جديد الكتب: مآسي حلب في زمن الثورة المغدورة

فريق التحرير16 فبراير 2017Last Update :


كيف تأخرت حلب، وخرجت إلى الاحتجاجات السلمية؟ ومن أين خرجت المظاهرات؟ وما هي قواها وفئاتها الاجتماعية؟ وكيف حملت بعض أحياء المدينة السلاح؟ وكيف انقسمت وجرى تدميرها وتهجير سكانها، خصوصاً شرقها وأحياءها التقليدية القديمة، المصنفة على لائحة التراث العالمي الإنساني؟ وكيف عاش ويعيش من تبقّى من سكان حلب المأساة في حياتهم اليومية؟

يحاول الكاتب السوري صبر درويش، والكاتب والروائي اللبناني محمد أبي سمرا، الإجابة عن هذه التساؤلات في كتابهما “مآسي حلب: الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين”، الصادر عن منشورات المتوسط (2016)، بمشاركة عدد من الكتاب والناشطين السوريين ومنهم: عزيز تبسي، محمد يوسف، فؤاد محمد فؤاد، أحمد الحاج، جيفارا نبي، بيشنيك ألو، عماد القاسم، عارف حج يوسف، ومعن محمد، وغيرهم.

يسعى الكتاب إلى إلقاء الضوء على أحوال حلب، في زمن الاحتجاجات والتظاهرات السلمية، في أحيائها وجامعاتها، وأثناء بروز الكتائب المسلحة فيها: نشوء الحراك الثوري السلمي، آليات التوسع، والهوية الاجتماعية للفئات التي كانت أكثر ديناميكية وفاعلية فيه، وكيف تطور هذا الحراك وانتشر، وكيف عبرت القوى المنتفضة عن مطالبها؟ كما يشرح الظروف والعوامل التي دفعت المنتفضين إلى حمل السلاح دفاعاً عن النفس بداية، وبهدف طرد قوات الأسد ثانياً.

يسرد الكتاب في البداية، تفاصيل الحراك الثوري السلمي في حلب حتى قيام المتظاهرين بحمل السلاح في بعض أحيائها الشرقية الفقيرة لحماية المتظاهرين أولاً، ومن ثم مقاومة قوات النظام لفرض الانسحاب عليها. وذلك بالتزامن، مع وصول طلائع الكتائب المسلحة من الريف الحلبي إلى المدينة. وهكذا تحررت مساحات واسعة من حلب، وباتت تُعرف بحلب الشرقية التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية.

لكن في كثير من فصولها، تشبه حكاية حلب، حكايات باقي المدن السورية الثائرة ضد حكم الأسد، وتتقاطع معها. إذ بدأ الحراك الثوري في المدينة من أكثر المناطق فقراً وهامشية فيها، كحي صلاح الدين والسكري. بداية، شارك في المظاهرات بضع عشرات من الشبان والشابات، معظمهم من جامعة حلب. فيما بعد، ارتفع الزخم، وتوسعت مشاركة سكان الأحياء، ثم رفدتها الحركة التي أفرزها الحراك الشعبي في الجامعة، والذي ضم طلبة جامعيين، من مناطق سورية مختلفة، يدرسون ويقيمون في جامعة حلب.

توسعت رقعة الاحتجاجات في المدينة، واتسع زخم المظاهرات الشعبية. وكما في كل المدن السورية الثائرة، سقط شهاء من المحتجين في حلب، على يد قوات الأسد وشبيحته. خرج الحلبيون في تشييع شهدائهم، فسقط- أيضاً- شهداء آخرون في التشييع. ومع سقوط كل شهيد، كانت تثار بين الناشطين قضية حمل السلاح، وحق الدفاع عن النفس. وهذا ما حصل فعلاً بعد مرور بضعة أشهر على انطلاق الاحتجاجات في المدينة.

بدأ الأمر بمجموعات صغيرة من الأفراد الذين سعوا إلى حماية المتظاهرين. ثم ما لبثت هذه المجموعات الصغيرة أن توسعت، ونظمت صفوفها، فتحولت كتائب وألوية مقاتلة، سعت إلى السيطرة على المدينة، وطرد قوات الأسد منها. وهذا ما حدث فعلاً، إذ أخذت تنسحب قوات الأسد تدريجياً من الأحياء الشرقية من حلب، لتركز وجودها غربي المدينة، على وجه التحديد.

ومثلما فعلت قوات النظام بعد سيطرة قوى المعارضة المسلحة على إحدى المدن السورية، قامت قوات الأسد بتسليط نيرانها على أحياء حلب السكنية “المحررة”، مستخدمة كل أنواع الأسلحة: من البراميل المتفجرة سيئة الصيت، إلى المدفعية بعيدة المدى. هكذا بدأ تدمير المدينة، ونزوح أغلب سكانها، وباتت الحياة فيها أشبه بالجحيم.

في ظل هذه الظروف، سعى من تبقّى من السكان المدنيين، الذين رفضوا، أو لم تتح لهم إمكانية مغادرة المدينة، إلى النضال، بكافة الوسائل، من أجل البقاء والاستمرار في تدبير شؤون حياتهم، التي لم تعد تشبه الحياة على أي حال. سعى الناس إلى بناء هيئات مدنية في سبيل تسيير خدماتهم الملحة، وإدارتها، بطريقة تحد من الفوضى التي خلّفها انسحاب مؤسسات الدولة، من المدينة. فأنشئت الهيئات القضائية (أصبحت هيئات شرعية، فيما بعد)، وأُسست المشافي الميدانية، بإمكانية متواضعة، وأطلقت العملية التعليمية، لما تبقى من تلامذة، ونشأت عشرات من الدوائر والمؤسسات المدنية، التي سعى السكان- من خلالها- إلى التخفيف من وطأة الحرب عليهم.
أحوال حلب المحررة

تتقصّى فصول الكتاب ما طرأ من تحولات على تركيبة القوى الاجتماعية المنتفضة، وبدء التيارات الإسلامية بالبروز في خضم الأحداث: بداية ببعض التشكيلات ذات التوجه الإسلامي المحافظ، ونهاية بدخول داعش إلى المدينة. هذه التحولات تعبر عن نفسها بأشكال وطرق متعددة: اعتقال العديد من الناشطين على أيدي هذه التشكيلات العسكرية. إرغام المحتجين على استبدال شعاراتهم التي أطلقوها في بداية الثورة بشعارات إسلامية المدلول. استبدال علم الثورة برايات مختلفة الشكل. استبدال شعار الدولة المدنية، بشعار دولة الخلافة.

كما يعرض الكتاب أحوال جملة المؤسسات التي نشأت في حلب الشرقية، بعدما باتت تحت سيطرة المعارضة، وإظهار طبيعة حياة ما تبقى من سكان في المدينة وأشكال إدارتهم شؤونهم، في ظل الحرب الدائرة في أحيائهم.

الكتاب هو شهادة حية عن المتغيرات التي طرأت على حياة السكان، وانتشار مليشيات الشبيحة، وأثرها في دورة الحياة اليومية، ومشاهدها، وتبدّل نمط العيش، وتدبير المعاش، مع توقّع هبوب ريح الحرب. فيروي وجوهاً من أشكال إدارة السكان لأحيائهم، وشكل المؤسسات الناشئة في ظل “تحرر” أحياء من المدينة، وسيرورتها المرافقة لسيرورة الحراك الثوري السلمي والمسلح. ويقدم مجموعة من اليوميات التي تروي تفاصيل من حياة مَن تبقّى في حلب الشرقية، وأشكال إنتاجهم لحياتهم، في ظل الحرب والتدمير. مع التذكير بمجموعة من التحقيقات الميدانية المترجمة التي أجراها الصحافيان ماثيو أيكنز، وكريستوف رويتر. وهي تروي – بكثير من الدقة والمهنية والفن الكتابي – مظاهر من حياة سكان حلب الشرقية، في ظل الحرب المتواصلة عليهم، من قوات النظام. هذا إضافة إلى تحقيق ميداني عن المرتزقة الذين يحاربون في حلب في صف قوات النظام.

لا ينسى الكتاب عرض أهم التشكيلات العسكرية المعارضة التي نشأت وانقسمت واقتتلت، ولا تزال حاضرة في المدينة، شارحاً: أهم قادتها، معاركها، أدوارها العسكرية. ومن هذه التشكيلات: تحرير الريف، كتائب مسلحة في حلب، الجبهة الإسلامية، لواء التوحيد، حركة أحرار الشام الإسلامية. لواء أحرار سورية، ألوية صقور الشام، جبهة النصرة، تنظيم داعش، جبهة أنصار الدين، جيش المهاجرين والأنصار، حركة شام الإسلام، حركة فجر الشام الإسلامية، جيش المجاهدين، كتائب أبو عمارة وغيرهم.

وفي النهاية، يقدم الكتاب “آراء” حول ما يجري وما جرى في حلب. بل يعرض التجربة على لسان شهودها من دون تدخل من المعدَّين اللذين جمعا المادة وحرّراها، من خلال ذكر سير وشهادات ومشاهدات ومعلومات عن طبيعة الأحداث ومساراتها وتحولاتها في المدينة، وذلك بأسلوب سردي استقصائي. وتحت عنوان كل فصل من الكتاب، يُذكر أسماء أصحاب السير والشهادات، واسم من جمع المادة وكتبها كتابة أولية. وهو بهذا المعنى كتاب جماعي عن حلب في زمن الثورة.

* نقلاً عن: ضفة ثالثة

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل