عن جنيف 4 …حكم أم حوكمة؟

ابراهيم الجبين6 مارس 2017آخر تحديث :
عن جنيف 4 …حكم أم حوكمة؟

  • ابراهيم الجبين

برزت في أروقة جنيف، خلال هذه الجولة الرابعة من المفاوضات، مسألة مفهوم الحكم في القرار 2254 الذي صوت عليه مجلس الأمن يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 والذي أكد أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد داعياً لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.

وتضمن القرار الذي هو مشروع قرار أميركي أصلاً، عدداً من البنود. فقد اعتمد بيان جنيف ودعم بيانات فيينا الخاصة بسوريا، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا، وشدد على أن الشعب  السوري هو من سيحدد مستقبل سوريا.

وأعرب عن دعم مجلس الأمن للمسار السياسي السوري تحت إشراف الأمم المتحدة لتشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر. وجدد القرار دعم مجلس الأمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة.

وكان لابد من العودة إلى العلماء القانونيين الدوليية وإلى خبراء التنمية واللغة، والبحث عن تمييز يوضح الفارق بين المفهومين، والذي أرى ضرورة أن يتسلح به وفد الهيئة العليا للمفاوضات.

فكلمة الحكم التي وردت صريحة في قرار مجلس الأمن، وردت مختلفة في خطابات المبعوث الدولي استيفان دي مستورا ومترجميه، فهي لم ترد بالمعنى الذي فهمه العالم منها من خلال قرار مجلس الأمن، بل نطقها دي مستورا “حوكمة” والحوكمة مسألة مختلفة كلياً عن عملية تأسيس وممارسة الحكم التي أشار إليها قرار مجلس الأمن.

كلمة الحكم تعنى، وفق الباحث ستيفن أوكوين أغويت، ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشئون المجتمع،وموارده، وتطوره إلاقتصادى وإلاجتماعى. والحكم مفهوم اوسع من الحكومة، لان الحكم يشمل عمل اجهزة الدولة الرسمية من سلطات (تنفيذية وتشريعية وقضائية وإدارة عامة) ويشمل ايضاً عمل المؤسسات غير الرسمية او منظمات المجتمع المدنى بالاضافة الى القطاع الخاص. ويعبر مفهوم الحكم عن إدارة وممارسة السلطات السياسية والاقتصادية وإلاجتماعية على مختلف المستويات التى تشترك فى صنع القرارات او التاثير فيها.

وأحياناً يستعمل السياسيون المعنيون بالشأن السوري، سواء من المسؤولين الأممين أو المسؤولين الأوربيين والأميركيين والروس، تعبير “الحكم الصالح أو الرشيد” وهذا موضوع آخر بدوره، فالحكم الصالح يتم استخدامه منذ عقدين من الزمن من قبل “مؤسسات الامم المتحدة” بهدف إضافة ابعاد قيمية على ممارسة السلطة السياسية لإدارة شئون المجتمع فى إطار تنموى، بمعنى ان الحكم الراشد او الصالح هو الحكم الذى تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وكوادر إدارية ملتزمة بطوير موارد المجتمع وتحسين نوعية حياة الموطنين ورفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم، وبالتالى فإن إدارة شئون المجتمع من خلال الحكم الراشد تتضمن ابعاد:

1-البعد السياسى : ويتعلق بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها.

2-البعد الاجتماعى: ويتعلق بطبيعة وبنية المجتمع المدنى وحيويته وإستقلاله عن الدولة من جهه، وطبيعة السياسات العامة فى المجال الاقتصادى والاجتماعى وتاثيرها فى الموطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة.

3-البعد التقنى او الفنى: ويتعلق بعمل الادارة العامة وكفاتها وفاعليتها.

وبهذا يصبح الحكم الراشد او الصالح هو الحكم الذى يتضمن حكماً ديمقراطياً فعالاً ويستند الى المشاركة والمحاسبة.

ويعتمد الحكم الراشد على تكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ويشمل القطاع الخاص كل المشاريع الخاصة غير المملوكة من الدولة فى قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات. ويتكون المجتمع المدنى الذى يقع بين الافراد والدولة من مجموعات منظمة او غير منظمة ومن افراد يتفاعلون اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وينظمون بقواعد رسمية وغير رسمية وان منظمات المجتمع المدنى هى الجمعيات التى ينظم المجتمع نفسه حولها طوعا.

