ماجرى في سوريا خلال الأسابيع الماضية أشبه بمعجزة لا يصدقها العقل أو ربما بزلزال هز القوى الإقليمية والدولية، جاء السقوط المفاجئ بعد قيام ثورة ضد نظام الأسد دامت قرابة14 عام ، وسوف يُسجل تاريخ سقوط الأسد المخلوع بأنه أكبر صدمات التاريخ المعاصر والتي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، بدأ سقوط الأسد بالسيطرة على حلب لتبدأ أحجار الدومينو بالتساقط تباعا وسريعا وصولا لهرب بشار الأسد.
لماذا حصل الانهيار السريع لنظام بشار الأسد؟ وأين كانت إيران وروسيا مما حدث؟
من خطط للهجوم اختار توقيتاً قاتلا هجوم هيئة تحرير الشام على نظام الأسد يوم27 نوفمبر يشبه هجوم حماس في 7 اكتوبر على إسرائيل مع فارق واضح جداً أنّ الأسد لا يملك قدرات إسرائيل في استعادة توازنها وتعويض خسائرها ، وجه الشبه في المفأجاة وحجم الهجوم، لم يتوقع أحد أن تهاجم الفصائل المسلحة المعارضة لنظام الأسد المخلوع ومن كان يتوقع هذا الاحتمال لم يتوقعه بهذا الحجم ، حلفاء بشار المخلوع لم يهبوا لنجدته، فروسيا التي سحبت الآلاف من قواتها من سوريا بعد غزوها لأوكرانيا في2022 منهكة ومشغولة بحربها ضد الغرب على الأراضي الأوكرانية ولم تعد هناك مجموعة فاغنر التي لعبت دوراً مهماً في دعم نظام الأسد ، نتذكر أن مجموعة فاغنر تم تصفية قياداتها بعد محاولة تمردها على بوتين في يونيو 2023 وبالتالي ثعب على الروس إنقاذ رجلهم في دمشق، بالإضافة لتعرض حزب الله لضربة كبيرة على يد إسرائيل فقد فيها معظم قياداته من الصف الأول وآلاف من مقاتليه ودُمرت مخازن سلاحه في سوريا ولبنان، كما فقدت إيران العديد من كبار قادتها في سوريا بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية وكان أخرهم قائد عملياتها في سوريا “العميد هاشم بور هاشمي ” الذي قتل في ثاني أيام عملية ردع العدوان على حلب في28 نوفمبر وأي قوات يمكن لإيران حشدها كانت ستكون في مرمى نيران إسرائيل التي تعتبر أي تجمعات إيرانية في سوريا خطراً مباشراً عليها ونضيف إلى ذلك أن الضربات الإسرائيلية المباشرة على إيران في أبريل أو في 26 اكتوبر الماضيين ربما أثرت على القدرات العسكرية الإيرانية.
ماهو المغزى من توقيت ردع العدوان على نظام الأسد المخلوع؟
يوم27 نوفمبر بقيادة هيئة تحرير الشام هو نفس توقيت سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ، وهذا يعني أن من خططت للهجوم أراد أن يستفيد من أمرين ويتجنب امر ثالث يستفيد من الإرهاق الذي أصاب حزب الله عسكرياً ويستفيد من بنود وقف إطلاق النار الذي يقيد حركة حزب الله في الانتقال إلى سوريا وبحال تم نقل جنود أو أسلحة من قبل حزب الله سيكون خرقاً للإتفاق، ويستفيد من امر ثالث سياسيا وهو ألا يُرى في معسكر واحد مع إسرائيل ضد حزب الله وميليشيات إيران الموالية لنظام الأسد .
وتفسير اختيار توقيت الهجوم تقريبا محل اجماع كل المراقبين والمسؤولين في حكومات مختلفة كالمستشار جاك سليفن مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي قال” كان نظام الاسد يحضى بدعم ثلاث لاعبين رئيسيين إيران وروسيا وحزب الله وهؤلاء الأطراف الثلاثة انشغلوا واضعفها الصراعات في أماكن أخرى وبالتالي ليس من المستغرب ان نرى جهات فاعلة في سوريا تحاول الإستفادة من ذلك”،وهذا بالضبط مافعلوه الحرب فرص ويجب ان تستغل هذه الفرص.
ردع العدوان عملية جرى الإستعداد لها طويلا
شبهنا ماحدث في 27 نوفمبر ب7 اكتوبر ظهر هجوم قوات المعارضة السورية المسلحة تحت قيادة هيئة تحرير الشام بالمفاجئة ولكنه اتضح من حجمه وتنظيمه أنه جرى التخطيط له جيداً منذ زمن طويل وتخطيط ربما تكون خلفه ايضا دول، وهيئة تحرير الشام كانت تسعى لإنشاء جيش شبه نظامي مثلا انشأت في2021 كلية عسمرية في إدلب وانشأت وحدات قوات خاصة سمتها العصائب الحمراء وتمكنت من تسليحها بمعدات متكورة لتنفيذ العمليات الليلية والغارات الخاكفة خلف خكوط العدو، الأسلحة هذه ليست أسلحة سهلة واهتمت باستخدام الطائرات المسيرة وكان لافتاً إعلان هيئة تحرير الشام في اليوم الأول من المعركة وهو27 نوفمبر من خلال مقطع مصور عما سمته بكتائب الشاهين المسؤولة عن استخدام سلاح المسيرات خلال عملية ردع العدوان وهذه أول مرة تعلن فيها بشكل رسمي عن إمتلاكها واستخدامها المسيرات في عمليات عسكرية هجومية، وحدة الشاهين حظيت باهتمام كبير من دول مختلفة ومنها إسرائيل التي صحفها افردت مساحات كبيرة لهذه الوحدة .
من دعم قوات المعارضة من القوى الدولية وبارك سقوط الأسد؟
يبقى السؤال المهم من يقف وراء هذا الهجوم من القوى الدولية كل الأصابع تشير إلى تركيا وإذا اعتبر هذا الدعم اتهام كما يدعي البعض فهو مبني على فردية منكقية معظم هذه الفصائل التي شاركت في الهجوم على نظام الأسد هي بدرجات مختلفة واقعة تحت النفوذ التركي ويصعب أن تقوم بمثل هذا الهجوم دون مباركة أنقرة ولكن أنقرة تنكر وانكارها يجعلها أمام ثلاثة سيناريوهات الأول أنها تكذب وأنها بالفعل تقف وراء هذه العملية لإعادة تشكيل سوريا بأكملها بشكل يناسب مصالحها، تركيا مقل دول كثيرة لا تريد إيران في سوريا وشجعها على ذلك أن روسيا مضغوطة في أوكرانيا وإيران في وضع ضعيف بعد ماجرى لحزب الله طوال عام من القتال مع إسرائيل وبالتالي التوقيت مناسب جداً لإعادة تشكيل توازن القوى في سوريا لصالحها وتحقيق أهداف الرئيسية هناك والتي هي ضرب ميليشيات قسد التي تتهم تركيا بأنها تسعى للانفصال وتأسيس دولة على حدودها والتخلص من اللاجئين السوريين بالعودة إلى أراضيهم. أما السناريو الثاني أن هيئة تحرير الشام تجاوزت تركيا وفاجئتها بالهجوم لقناعتها أن العلاقات كانت تتحسن بين الاسد وتركيا في الأشهر الأخيرة وهشيت من وجود اتفاق بين الأسد وتركيا تسمح بموجبه تركيا لنظام الأسد بإستعادة السيطرة على مناطق المعارضة المسلحة السورية وبالتالي بادرت بهجوم استباقي لإجهاض هذا المخطط . وبما هناك أيضا حسابات داخلية لهيئة تحرير الشام في إدلب التي شهدت اضطرابات في الفترة الأخير وكانت مظاهرات ضد أبو محمد الجولاني ربما كان من شان هذه العملية تشحد القوى الداخلية في إدلب حوله مرة أخرى. ثالث السيناريوهات أن انقرة فعلا فوجئت بما حدث ولكن لأنها لم تتوقع نجاحه بهذا الشكل أي انها فقد باركت أو لم تمانع في عملية محدودة ضد قوات نظام الاسد لتحقيق أهداف محدودة منها الضغط على بشار الأسد للإستجابة لمطالبها لكنها فوجئت بمدى ضعف قوات نظام الأسد وهشاشتها وانهياره كله خلال عدة أيام ، كان دور تركيا وهذا يقين لها دور كبير لكن أياً كان حجم هذا الدور فمن الواضح جداً أنها راضية عما حدث ونسقت بدرجات مختلفة مع القوى الأخرى الفاعلة الولايات المتحدة وإسراىيل وروسيا .
