* بشير البكر
الأمر الذي لا جدال فيه أن ساعة رحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد اقتربت، وباتت مسألة مغادرته الحكم محسومةً وغير قابلة للنقاش، الأمر الذي لم يكن مطروحا على الأجندة الدولية بشدة قبل الرابع من شهر أبريل/ نيسان الحالي، يوم ضرب مدينة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، ما أدى إلى 87 حالة وفاة، أغلبهم من الأطفال والنساء.
كانت جريمة خان شيخون القطرة التي أفاضت الكأس، وهي التي حرّكت رياح الموقف الأميركي في الاتجاه المعاكس. وبعد أن صدرت، في بداية الشهر الحالي، عدة تصريحات من واشنطن تفيد بأن رحيل الأسد ليس أولوية، وهذا أمر يقرّره الشعب السوري، انقلبت إدارة الرئيس دونالد ترامب على نفسها، واتخذت موقفا غير منتظر في فجر يوم الجمعة الماضي، تمثل في توجيه ضربةٍ عسكريةٍ لقاعدة الشعيرات، التي انطلقت منها الطائرة التي نفّذت عملية القصف الكيماوي.
نقلت الضربة العسكرية الأميركية الوضع السوري من حالة تحت الصفر، التي بقي يراوح عندها منذ أكثر من ست سنوات، ووضعته عند النقطة صفر، وفتحت باب الأسئلة والتكهنات حول ارتداداتها. هل تبقى في إطار رسالة التحذير للنظام، أم أنها ذات بعد سياسي؟
لم يطل الوقت، حتى تبين أن قرار الضربة الأميركية لم يكن رد فعل سريعاً، إذ تلته خطوات سياسية عبر عنها البيان، الذي صدر عن اجتماع وزراء خارجية الدول السبع في توسكانا، ومخرجات الاجتماع المشترك بين وزراء خارجية الدول السبع، ونظرائهم من السعودية وتركيا وقطر والأردن والإمارات يوم 11 من الشهر الحالي، والذي يتلخص في البيان الذي صدر عن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، وجاء فيه أنه “لا مكان للأسد في مستقبل سورية”، وهذه هي الجملة السحرية التي سيتمحور من حولها كل الحراك الخاص بالقضية السورية من الآن فصاعدا.
اللافت في نتائج لقاءات توسكانا أنها، في الوقت الذي حسمت فيه الموقف من مصير الأسد، جاءت مرنةً في ما يخص الدور الروسي، وقد رجحت وجهة النظر الألمانية على نظيرتها البريطانية، لجهة إشراك روسيا بعملية رحيل الأسد، وعدم عزلها وفرض عقوبات عليها. ولهذا، توجه الوزير الأميركي إلى موسكو، حاملا رسالةً من المجتمعين، فحواها ضرورة التعاون من أجل حل سياسي في سورية، يقود إلى رحيل الأسد، ويضع حدّا للحرب الدائرة. ومن دون شك، يصبّ هذا المسعى ضمن خط التصريحات التي صدرت عن مسؤولين أميركيين حول الاستمرار في مسار جنيف، مع الأخذ في الاعتبار بيان جنيف 1 الذي ينص على عملية انتقالية، يتم فيها تفويض صلاحيات الأسد إلى حكومةٍ انتقالية، وضرورة أن يلتزم وفد النظام بالسير وفق هذا البرنامج. وهذا يتطلب، بطريقةٍ أوتوماتيكيةٍ، أن تغير موسكو أسلوب تعاملها مع مسار جنيف بطريقةٍ جذريةٍ، أي أن تسقط من حسابها أن مصير الأسد أمر غير مطروح للتفاوض.
وعلى الرغم من استخدام روسيا حق النقض (الفيتو)، فمن الأهمية دعوة الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مجلس الأمن مساء الأربعاء إلى مناقشة مشروع قرار جديد حول استخدام الكيماوي في خان شيخون، بديل عن الذي تم تقديمه قبل الضربة الأميركية، لكن النقطة الجوهرية فيه هي التحقيق مع المشاركين في عملية استهداف خان شيخون من مخططين ومنفذين، وهذا بابٌ قد يؤدي إلى طريق يشبه التحقيق الدولي بأسلحة الدمار الشامل العراقية الذي ألزم السلطات العراقية باستقبال لجان دولية للتحقيق من أسلحتها كافة، وقاد، في نهاية المطاف، إلى تقويض النظام العراقي.
ثمّة حكاية سورية تقول إن حافظ الأسد بنى نظاما يتيح لعائلته الحكم مدة قرن، ومات من دون أن يخمّن أن نجله بشار سوف يقوّض ما خطط له، ويستحق لقب الحيوان عن جدارة.
- نقلاً عن: العربي الجديد
Sorry Comments are closed