مواصفات الحكم الراشد

تختلف سمات او خصائص اومعايير الحكم الراشد من دولة الى اخر وايضاً تختلف اولوياته، وبذلك نجد مثلاً ان البنك الدولى ومنظمة التعاون الاقتصادى للتنمية يركزان على : (النمو الاقتصادى والانفتاح وحرية التجارة والخصخصة).

الدارسات الصادرة عن برنامج الامم المتحدة إلانمائى حددت بعض السمات الخاصة بالحكم الراشد وهي على الشكل التالي:

المشاركة: تعنى حق المراة والرجل بالتصويت وابداء الراى مباشرة او عبر المجالس المنتخبة ديمراقطياً بالبرامج والسياسسات والقرارات ( وهذا يتطلب توفير الحريات العامة ضماناً لمشاركة الموطنين الفعالة وترسيخاً للشرعية السياسية).

حكم القانون : يعنى مرجعية القانون وسيادته على الجميع من دون إستثناء إنطلاقاً من حقوق الانسان . والقانون هو إلاطار الذى ينظم العلاقات بين الناس وعلاقة الناس بالدولة وينظم العلاقة بين المؤسسات ويحترم فصل السلطات واستقلال القضاء ويوفر العدالة والمساواة بين الموطنين.

الشفافية: تعنى توفر المعلومات الدقيقة والصحيحية فى وقتها وإتاحة الفرص للجميع للاضطلاع على المعلومات (ونشر المعلومات يوسع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ويحاصر الفساد).

حسن الاستجابة: يعنى قدرة المؤسسات والاليات على خدمة الجميع دون استثاء.

يعنى القدرة على التوسط والتحكيم بين المصالح المتضاربة من اجل الوصول الى اجماع واسع حول مصلحة توافق الجميع والمصلحة العامة للسياسات العامة.

المساواة وخاصة فى تكافؤ الفرص: تهدف الى إعطاء الحق للجميع الرجال والنساء فى الحصول على الفرص المتساوية فى الارتقاء الاجتماعى من اجل تحسين اوضاعهم.

الفعالية: تهدف الى توفر القدرة على تنفيذ المشاريع بنتائج تستجيب الى احتياجات الموطنين وتطلعاتهم على اساس إدارة عقلانية وراشدة للموارد.

المحاسبة والمساءلة: وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية والإدارية للمسئولين فى وظائفهم العامةولمؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص والقدرة على محاسبة المسئولين عن إداراتهم للموارد العامة وخاصة تطبيق مبدأ فصل الخاص عن العام وحماية الصالح العام من تعسف واستقلال السياسين.

الرؤية الإستراتيجية: وتهدف الى المعطيات الثفافية والاجتماعية الهادفة الى تحسين شئون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية.

الاستقرار: تهدف الى بناء صيغة حكم مستقرة واستقرار سياسى وسلم اهلى وإدارة إقتصادية اجتماعية عقلانية بابعاد التنمية وتقديم الخدمات.

اطراف الحكم الراشد ومهامها

الدولة والمؤسسات الرسمية:

على الدولة ان توفر الاطر التشريعية التى تسمع بالمشاركة وان تعطى صلاحيات إدارية ومالية مناسبة لهيئات الحكم المحلى لتقوم بوظائفها وخلق حوار بين جميع الاطراف عبر المجالس والهيئات حول السياسات العامة وتوفير الحريات العامة وحترام حقوق الانسان وسن التشريعات التى تحمى المراة وتصنيفها وضمان حرية الإعلام وتطبيق مبداء حكم القانون وإصدار تشريعات وقوانين تشجع المشاركة السياسية.

السلطات المحلية:

على السطات المحلية ان تعمل على إشراك الموطنين عبر اللجان الرسمية واللقاءت الدورية وتاطير الجمهور المعنى بمشاريع التنمية فى لجان متابعة وإشراف ومراقبة لهذه المشاريع .

كما ان عليها ان تكون اكثر شفافية فى نشر المعلومات وميزانياتها وإشراك الموطنين فى تحديد الحاجات وتحديد الاولويات عبر إلاستفتاءات والمسوحات الإحصائية .

وكما عليها تحمل إشراك الهيئات المحلية ومنظمات المجتمع المدنى فى المشاريع المحلية لتلاقى المصالح وعدم تعارضها وبناء الثقة بين السلطة المحلية وهيئات المجتمع المدنى.