أحجية الموقف الروسي مما حدث
روسيا كانت ترحب بإضعاف النفوذ الإيراني لكنها أيضا كانت تحتاج إلى بعض النفوذ والحضور الإيراني هي كانت ترعم بشار الأسد ولكنها كانت محبطة منه، الحسابات الروسية تفهم باختصار أنه من الجيد إضعاف القوات الإيرانية في سوريا وبالتالي النفوذ الإيراني هناك حتى يتمكن الروس من توجيه دفة السياسة السورية التابعة لنظام الاسد بعيدا عن الحسابات الإيرانية المعقدة وذلك من شأنه أن يسهل مسألة إعادة إعمار سوريا الذي هو أمر حيوي لروسيا فالروس كانوا يريدون سوريا مستقرة وليست ساحة معارك بين إيران واسرائيل وقوات المعارضة المسلحة لكن نظريا ما كان لهم أن يستفيدوا من تدمير كل القدرات الإيرانية التي قد تحتاجها لدعم بشار الأسد من ناحية ثم أن تعاونها في هذا الأمر مع قوى معادية لإيران من شانه أن يضعف تعاون إيران مع روسيا في ملفات أخرى كثيرة منها الحرب في الأوكرانيا، روسيا كانت تدعم الاسد لكنها كانت محبطة منه لأنها كانت تأمل أن يتجاوب معها في التصالح مع المعارضةوتمهيد الأجواء لعودة النازحين والاجئين حتى يتم التصالح مع تركيا ودول الخليج مايمهد لرفع العقوبات الدولية وبدء إعادة الإعمار التي كانت تامل أن تستفيد منه. تبقى هذه مجرد احتمالات وكان فعلا مشغولة فقد بأوكرانيا ولم تكن مستعدة لمزيد من الاستثمار بدعم بشار الأسد أو أنها تلبت ضمانات من أطرال أهرى مثل تركيا وحلفائها من فصائل المعارضة المسلحة بأن مصالحها في سوريا أمنة في سوريا إذا تخلت عن الأسد وقد تكون حصلت على ضمانات أمريكية بتنازلات في اوكرانيا.
إيران الخاسر الأكبر من سقوط النظام البائد
إيران منيت بهزيمة استراتيجية مؤلمة يعني ليست مجرد معركة استراتيجية على المدى البعيد ولن تستطيع استعادة توازنها في سوريا فإيران خاسر صافي حتى هذه اللحظة، هدف أساسي لكل لأطراف الخارجية التي دعمت هذا الهجوم أو باركته هو ضرب النفوذ الإيراني في سوريا نلاحظ أن ضعف حزب الله اغرى المهاجمين بضرب النظام وسيضعف حزب الله أكثر لأن نظام الأسد كان يمرر السلاح الإيراني لحزب الله ولم يعد هذا النظام موجودا الآن.
وفي الختام بعيداً عن كل التحليلات والتوقعات اليوم يوجد شعب في سوريا نال حريته وتخلص من نظام أوغل بقتلهم.