على أبواب مرحلة جديدة.. اثنا عشر يومًا هزّت سورية

فريق التحرير14 ديسمبر 2024آخر تحديث :
علم الثورة السورية وجموع من السوريين يحتفلون في ساحة الأمويين بدمشق

شكّلت الأيام الاثني عشر، بين 27 تشرين الثاني و8 كانون الأول 2024، تطورًا مفاجئًا في نتائجه التي لم تكن متوقعة ولا مأمولة لدى معظم السوريين، وقد وضعت تلك التطورات حدًا لاستبداد بدأ مع الانقلاب العسكري ليل 8 آذار 1963، وأخذ أبعادًا أكثر سلبية منذ استيلاء حافظ أسد على السلطة في تشرين الثاني 1970، ثم ازداد الوضع سوءًا بعد توريثه السلطة لولده، فاقد الأهلية، بشار الأسد، في تموز سنة 2000.

لقد سقط نظام الأسد أخيرًا، وتحقّق بذلك حلم السوريين بالحرية التي خرجوا منادين بها في آذار 2011، ويأمل السوريون أن يكون الاستبداد قد ذهب إلى غير رجعة، تحت أي شكل أو مسمى أو زعم كان، سواء أكان قوميًا أم دينيًا أم ثوريًا. وفتح سقوط نظام الاستبداد أبواب المستقبل أمام سورية، بعد أن أغلقها سنين طويلة.

السقوط السريع لنظام الأسد يؤكد هشاشة قواته التي بدت في معظم المعارك عاجزةً عن المواجهة والقتال، حيث استسلمت وتركت أرض المعركة أمام قوات المعارضة الزاحفة من شمال غرب سورية باتجاه حلب ثم حماة فحمص فدمشق، خلال 12 يومًا فقط، وأبرزت مقدار ضعف نظام الأسد واعتماده الكامل على الدعم الروسي والإيراني الذي انقطع عنه أخيرًا لأكثر من سبب، فهوى بسرعة مدهشة، ما قلّل عدد المعارك والضحايا. وهكذا حرّر الشعب السوري نفسه بنفسه، من دون الاعتماد على تدخل أجنبي مباشر، كما في العراق وليبيا.

لقد وضع هذا التغيير سورية على أعتاب مرحلة جديدة كليًا، مرحلة تحتمل أكثر من وجهة، وأكثر من احتمال في تطورها القادم، وتواجه سورية كمًّا كبيرًا من التحديات الصعبة التي تتطلب كثيرًا من الرشد والعمل والتعاون بين جميع السوريين لمواجهتها وتجاوزها.

ما يزال من المبكّر تقديم تقييمات وإطلاق أحكام قطعية، ومن الحكمة عدم نشر التشاؤم في لحظات تاريخية كهذه، ولكن ثمة حاجة لتناول الاحتمالات والمخاطر، كي يتلمّس السوريون مستقبلهم، فهذه مصلحة شعب ومستقبل بلد، ومن الضروري تقديم رأي ورؤية، بما يُعتقد أن سورية تحتاج إليه الآن، وكذلك ما تحتاج إليه الجماعة التي أمسكت بزمام الأمور أخيرًا. فالأمر متعلّق بمستقبل شعب عانى طويلًا من أهوال الاستبداد، وبدولة ضعيفة المؤسسات، يواجهان حالة من اللايقين، على الرغم من الأجواء الاحتفالية المستحقة.

أولى إجراءات السلطة الجديدة:

ما يعدّ مؤشرًا أوليًا إيجابيًا هو السلوك المسؤول والسمة العامة الإيجابية الهادئة البعيدة عن الثأر والانتقام، التي اتسمت بها معالجات قوات غرفة “ردع العدوان” التي سيطرت على المدن الرئيسية في سورية، حلب وحماة وحمص ودمشق واللاذقية، وحرصها على تحقيق الاستقرار وضبط الأمن ومنع الفوضى، بالرغم من وجود بعض التجاوزات التي تحتاج إلى مزيد من الضبط، ونجحت في طمأنة السوريين وكسب ثقة الناس، وغاب عنها سلوك الانتقام، وقامت بإجراءات وقدّمت تطمينات لقيت ارتياحًا لدى السوريين، مثل الحرص على حماية مؤسسات الدولة والأملاك العامة والخاصة، والسعي لتأمين الخدمات العامة، وإعادة المؤسسات العامة والأسواق إلى عملها الطبيعي، وتنظيف السجون من عشرات آلاف المعتقلين، وإعلان إجراءات إخراج الفصائل من المدن، وتولّي الشرطة ضبط الأمن داخل المدن والبلدات، والتشديد على مكافحة الفساد، وتقديم وعود بحل مشكلة الكهرباء خلال شهر، وتصريحات أحمد الشرع بإمكانية حلّ “هيئة تحرير الشام”، في حين اتسم سلوك العديد من أفراد فصائل “الجيش الوطني” في غرفة “فجر الحرية” بالتجاوزات على الأفراد والأملاك العامة والخاصة، إضافة إلى بعض الأفراد الطامعين في استغلال الظرف الحالي، للقيام فكانت موضع انتقادات كثيرة.

وبالرغم من أنّ السلطة الواقعية الجديدة التي يقف على رأسها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقًا) لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات بعد، بما يظهر توجهها الفعلي، وعلى الرغم من أن تصريحات أحمد الشرع وأحاديثه تعدُّ مطمئنة، فثمة حذرٌ من أن تكون “هيئة تحرير الشام” هي من يتصدر المشهد. ويقف على رأس الفريق المسيطر على السلطة اليوم أحمد الشرع الذي كان حتى الأمس يدعى “أبو محمد الجولاني”، وكانت الهيئة تسمى “جبهة النصرة”، وكانت في الماضي تبايع تنظيم القاعدة، بعد أن تمرّدت على “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق”، والقوة العسكرية التي تتشكل منها فصائل وأفراد غرفة عمليات “ردع العدوان” هي سلفية جهادية، ويعدّ النظام الذي أقيم في إدلب أقرب إلى الإمارة الإسلامية، وجميع الكوادر التي تتواصل مع المجتمع السوري تنتمي إلى ذلك الفكر. وقد قدّم أحمد الشرع خطابه الأول، يوم سقوط النظام (الأحد 8 كانون الأول 2024)، من داخل المسجد الأموي، وليس من ساحة عامة يجتمع فيها مختلف السوريين، وأهدى “هذا النصر” إلى الأمة الإسلامية، ولم يُهده إلى الشعب السوري، وإلى أمهات شهداء الثورة السورية، مما جعل البعض يسأل: هل يمكن لأحمد الشرع أن يخرج من ثوب أبو محمد الجولاني؟ لكن ثمة دلائل إيجابية مثل دعوته “الشعب السوري العظيم” للاحتفال بسقوط النظام، يوم الجمعة 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

محاولات الطمـأنة جيدة وتُستقبل بارتياح. ولكن الحقوق المرساة في القانون والدستور أضمن من الطمـأنة التي تأتي من طرف سياسي فاعل إلى متلقين مستقبلين، لا إلى مواطنين أصحاب حقوق تحترمها السلطة.

وسّع الشرع صلاحيات حكومة الإنقاذ في إدلب لتصبح حكومةً لعموم سورية، وهي حكومة من لون واحد من دون إشراك أي أطراف أخرى، ما أثار التساؤل عن نموذج إدلب: هل سيكون هو النموذج الذي ستحكم به سورية؟ ويتخذ الشرع قراراته منفردًا حتى الآن، ويمكن تبرير ذلك بالحاجة الملحّة إلى ملء الفراغ والتنفيذ وسرعة ضبط الأمن وضمان استقرار السلطة الجديدة من جهة، وضرورة تأمين مستلزمات الحياة وتحسين الخدمات لكسب ثقة السوريين من جهة أخرى. وثمة مسألة ما تزال غير واضحة: هل حكومة الإنقاذ هذه هي لتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة انتقالية قريبًا، أم هي الحكومة الانتقالية التي ستبقى الى حين استكمال الانتخابات. ومن جهة أخرى، صرّح الشرع يوم 11 كانون الأول بأنه سيؤسس حكومة تكنوقراط تستوعب مختلف كفاءات الشعب السوري، وهذا أفضل من حكومة ذات لون سياسي واحد، بالرغم من أن التكنوقراط لا يحلّ محل التمثيل. ولم يعلن الشرع أي برنامج بعد، ولم يتحدث عن تشكيل أي هيئة تمثيلية انتقالية تمثل مختلف أطياف الشعب السوري.

ثمة معايير حدّدها الشعب السوري تشكّل بوصلةً لتوجيه سلوك أي قيادة جديدة لسورية بعد زوال استبداد الأسد، فقد صدحت حناجر السوريين “حرية … حرية … حرية”، وهي تعني الحريات العامة في التنظيم والتعبير وقيام نظام سياسي ديمقراطي، كما صدحت حناجرهم بشعار “واحد.. واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد”، وهي تعني المواطنة المتساوية لجميع السوريين، لا أقليات وأكثريات ثابتة بحكم المولد، فالجميع سوريون متساوون، والأقلية والأكثرية مفهوم سياسي، لا مفهوم ديني أو طائفي، مع ضرورة إيجاد السبل لتمثيل التنوع، أي عدم حرمان مواطنين من المشاركة لأسباب إثنية أو جهوية أو بسبب الانتماءات الدينية والمذهبية. والشعب السوري بعد كل تلك التضحيات التي قدّمها يستحق أن يحكم نفسه بنفسه في نظام حكم قائم على الحقوق والحريات العامة في التعبير والتنظيم، وأن تسعى القوى والفصائل الثورية إلى إيصال الشعب لغاياته.

إن هذا الانتصار في 8 كانون الأول 2024 هو تتويجٌ لنضالات لمناضلين ضد استبداد البعث-الأسد، دفعوا أثمانًا كبيرة منذ 1963، وعلى الرغم من الجهد العظيم الذي قامت به غرفة ردع العدوان وغرفة فجر الحرية، وهما صاحبتا الفضل الأكبر في الإعداد والتنظيم وإطلاق الطلقة الأخيرة على نظام الأسد وإسقاطه، فإنّ الوصول إلى هذه النتيجة التي انتظرها الشعب السوري طويلًا قد أسهم فيه أيضًا ملايين السوريين، ولا سيّما بعد انطلاق الثورة 2011، بدءًا من الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع في مواجهة الرصاص، مطالبين بإسقاط النظام، والذين اضطروا إلى حمل السلاح نتيجة إيغال النظام في دم السوريين، وسقط منهم أكثر من نصف مليون قتيل، وقرابة مليوني جريح، فضلًا عن مئات آلاف المعتقلين والمخفيين قسريًا، وعانى نحو 13 مليون تبعات النزوح الداخلي أو اللجوء إلى الخارج. ويأمل أبناء وبنات الشعب السوري كلّه بأن تمنحهم السلطة الجديدة التمثيلَ وحقّهم بالمشاركة.

تحديات كثيرة:

تواجه سورية اليوم وغدًا تحديات هائلة لإعادة الإعمار المادي والمجتمعي، لا يمكن مواجهتها بدون مشاركة الجميع، وأوّل هذه التحديات استعادة وحدة التراب السوري، واستعادة الأمن والاستقرار، وحظر وجود تنظيمات مسلحة خارج سلطة الدولة، واحتكار الدولة للسلاح الشرعي، ضمن شرط وحدة سورية ووحدة أراضيها، والتفاهم على سحب القوات الأميركية من شرق شمال سورية،وإعادة الإعمار المادي لما دمرته الحرب، إضافة إلى التركة الثقيلة التي خلفها وراءه نظام الأسد على مدى أربعة عقود قبل الحرب، فضلًا عن أعباء إعادة الإعمار المجتمعي، بعد أن ألحقت الحرب بالمجتمع السوري شروخًا عميقة، وتطبيق العدالة الانتقالية ومحاسبة كبار المجرمين، والتسامح مع من بقي.

وتواجه سلطات المرحلة الانتقالية تحدّي إعادة هيكلة الجيش الوطني، وليس حلّه، كما حدث في العراق، وتحدي تضخّم أعداد المقاتلين، سواء أكانوا أفراد جيش النظام أم أفراد فصائل المعارضة في غرفة ردع العدوان وغرفة فجر الحرية، ومقاتلو (قسد) وغيرهما. ومن دون استيعاب الفائض منهم في وظائف وأعمال تؤمن لهم دخل، لن يتخلوا عن أسلحتهم.

يشكّل تحدي إعادة بناء مؤسسات الدولة واستمرار عملها، وإعادة الحياة اليومية للمجتمع السوري، تحديًا صعبًا آخر، إذ يتطلب تأمين الماء والغذاء والدواء والكهرباء، كما يتطلب العودة السريعة للمدارس والجامعات، وتوفير وسائل النقل والاتصال. ولا تبدأ سلطات المرحلة الانتقالية من الصفر في هذه المجالات، فثمة مؤسسات قائمة، وكفاءات ومقدرات سورية يمكن تحشيدها ضمن الجهود الوطنية في مرحلةٍ يمكن فيها إقناع الجميع بخدمة الوطن في أجواء من الحرية.

يُقدّر تمويل إعادة الإعمار بأكثر من مئة مليار دولار، لا يكاد يتوفّر منها شيءٌ في خزينة الدولة السورية التي أهدرها الأسد ونظامه، وسيتطلب تأمين هذه الأموال التي ستموّل إعادة الإعمار، التي ستستغرق أكثر من عقد، اكتساب ثقة السوريين في الداخل والخارج، وجذب رجال الأعمال السوريين وبعض الدول الصديقة للمساهمة في اكتساب ثقة دول مجلس التعاون، وبناء علاقات إقليمية جديدة، واعتراف المجتمع الدولي وثقته، ورفع العقوبات، وضمان تقديم المساعدات.

إن القدرة على مواجهة هذه التحديات الكثيرة تتطلب مشاركة سورية واسعة، وتتطلب علاقات حسنة مع الدول العربية ودول الإقليم وأقطاب المجتمع الدولي وسلطة شرعية لديها برنامج مجمل.

تحتاج سورية التي تواجه تلك التحديات الهائلة إلى مشاركة جميع السوريين، من أجل مواجهة التحديات وإعادة بناء سورية، وتتطلب مشاركة الجميع سيادة مناخات من الحريات العامة في التعبير والتنظيم، بما فيها من حرية الاعتقاد وقيم المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، وتتطلب وجود نظام تعددي يقوم على تداول السلطة سلميًا، من خلال انتخابات ديمقراطية حديثة يجب أن تأتي في حينها من دون تسرّع، ضمن برنامج معلن للسلطة الجديدة التي تقلدت الأمور بحكم الأمر الواقع.

الحاجة إلى سلطة تكتسب شرعيتها وتعلن برنامجها:

تعدّ الشفافية والشرعية ركنين أساسيين في تكوين الثقة بالسلطة الجديدة، في حين يخلق الغموض حالة من الشك وعدم اليقين، حيث لم تعلن السلطة الجديدة آلية اتخاذ القرار ولا الهيئات أو المؤسسات التي تصدر القرارات.

من جهة أخرى، يتوفر للسلطة الجديدة أساس قانوني أممي سيُكسبها شرعية أممية في لجوئها إليه، وقيامها على أساسه، وهو القرار 2254 الذي رفض النظام قبوله عمليًا، ويمكن أن تعلن السلطة الجديدة، التي استولت على زمام الأمور في سورية، الالتزام بما جاء فيه، وهو ينص على وحدة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي، وينصّ على الانتقال السياسي تحت قيادة سورية، وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، وإقامة هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية، وحكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وصياغة دستور جديد، وانتخابات حرة ونزيهة تجرى، وفق الدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة، وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، ومنهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية، وتأهيل المناطق المتضررة، وفقًا للقانون الدولي، ويحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الصدد. ولا نقول إن على السلطات السورية تنفيذ الاتفاق بحذافيره، فلم يعد النظام السابق طرفًا، ولا حاجة إلى وسطاء دوليين، ولكن يمكن لسلطات المرحلة الانتقالية أن تستند إليه، وأن تلتزم بروح القرار، ولا سيما ما يتعلق بهيئة حكم انتقالية غير طائفية وذات مصداقية وصياغة دستور جديد يكفل حقوق السوريين وحرياتهم.

على هذا الأساس، يمكن أن تبادر السلطة الجديدة في سورية إلى إعلان برنامجها، وهي لم تعلنه بعد، بما يطمئن السوريين أولًا، والعرب والدول الإقليمية والمجتمع الدولي ثانيًا، على أن يتضمن عقد مؤتمر وطني، يسمى أعضاؤه بالتوافق، بحيث يمثّل أوسع قطاعات الشعب السوري، وتنشأ عنه جمعية وطنية، يصدر عنها إعلان دستوري مؤقت، ينص على الالتزام بوحدة سورية واستقلالها، وتنوعها الثقافي والعرقي والديني، والتأكيد على مدنية وديمقراطية الدولة، وتداول السلطة سلميًّا، وسيادة القانون والمساواة والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان وفقًا للأعراف الدولية، وتشكيل مجلس عسكري يدمج فصائل المعارضة، ويضمن حلّها تمامًا، ويضمّ ضباطًا منشقين وضباطًا من جيش النظام ممّن لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين، وتشكيل حكومة مؤقتة انتقالية، بالتشاور مع القوى السياسية في الداخل والخارج، تتولى السلطة التنفيذية، إلى حين إصدار دستور جديد، وهذه الجمعية تضع مشروع الدستور الجديد وتعرضه على الاستفتاء العام، بحيث تلتقي الشرعية الثورية مع الشرعية الأممية، وتضع قانونًا للانتخابات وتشكل هيئة انتخابات، وتضع قانون أحزاب جديدًا وقانونًا للمنظمات النقابية والجمعيات، وتدعو بعد ذلك إلى انتخابات وتهيء الجوّ لها، وتضمن سلامتها مع دعوة منظمات دولية للإشراف عليها، على أن يحرص البرنامج على الحفاظ على المؤسسات الوطنية القائمة، وإنشاء آليات رقابة مستقلة لضمان احترام الحقوق المدنية والسياسية، وتشكيل مجلس لإعادة الإعمار، والبدء بمسار عدالة انتقالية، من خلال تشكيل هيئة خاصة بها، وتشكيل مجلس أعلى للقضاء ومحاكم من قضاة يتصفون بالنزاهة والحياد، ووضع خطة لتعويض المتضررين، وكشف مصير المفقودين، وإلغاء عدد كبير من القوانين والتشريعات والأحكام التعسفية التي أصدرتها السلطة السابقة على مدى 60 عامًا.

في هذه المرحلة، هناك مهام وتحديات اقتصادية لا بدّ من العمل عليها، إذ ينبغي على المصرف المركزي السوري أن يعلن سريعًا سياسة نقدية تتضمن تثبيت مبادئ أساسية كي تسود الليرة السورية في كل سورية، ومن ضمنها مناطق إدلب وشمال سورية التي كانت تتعامل بالليرة التركية، كما ينبغي على كلّ البنوك الحكومية أن تعود إلى العمل، وأن يكون هناك إعلان مبادئ أساسية عن السياسات النقدية وسعر الصرف القابل للتداول، وليس كما كان في زمن حكم الأسد، وأن يبدأ العمل بدفع رواتب الموظفين بالليرة السورية، حتى يساهم ذلك في الاستقرار، والدخول مع (قسد) في مفاوضات ضمن إطار وطني يضمن احترام وحدة سورية وسيادتها. والتفاوض حول نموذج إدارة محلية يحترم التنوع الثقافي ويمنع النزعات الانفصالية. والتنسيق مع دول الجوار ودول اللجوء لتأمين عودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين. ووضع برنامج لإعادة إطلاق الاقتصاد الوطني ودعوة المستثمرين والصناعيين والتجار السوريين الذين غادروا البلاد خلال السنوات الماضية بالعودة والمساهمة في إعادة إعمار سورية، والعمل على استمرار الدعم الإنساني للمناطق المتضررة، ووضع برنامج لإعادة الاعمار، والانتفاع بالسوريين المهاجرين الدياسبورا السورية في إعادة بناء سورية الجديدة.

لن تكون التغييرات في سورية محلية فقط، بل ستعيد تشكيل التوازنات الإقليمية، وتواجه سورية المستقبل تحديات كبيرة، لكن تجاوزها ليس مستحيلًا إذا ما توفرت الإرادة السياسية والخطط الاستراتيجية. النجاح في تحقيق الاستقرار والاعتراف الدولي يعتمد على قدرة القيادة الجديدة على توحيد الجهود الوطنية، والتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية لضمان مرحلة انتقالية ناجحة تحقق تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة والتنمية.

الضمانة للسير للأمام:

فاعلية الناس وفاعلية المجتمع المدني، من أحزاب ونقابات وجمعيات، وروابط وانتشار الثقافة الديمقراطية والوعي الديمقراطي هي الضمانة. ويعدّ توفر الحريات العامة في التعبير والتنظيم المعيارَ والمقياس لضمان عدم عودة الوصاية على الشعب، والشرعية تستمدّ من الشعب، فقد ذهب استبداد الأسد، ويريد السوريون أن يكون ذهاب الاستبداد بكل صوره إلى غير رجعة، تحت أي شعار أو مسمّى. وأن تمثل السلطة الشعب، وتلتزم بالحقوق والحريات العامة. إن مناخ الحريات العامة وفاعلية المجتمع المدني ترفع من قدرة المجتمع السوري على الإنتاج المادي والروحي وتحقيق الازدهار والتقدّم.

اترك رد

عاجل