المجتمع المدنى:

حيوية المجتمع المدنى فى قدرته على تاطير الموطنين فى العمل الطوعى فى الشان العام وفى كل قيم المشاركة المدنية والتنمية التشاركية .

وعليها العمل المشترك مع السلطات المحلية والاجهزة الرسمية لمؤسسات الدولة فى إطار صنع السياسات العامة وإلاشراف والمراقبة والمشاركة فى تنفيذ المشاريع .

وعليها ايضاً بالشفافية فى عملها خاصة على الصعيد المالى والادارى وكذلك عليها بنظم المحاسبة والمساءلة الداخلية والانتخابات الدورية وتداول السلطة وعدم إستقلال النفوذ وبهذا تساهم منطمات المجتمع المدنى فى تاسيس الحكم الراشد وتصبح نموذجاً.

القطاع الخاص:

يستطيع القطاع الخاص ان يكون شريك فى الإدارة وعليها مسئولية اجتماعية وتوفير المال والمعرفة فى العمليات التنموية بالشراكةومع المجتمع المحلى واجهذة الدولة الرسمية ومنطمات المجتمع المدنى وعليه تامين القروض للاسكان وتامين التدريب والتعليم والمنح التعليمية ويساهم فى الشفافية بتوفير المعلومات ونشرها والإحصاءات.

خلاصة القول : إن مفهوم الحكم الراشد يحتاج الى تعاون ومشاركة بين الحكومة المركزية او الاقليمية وهيئات الحكم المحلى واللجان الشعبية او الاحياء او القرى ومنظمات المجتمع المدنى .

وهذا يفترض و جود مناخ صحى يتمثل فى التشريعات التى تساهم فى تطوير قدرات الحكم المحلى وإنشاء اليات للحوار والمتابعة بين الحكومة المركزية او الاقليمية والحكم المحلى وقيام كل الاطراف بادوارها فى جو من الحريات العامة وتوزيع المسؤليات والتنسيق من اجل الصالح العام ومن اجل فاعلية الاداء.

ويمكن إضافة الحرية والحق فى اكتساب المعرفة والشفافية وتمكين المراة (وذلك وفق مؤشرات التمنية وهذه المؤشررات لا تتحق إلا بوجود نظام إدارة للدولة او الحكم الراشد سليم يضع السياسات العامة ويطبقها فى المجالات(الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية ….الخ).

الحوكمة

في اللغة الفرنسية يتغير الوضع عما هو عليه في الانكليزية والعربية، فمفهوم  الحكم الراشد يعتبر في اللغة الفرنسية مرادف لمصطلح الحوكمة، فبدايات هذا المفهوم جاءت إبان القرن الثالث عشر وانتشر كمفهوم قانوني عام 1978 ليستعمل بعد ذلك على نطاق واسع معبرا عن تكاليف التسيير .

وفي بداية الثمانينات استخدم من طرف المنظمات المالية الدولية وخاصة من قبل البنك الدولي، إلا أن “جيمس مارش” و”جوهان أولسن” استخدما هذا المصطلح في ميدان العلوم السياسية وهذا عندما نشرا كتابا يحمل عنوان “إعادة اكتشاف الهيئات” الذي نشر عام 1989

ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا المفهوم دور كبير خاصة في التصنيفات الممنوحة لكافة الدول في تحقيقها لآليات الحكم الراشد ومن ثم أصبح له معايير تقيم على أساسها الدول وخاصة لدى صندوق النقد الدولي الذي يركز عليه كثيرا حتى في ربط مساعداته للدول النامية بتحقيق “شروط الحكم الراشد”.

ويقصد بالحاكمية أو الحوكمة: أسلوب وطريقة الحكم الجيدة، كما يعني أيضا التسيير الجيد لشؤون منظمة ما قد تكون دولة أو هيئة وطنية أو عالمية، ليكون الهدف من وراء ذلك تحقيق الفعالية والنجاعة.

الفارق كبير بين هذه المفاهيم، ويفترض أن يتشكل وعي ورأي عام شعبي يدرك أن ما يسير عليه المجتمع الدولي لا يمضي عبثاً بعد تثبي المفاهيم القانونية في قرارات مجلس الأمن وغيرها من الوثائق الي يتم التوافق عليها دولياً، فكل مصطلح هو مفتاح يفسّر الأداء السياسي المستغرب حيناً والواضح حيناً آخر.

  • مجلة رؤية سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل