
كشف تحقيق لوكالة رويترز قيام الرئيس المخلوع بشار الأسد بتهريب أموال ومقتنايات ثمينة خلال الأيام التي سبقت فراره من دمشق.
ووفقاً للتحقيق فقد استخدم بشار الأسد طائرة خاصة لتهريب أموال نقدية ومقتنيات ثمينة ووثائق سرية ترسم خريطة الشبكة التجارية التي تقف وراء ثروته.
واستندت رويترز في تحقيقها على أكثر من اثني عشر مصدرا، حيث قام ياسر إبراهيم، المستشار الاقتصادي للرئيس، بترتيب استئجار الطائرة لنقل أصول الأسد الثمينة وأقاربه ومساعديه وموظفي القصر الرئاسي إلى الإمارات العربية المتحدة على متن أربع رحلات.
وأفادت الوكالة وفقاً لمراجعتها لسجلات تتبع الرحلات الجوية، بأن طائرة إمبراير ليجاسي 600 قامت بأربع رحلات متتالية إلى سوريا خلال 48 ساعة قبل سقوط النظام، والتي تحمل الرقم C5-SKY، ومسجلة في غامبيا.
وتوصلت رويترز إلى أن الرحلة الرابعة انطلقت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من قاعدة حميميم الجوية العسكرية التي تديرها روسيا قرب اللاذقية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط السوري، وذلك وفقاً لسجلات تتبع الرحلات الجوية، وصورة أقمار صناعية، ومصدر سابق في المخابرات الجوية على دراية مباشرة بالعملية. مؤكدة فرار الأسد إلى روسيا في اليوم نفسه من القاعدة نفسها.
وتحدثت رويترز مع 14 مصدرًا سوريًا مطلعًا على الخطة، من بينهم موظفون في المطار، وضباط سابقون في المخابرات والحرس الرئاسي، وشخص من داخل شبكة أعمال الأسد.
واستعرضت وكالة الأنباء أيضًا محادثة عبر تطبيق واتساب بين شركاء إبراهيم، وبيانات تتبع الرحلات الجوية، وصور الأقمار الصناعية، وسجلات ملكية الشركات والطيران في ثلاث قارات لتجميع روايتها عن كيفية قيام أقرب صديق للأسد بتدبير المرور الآمن للطائرة.
وبحسب التحقيق فإن الطائرة تحمل حقائب سوداء غير مميزة بها نقود تحتوي على ما لا يقل عن 500 ألف دولار، بالإضافة إلى وثائق وأجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أقراص صلبة تحتوي على معلومات استخباراتية رئيسية عن “المجموعة”، الاسم الرمزي الذي استخدمه الأسد وزملاء إبراهيم للشبكة المعقدة من الكيانات التي تمتد عبر الاتصالات، والخدمات المصرفية، والعقارات، والطاقة وغيرها من الأنشطة، وفقًا للفرد الموجود داخل شبكة الأسد، وضابط سابق في المخابرات الجوية، ومحادثة واتساب.
ونقلت رويترز عن مسؤول كبير في حكومة الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لرويترز إن الحكومة عازمة على استعادة الأموال العامة التي نقلت إلى الخارج قبل سقوط الأسد لدعم الاقتصاد السوري الذي يعاني تحت وطأة العقوبات ونقص العملة.
وأكد المسؤول لرويترز أن أموالا تم تهريبها خارج البلاد قبل الإطاحة بالحاكم السابق، لكنه لم يوضح كيف تم ذلك، مضيفا أن السلطات لا تزال تحدد إلى أين ذهبت الأموال.
وأشارت رويترز إلى أنها لم تتمكن من التأكد بشكل مستقل مما إذا كان الأسد قد أشرف فعليًا على عملية الهروب. موضحة أن عدة مصادر مطلعة أكدت على العملية أنها لم تكن لتتم لولا موافقة الأسد.
من أدار عملية تهريب الأموال؟
وذكرت الوكالة وفقاً لستة مصادر مطلعة على العملية أنه في السادس من ديسمبر/كانون الأول، اقتربت طائرة إمبراير ذات 13 مقعدا من مطار دمشق الدولة، وتم حشد أكثر من اثني عشر عنصراً بزيّ مموه من المخابرات الجوية السورية – وهي أداة رئيسية للقمع السياسي في عهد الأسد – لحراسة قاعة الاحتفالات، وقسم كبار الشخصيات في المطار، وممرّ الوصول إليه.
وأفاد أربعة من هذه المصادر أنهم كانوا في موقع الحادث.فيما أفاد ثلاثة أشخاص كانوا في الموقع أن عدداً قليلًا من السيارات المدنية ذات النوافذ المظللة اقتربت من المنطقة. وأوضح اثنان من الأشخاص الموجودين في الموقع، وهما ضابط المخابرات السابق ومسؤول كبير في المطار، أن السيارات تابعة للحرس الجمهوري النخبوي، المكلف بحماية الأسد والقصر الرئاسي.
كما أفاد عضو سابق رفيع المستوى في الحرس الجمهوري أن تورط الحرس الجمهوري يعني أن “بشار (الأسد) هو من أصدر الأوامر” المتعلقة بالعملية، مضيفاً أن الحرس لم يكن يخضع إلا لقائده، ابن عم الأسد، اللواء طلال مخلوف، أو الأسد نفسه.
وأبلغ رئيس أمن المطار العميد غدير علي موظفي المطار أن عناصر من المخابرات الجوية سيتعاملون مع الطائرة، بحسب محمد قيروط، رئيس العمليات الأرضية في الخطوط الجوية السورية.
وقال ثلاثة مسؤولين سوريين في المطار وضابط الاستخبارات السابق إن علي، وهو ضابط كبير في المخابرات الجوية، كان يتلقى الأوامر مباشرة من القصر الرئاسي.
كيف تمت عملية التهريب؟
أظهرت بيانات Flightradar24 أن طائرة C5-SKY كانت تتجه في كل مرة إلى مطار البطين التنفيذي في أبو ظبي، والذي يستخدمه كبار الشخصيات والمعروف بخصوصيته الصارمة.
في البداية، غادرت الطائرة دبي في 6 ديسمبر/كانون الأول وهبطت في دمشق حوالي الساعة 12 ظهرًا بالتوقيت المحلي (09:00 بتوقيت غرينتش). ثم توجهت إلى مطار البطين وعادت إلى دمشق بعد الساعة العاشرة مساءً بقليل.
وقال أحد المصادر الخمسة العاملة في المطار إن “السيارات كانت تتجه نحو الطائرة في كل مرة تهبط فيها، وتبقى هناك لفترة قصيرة ثم تغادر قبل إقلاعها مرة أخرى”.
وقال علي لموظفي المخابرات الجوية إن موظفي القصر الرئاسي وأقارب الأسد – بما في ذلك المراهقون – كان من المقرر أن يستقلوا أول رحلتين غادرتا دمشق في السادس من ديسمبر/كانون الأول، والتي كانت تحمل أيضاً أموالاً نقدية، وفقاً لضابط المخابرات السابق الذي كان في مكان الحادث.
ولم تتمكن رويترز من الوصول إلى قائمة ركاب الرحلات الأربع للتأكد من هوية ركاب الطائرة أو حمولتها.
وأضاف المصدر أن الرحلة الثانية من دمشق نقلت أيضاً لوحات وبعض المنحوتات الصغيرة.
وفي السابع من ديسمبر/كانون الأول، عادت الطائرة إلى دمشق حوالي الساعة الرابعة عصرا، ثم غادرت إلى البطين للمرة الثالثة بعد أكثر من ساعة، وهذه المرة محملة بأكياس من النقود، فضلا عن محركات الأقراص الصلبة والأجهزة الإلكترونية التي تحتوي على معلومات حول شبكة الأسد التجارية، وفقا لضابط الاستخبارات والمصدر داخل شبكة الأسد التجارية.
وأضاف المصدر أن المعلومات المخزنة تضمنت سجلات مالية ومحاضر اجتماعات وملكية شركات وعقارات وشراكات، بالإضافة إلى تفاصيل التحويلات النقدية والشركات والحسابات الخارجية.
وهذه المرة، اقتربت سيارات تابعة لسفارة الإمارات في دمشق من منطقة مطار كبار الشخصيات قبل إقلاع الطائرة، بحسب ضابط الاستخبارات السابق، وهو ما يشير إلى أن الإمارات كانت على علم بالعملية.
تحويلة إلى القاعدة الروسية
في وقت مبكر من يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، وصل مقاتلو المعارضة إلى دمشق، مما دفع الأسد إلى الفرار إلى معقله الساحلي في اللاذقية، بالتنسيق مع القوات الروسية. وتوقف مطار دمشق عن العمل.
بعد منتصف ليل ذلك اليوم بقليل، غادرت طائرة C5-SKY مطار البطين للمرة الأخيرة. وبعد مرورها فوق مدينة حمص، شمال دمشق، حوالي الساعة الثالثة فجرًا بالتوقيت المحلي، اختفت الطائرة عن نطاق رصد الرحلات الجوية لنحو ست ساعات قبل أن تعود للظهور فوق حمص، متجهةً عائدةً إلى أبوظبي، وفقًا لبيانات Flightradar24.
وفي تلك الفترة، هبطت في قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية، بحسب ضابط الاستخبارات السابق.التقطت شركة بلانيت لابز صورةً عبر الأقمار الصناعية الساعة 9:11 صباحًا، تُظهر الطائرة على مدرج مطار حميميم.
وتأكدت “رويترز” من أن طائرة إمبراير الظاهرة في الصورة هي من طراز C5-SKY، وذلك بناءً على حجمها وشكلها وبيانات تتبع الرحلات الجوية. وتُظهر بيانات تتبع الرحلات الجوية أن الطائرة كانت الطائرة الخاصة الوحيدة التي حلقت من وإلى سوريا بين 6 و8 ديسمبر/كانون الأول.
ووفقاً لضابط المخابرات الجوية، والمصدر داخل إمبراطورية الأسد التجارية، ومحادثة واتساب، فقد كان على متن الرحلة المتجهة من حميميم أحمد خليل خليل، وهو مساعد مقرب من إبراهيم وناشط في شبكة الأسد.
يخضع خليل لعقوبات غربية لدعمه النظام السابق من خلال إدارة العديد من الشركات في سوريا والتحكم فيها.
وقال مصدر داخل شبكة الأسد ورسائل واتساب إنه وصل إلى القاعدة الروسية في سيارة مدرعة تابعة للسفارة الإماراتية وكان يحمل 500 ألف دولار نقدًا.
وكان خليل قد سحب المبلغ قبل يومين من حسابه في بنك سورية الدولي الإسلامي، بحسب المصادر ذاتها.
وأفاد أحد المقربين من الأسد أن الحساب يعود لشركة البرج للاستثمارات، ومقرها دمشق. وتمتلك إبراهيم 50% من الشركة، وفقًا لموقع “تقرير سوريا”، وهو منصة إلكترونية تحتوي على قاعدة بيانات للشركات جمعها خبراء في الشأن السوري، واستشهدت بسجلات سورية رسمية لعام 2018.
وقال أحد أفراد دائرة الأعمال المحيطة بالأسد ومسؤول سابق في هيئة النقل الجوي السورية إن طائرة إمبراير كانت تعمل بموجب “عقد إيجار جاف”، حيث يوفر المالك الطائرة، ولكن لا يوفر الطاقم أو الطيار أو الصيانة أو العمليات الأرضية أو التأمين.
وأضاف هذا الشخص أن إبراهيم وصل إلى أبو ظبي في 11 ديسمبر/كانون الأول.
طائرة لبنانية ساهمت في عملية التهريب
وفقًا لأحد رجال الأعمال السوريين والمصدر المقرب من الأسد. وفي محادثة واتساب، فقد استأجر إبراهيم الطائرة من رجل الأعمال اللبناني محمد وهبي، وصف أحد مساعدي إبراهيم الطائرة بأنها “الطائرة اللبنانية”.
ويملك وهبي شركة “فلاينج إيرلاين إف زد سي أو” المسجلة كشركة في المنطقة الحرة بدبي، بحسب ملفه الشخصي على موقع لينكد إن.في أبريل ٢٠٢٤، حيث نشر محمد وهبي صورًا لطائرة C5-SKY على لينكدإن مع تعليق “مرحبًا”.
وفي يناير، كتب رجل الأعمال في منشور منفصل على لينكدإن أن الطائرة معروضة للبيع. وتم تسجيل الطائرة في غامبيا باسم شركة محلية، Flying Airline Company، اعتباراً من أبريل/نيسان 2024. وتُظهر سجلات تتبع الرحلات الجوية أنه في الأشهر التي سبقت سقوط الأسد، طارت الطائرة إلى حليفة الأسد روسيا، التي تخضع حاليًا لعقوبات طيران غربية بسبب غزوها لأوكرانيا.
وبحسب السجلات الغامبية، فإن شركة فلاينج ايرلاين مملوكة بنسبة 30% لرجل الأعمال اللبناني أسامة وهبي، وبنسبة 70% للمواطن العراقي صفاء أحمد صالح.
وتُظهر مواقع التواصل الاجتماعي أن لمحمد وهبي ابنًا يُدعى أسامة، ويعمل أيضًا في قطاع الطيران. فيما لم تتمكن رويترز من التأكد مما إذا كان هو نفس الرجل المسجل في سجلات غامبيا.
وفي اتصال مع رويترز، نفى محمد وهبي أي علاقة له برحلات C5-SKY من وإلى سوريا، وقال لرويترز إنه لا يملك الطائرة، بل يستأجرها “أحيانًا” من وسيط، رفض الكشف عن اسمه.
ولم يُجب على أسئلة حول ما إذا كان ابنه متورطًا.لم يُجب أسامة وهبي على طلب التعليق. ولم تتمكن رويترز من تحديد مكان صفاء أحمد صالح.