لم تعُد الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على حزب الله في جنوب لبنان، حرباً رادعة كما كان يسميها الإعلام الإسرائيلي سابقاً، بل باتت حرباً شاملة لم تدخر فيها تل أبيب معظم أسلحتها وتقنياتها الحربية المتطورة، فهل يعني هذا الامر تحوّلاً مباغتاً في سيرورة المواجهة؟ أم هدفاً إسرائيلياً قد تم التخطيط له سابقاً؟
قبل الإجابة على هذا التساؤل لا بدّ من مقاربة ما تريده حكومة بنيامين نتنياهو أولاً، أهي تهدف بالفعل إلى عملية عسكرية ترمي إلى إزالة الخطر الداهم من جانب حزب الله وبالتالي تعزيز الجانب الأمني لحدودها الشمالية فحسب؟ أم تريد إضعاف أو إنهاك قوات حزب الله لتحييدها عن معركة غزة، وبالتالي لا يكون حزب الله قادراً على فتح أي جبهة إسناد لحركة حماس في غزة؟
لعله من غير المستغرب القول إن ما عجز عن تحقيقه نتنياهو في مواجهات غزة، يسعى اليوم إلى تحقيق هدف مماثل له في جنوب لبنان، وليس غريباً الذهاب إلى أن الحرب الوحشية الإسرائيلية على غزة منذ قرابة سنة كاملة، لم تستطِع ان تمنح نتنياهو تحقيق أي منجز عسكري يتمثل بالقضاء على حماس أو إخراجها من غزة، كما لم يتحقق لحكومة نتنياهو أي منجز سياسي من شانه أن يعيد لها اعتبارها أمام الحاضنة الشعبية الإسرائيلية التي ما تزال ساخطة على حكومتها جراء هول عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، فضلاً عن فشل نتنياهو في استعادة الرهائن والأسرى الإسرائيليين الذي تحتجزهم حماس، والذين باتت عملية استعادتهم تجسّد مطلباً شعبياً إسرائيلياً محرجاً لحكومة تل أبيب.
إزاء هذا الفشل الإسرائيلي في حرب غزة، كان لا بد لنتنياهو من البحث عن مخارج أخرى يستعيد من خلالها اعتباره السلطوي اولاً، وكذلك تمكّنه تلك المخارج من تحقيق منجز ميداني بديلاً عما عجز عن تحقيقه في حرب غزة، ولعل مبادرة إسرائيل منذ نيسان/أبريل الماضي، باستهداف شخصيات قيادية رفيعة المستوى تابعة لحزب الله وإيران، جسّدت البداية نحو نقل المعركة إلى خارج فلسطين.
كما أن انكفاء إيران عن المشاركة الفعلية في معركة غزة، وكذلك تردد حزب الله في القيام بردّ عسكري يوازي خساراته البشرية، قد أغرى الحكومة الإسرائيلية بالانتقال من العمليات الانتقائية باستهداف الأفراد إلى حرب شاملة. وما عزّز اندفاعة إسرائيل نحو هذا التحوّل في سيرورة المواجهة، هو نجاحها في القيام بعمليات نوعية ضدّ الحزب، ربما تجسّدت تقنياً بتعطيل منظومة الاتصالات داخل قوات الحزب (عملية تفجير أجهزة “البايجرز”)، وكذلك القدرة على استهداف معظم قيادات الصف الأول بمن فيهم الأمين العام حسن نصر الله، وبهذا وجدت إسرائيل أن فرصتها في حصد منجزات عسكرية وسياسية يمكن ألّا تتكرر إن لم تبادر إلى اغتنامها، الأمر الذي جعلها تنتقل – بعد حربها الجوية التي أحدثت انهيارات سريعة لدى حزب الله، إلى اجتياح بري لعدد من بلدات وقرى الجنوب اللبناني، ساعيةً بذلك إلى تحقيق أمرين:
1 – الإجهاز على حزب الله كقوة عسكرية، وربما أتاح هذا الامر لنتنياهو حيازة أوراق قوّة تمكّنه من التفاوض على مستقبل حزب الله في لبنان.
2 – استعادة الثقة من الحاضنة الشعبية الإسرائيلية وتعزيز القناعة لديها بأن الحكومة قادرة على تعقّب مصادر الخوف والخطر، وكذلك قادرة على توفير الشعور بالأمان الذي طالما افتقده الشعب الإسرائيلي.
بالطبع لا يمكن تجاهل العوامل الدولية والإقليمية التي حاولت إسرائيل استثمارها، لعل أبرز تلك العوامل تماهي حكومة بايدن مع التوجهات الإسرائيلية على الرغم من الخطاب الأميركي الرسمي الذي كان على الدوام يدعو إلى وقف الحرب أو عدم امتدادها إلى خارج غزة، وكذلك لا يمكن إغفال انكفاء الدول الراعية والحليفة لحزب الله عن المشاركة المباشرة في المعركة، بل يمكن الذهاب إلى أن حرص إيران على انكفائها كان وراء عدم السماح لحزب الله باستخدام ترسانة الصواريخ التي زودته بها طيلة الفترة السابقة، أما انكفاء الحليف الآخر، أي نظام دمشق فلعله لا يحتاج إلى مزيد من التأويل، ذلك ان حرص نظام الأسد على تقديم صك حسن السلوك، إنما ينبثق من حرصه الكبير على تحاشي أي استهداف إسرائيلي لنظامه او قواته التي لا يعنيها في الوقت الحاضر، سوى الحفاظ على سلطة النظام.
معظم المعطيات الميدانية تؤكّد شروع إسرائيل بعملية برّية، فهل ستكتفي إسرائيل بتأمين تلك المنطقة وتحييدها ومن ثم جعْلها منطقة خالية من أي تواجد عسكري لبناني سواء لحزب الله أو غيره، أم أنها ستذهب إلى أبعد من ذلك؟
Sorry Comments are closed