم مشروع قرار روسي إلى مجلس الأمن حول المناطق الأربع، تفتح موسكو باب الحوار مع واشنطن على أعلى مستوى، بعد أن تفاهمت مع إيران وتقاربت مع تركيا، ودخلت على خط الكرد، وزادت دعمها الأسد زيادة مفاجئة، وأوصلت جيشه إلى مشارف منطقة الانتشار الأميركي شمال سورية وجنوبها، فهل سينجح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في إقناع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بخطة بلاده، أم أن الأخير سيرفض التعاون معه في الظروف الراهنة، بينما يبني عسكره موقعا استراتيجيا وطيدا يطل على الشرق الأوسط بأكمله، يضم شمال سورية والعراق، هو في أحد المعاني تعويضٌ عن فشل جورج بوش في تحويل بلاد الرافدين إلى قاعدةٍ له، يتحكم عبرها بالمجال الأوراسي، وينشط جنده جنوب سورية، قرب إسرائيل، بالتزامن مع خطوة روسيا حيال المناطق الأربع، كأن الدولتين تتسابقان على ترجيح كفة كل منهما على الأخرى في سورية، بدل تهيئة ظروفٍ تمكّنهما من وضع بعض مناطقه اليوم تحت إشراف دولي، لن ينجح الروس في فرضه ميدانيا وإقراره دوليا من دون تفاهم مع واشنطن على مستقبل سورية وعلاقاتهما، فإن فشلا وقع تصعيد غير مسبوقٍ لجميع حروب الشرق الأوسط، وانتشار سريع لنيرانها إلى مختلف دول المنطقة، بالتلازم مع الحرب ضد الإرهاب، والصراع بينهما على إرثه الأرضي.
هل الخطوة الروسية التي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها تدرسها بعناية، لأن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، نهائية، أم أن تنفيذها سيرتبط بنجاح مفاوضات موسكو الحالية مع واشنطن؟ وهل يعقل أن تؤيد أميركا إشراف روسيا وإيران على المناطق الأربع وتلك التي يحتلها جيشها، وحراس إيران، وشبيحة الأسد خارجها، أم أن مفاوضات الدولتين ستفشل، ولن تتوصل إلي صياغة أسس مشتركة للتعامل بينهما ومع المأزق السوري/ الإقليمي، لأن البيت الأبيض ليس راغبا بالضرورة في رفع الضغط عن روسيا، أو متلهفاً على حل سريع للمعضلة السورية، يعطل ترتيباتهم بعيدة المدى التي يصحّحون من خلالها أخطاء غزو العراق، ويستدركون ما عجزت أميركا عن تحقيقه بعده؟
يطلق موضوع المناطق حوارا روسيا/ أميركيا واسعا حول سورية وعلاقاتهما الدولية، ليس واضح النتائج، لكنه يرجح أن يستمر إلى ما بعد طرد “داعش” من الموصل والرقة، وتطبيق خطة الروس الخاصة باحتجاز فصائل كبيرة من الجيش الحر وجبهة النصرة في المناطق الأربع، فهل سيغريهما وضعهما، عندئذٍ، بالتفاهم من موقع متوازن، ينهي خلافاتهما ويشجعهما على إصدار قرار دولي، يضع سورية تحت إشرافهما، أم يفلت صراعهما من أية رقابة، فتكون سورية الموحدة ضحيته الرئيسة؟
- نقلاً عن: العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة