تعززت معنويات المسؤولين السوريين بعد فوز دونالد ترامب واستعداده للتعاون مع حليف دمشق، الرئيس فلاديمير بوتين، ما سيسرّع خطة دمشق وموسكو وطهران للقبض على «سورية المفيدة» وقضم متمهل لما تبقى من البلاد مع استعداد لطرح سياسي ما بمواعيد وبرامج مختلفة بين الحلفاء الثلاثة.
«خطة النصر» الثلاثية في «سورية المفيدة»، باتت واضحة: تأمين دمشق عبر التقدم العسكري والمصالحات والتطهير السياسي في حزام العاصمة، هزيمة نفسية للمعارضة في حلب قبل الانقضاض عليها في مدينة ذات بعد رمزي كبير، عزل إدلب وتقديمها إعلامياً وسياسياً وعسكرياً على أنها «قندهار سورية»، والسيطرة على جسر الشغور المطلة على مدن وقرى محافظة إدلب، فصل أرياف حمص وحماة وإدلب، والاستعداد لمعارك كر وفر مع فصائل إسلامية ومتطرفة تحت مظلة «الحرب على الإرهاب».
حلب ذات أهمية كبيرة في هذه «الخطة» قبل تسلّم ترامب البيت الأبيض في ٢١ كانون الثاني (يناير) وتشكيل إدارته في ربيع العام المقبل. ولا خلاف بين موسكو ودمشق وطهران حول أهمية معركة حلب التي يجري الإعداد لها على نار هادئة بوسائل عدة: سياسياً وإعلامياً، لم تكن دمشق وحلفاؤها مرتاحين، لأن الرأي العام والحكومات في الغرب وجدوا عنواناً في سورية هو حلب، التي باتت تشبه برلين بعد الحرب العالمية الثانية وغروزني التي دمّرها الروس قبل ١٦ سنة. لذلك، تقاسمت موسكو ودمشق الدور لدحض هذه الخسارة الإعلامية. تولى بوتين دور «رجل السلام» والصابر على خروقات «الإرهابيين»، إذ إنه رفض أكثر من مرة طلبات وزارة الدفاع قصف شرق حلب. كما أن حملة العلاقات العامة تضمنت فتح معابر «إنسانية» لخروج المدنيين والمسلحين واتهام المعارضة باستخدام الغاز السام ضد مدنيي مناطق النظام غرب حلب. أما دمشق، فإنها تولت بمبادرة من رئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي، دعوة صحافيين أميركيين وبريطانيين من كبريات وسائل الإعلام إلى غرب حلب للانقلاب على الخطاب. نظم لهم برنامجاً دقيقاً تضمن زيارات للمستشفى حيث هناك قتلى القصف من المسلحين، وللمنطقة الصناعية التي دمرها المسلحون، وخطوط التماس في هذه المدينة العريقة، إضافة إلى الكنائس والمسيحيين حيث «ينعمون بالتعددية والعلمانية».
ركّزت الحملة الإعلامية على الإفادة من بدء التحالف الدولي بقيادة أميركا معركة تحرير الموصل من «داعش». الرسالة التي قالها أكثر من مسؤول، بينهم وزير الخارجية وليد المعلم، لصحافيين غربيين: «ليس هناك فرق بين الموصل وحلب. إنها حرب ضد الإرهاب، وهناك بعض الضحايا المدنيين». بل إن أحدهم شكا من «عدم الاهتمام بضحايا غرب حلب الذين هم أضعاف قتلى شرق حلب». هذه الرسالة قالها مسؤولون روس لنظرائهم الأميركيين في جنيف خلال مفاوضات «فريق لوزان» في الأيام الماضية بعد نجاح موسكو ديبلوماسياً بتبني المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مبادرة خروج عناصر «جبهة النصرة» من شرق حلب، حيث ظهر أن «المشكلة هي في فصل الإرهابيين عن المعتدلين» وليس في حصار شرق حلب وقصف المدينة بـ «البراميل» والغارات (استطراداً، تلعب أنقرة اللعبة ذاتها: «ليس هناك فرق بين الموصل وحلب ومدينة الباب شمال حلب التي تتقدم فصائل سورية مدعومة من أنقرة لتحريرها من «داعش». إنها حرب ضد الإرهاب»).
تحت مظلة العلاقات العامة وحملة التحالف على الموصل، أرسلت دمشق وطهران تعزيزات عسكرية نظامية وغير سورية إلى حلب. وقال صحافيون غربيون إنهم شاهدوا قوافل من الآليات والجنود في الطريق إلى المدينة. لم تكن هذه العربات تحمل أرقاماً، لكنها جديدة نقلت جنوداً روساً وليس مرتزقة كما حصل سابقاً. كما شوهدت آليات وعربات اتجهت من الساحل السوري إلى حلب أيضاً.
التقديرات كانت أن موعد «معركة حلب» يوم الانتخابات الرئاسية للإفادة من التركيز الإعلامي على أميركا. لكن خبيراً روسياً قال إن بوتين أراد أن «يتصرف كزعيم مسؤول لا يريد استغلال فرصة كهذه، خصوصاً أنه ليس مستعجلاً، لأنه يعرف أن الرياح تهب لمصلحته بانتظار هدية ترامب». لذلك، فإن معركة حلب «حاصلة لا محالة، وبدء تنفيذها مرتبط بالاستعداد العسكري والاستعداد النفسي والإعلامي وتخفيف خسائر مدنية».
بدا واضحاً أن طهران ودمشق استدرجتا موسكو إلى «معركة حلب» بعدما كانت ضدها ومع الاتفاق مع واشنطن على وقف العمليات القتالية في شباط (فبراير) وأيلول (سبتمبر) الماضيين. ووافق الكرملين على ضم حلب إلى «سورية المفيدة» وتحمّل الكلفة البشرية والإنسانية والديبلوماسية، لكن الخلاف بين الأطراف الثلاثة يأتي ما بعد معركة حلب.
المسؤولون السوريون والإيرانيون يقولون إنه «لا بد من سحق الإرهاب أولاً»، وهم لا يرون فروقاً كبيرة بين الفصائل المعارضة، بل إن أحد المسؤولين السوريين قال: «ليس هناك أي مجال للحديث في السياسة قبل استعادة كل شبر من الأرض إلى الدولة». ولا شك في أن هذا التفكير سيتعزز بعد فوز ترامب، خصوصاً أن هناك أنباء عن لقاء حصل بين شخصيات مقربة من الرئيس بشار الأسد ونجل الرئيس الأميركي الجديد في عاصمة أوروبية.
دمشق بصدد سباحة جديدة بين موسكو وطهران. إيران تنتظر قراءة إشارات ترامب السلبية لتحديد خياراتها في سورية. روسيا تنظر إلى ما وراء «النصر العسكري»، وهي تختبر بعض الأفكار السياسية ليبدأ الشغل عليها في الربيع المقبل وإنضاجها في الصيف. حكومة الوحدة الوطنية التي تقترحها دمشق لمرحلة لاحقة، لا ترى أنها كافية لإقناع المعارضة وحلفائها وترامب. لذلك، هي تختبر ثلاثة أفكار: الأولى، الدعوة إلى مؤتمر وطني عام في دمشق بمشاركة ٢٠٠ شخصية بضمانات أمنية وسياسية روسية لإطلاق حوار سوري- سوري. الثانية، دعوة قادة مجالس محلية وقيادات محلية إلى القاعدة العسكرية في حميميم في اللاذقية. الثالثة، دعوة قادة فصائل في «الجيش الحر» وشخصيات عسكرية منشقة إلى القاعدة العسكرية لبحث فكرة مجلس عسكري أو مصالحات من الفصائل المسلحة.
الهدف هو إطلاق حوار سوري لتطبيق مبادئ متفق عليها دولياً، وهي «بيان جنيف» والقرار ٢٢٥٤، لكن الجديد أن موسكو لم تعد مقتنعة بتشكيل هيئة حكم انتقالية من النظام والمعارضة تحل محل المؤسسات الموجودة. وقال أحد المسؤولين الروس: «في ٢٠١٤، جرى إقناع الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بتشكيل حكومة وحدة بالتعاون مع المعارضة، لكن المعارضة استمرت في التظاهرات وطردت يانوكوفيتش، الذي أنقذه بوتين. ولا نريد أن يتكرر الشيء ذاته في سورية، إذ إن تشكيل هيئة انتقالية سيؤدي إلى تقدم الفصيل الأقوى في المعارضة، وهو جبهة النصرة، للذهاب الى قصر الرئاسة في دمشق».
ماذا تريد موسكو؟ التفكير الروسي الجديد يقوم على تشكيل هيئة أو جسم يتولى الإعداد لتعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ظل النظام الحالي وحكم الرئيس الأسد. وفي حال جرى الاتفاق على انتخابات رئاسية مبكرة لن تمانع موسكو حصولها قبل ٢٠٢١. وهي في الوقت ذاته تربط الملف السوري بملفات أخرى تتعلق بأوكرانيا والعقوبات الغربية والخطاب الإعلامي «التحريضي» ضدها واستعمال ذلك لتوسيع «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).
الكرملين، بحسب مسؤول مطلع، سيراقب نتائج الانتخابات الأميركية في هذه الملفات، وما إذا كان هناك تغيير في كيفية النظر إلى روسيا و «التخلي عن سياسة تغيير الأنظمة التي ثبت فشلها في العراق وليبيا». أيضاً، ينتظر بوتين من الرئيس ترامب أن يكون مقتنعاً أن «الشعوب العربية ليست جاهزة للديموقراطية، وأن الأنظمة أفضل من شعوبها»، بحسب المسؤول. لذلك، فإن الربيع المقبل سيكون حاسماً لتحقيق «انتصارات عسكرية» في «سورية المفيدة» قبل الانتقال إلى «انتصارات سياسية» بالتفاهم مع إدارة ترامب للضغط عليها لقبول النظام «شريكاً في الحرب على الإرهاب» وتمدد القوات النظامية إلى دير الزور والرقة، مناطق «داعش» شرق البلاد.
- الحياة
Sorry Comments are closed