مقدمة
في ظل التصعيد الأخير الذي تشهده المنطقة، بين حزب الله وإسرائيل، وقد بلغ ذروته في 23 أيلول/ سبتمبر 2024[1]، يُثار عدد من التساؤلات عن دوافع هذا التصعيد، وعن مدى تأثيره في المشهد الإقليمي والدولي، وعن احتمالات حدوث تدخلات عسكرية واسعة النطاق، قد تشمل قيام إسرائيل بعملية برية في جنوب لبنان.
من جهة، تأتي هذه المواجهات في سياق رغبة إسرائيل في تأمين حدودها الشمالية وردع أي تهديدات محتملة من قبل حزب الله، الذي يُعدّ الذراع العسكرية والسياسية الأقوى في لبنان والمدعوم بقوة من إيران. ومن جهة أخرى، يرى حزب الله أن هذه الاعتداءات تمثل محاولة إسرائيلية لفرض سيطرتها على الواقع الأمني والعسكري بالمنطقة، وتضييق الخناق على الحزب، ومنعه من تعزيز قوته العسكرية والسياسية.
والاغتيالات الأخيرة، ومنها مقتل إبراهيم عقيل (أحد القيادات البارزة في الحزب)، وإبراهيم قبيسي (قائد منظومة الصواريخ في الحزب)، وفؤاد شكر وغيرهم، تعتبر تحوّلًا جذريًا في مسار هذا الصراع، حيث إنها تشير إلى تحوّل في استراتيجية إسرائيل نحو استهداف قيادات الحزب بشكل مباشر، بغية إضعافه وكبح قدرته على الرد. وهذا التحول الاستراتيجي يفتح الباب أمام احتمالات جديدة للتصعيد، منها إمكانية التدخل البري، وهو ما سيكون له تداعيات كبيرة على الديناميات الإقليمية.
قبل التصعيد الأخير: الهجمات السيبرانية وحادثة اغتيال إبراهيم عقيل
اغتيل عقيل بغارة جوية إسرائيلية استهدفت اجتماعًا سريًا يضمّ عددًا من القيادات الميدانية، في أحد أحياء بيروت الجنوبية، وأسفرت الغارة عن مقتل عقيل وشخصيات بارزة أخرى. وكان لحادثة اغتيال عقيل أثر كبير على الحزب، نظرًا لدوره القيادي وخبرته العسكرية الطويلة، التي جعلت منه أحد العقول المدبرة للعمليات العسكرية ضد إسرائيل. وقد أدى اغتياله إلى تصعيد كبير في حدة التوتر، حيث اعتبر حزب الله الهجوم اعتداءً سافرًا على سيادته، ورسالة واضحة مفادها أن إسرائيل لن تتردد في استهداف قياداته أينما كانوا.
ويأتي هذا الاغتيال بعد سلسلة من العمليات العسكرية الإسرائيلية التي شملت استهدافات متعددة للبنية التحتية العسكرية واللوجستية لحزب الله، من ضمنها هجمات سيبرانية على شبكة اتصالاته (هجوم البيجر)، في 17 أيلول/ سبتمبر 2024، الذي خلّف أكثر من 10 قتلى، و2750 جريح، معظمهم من عناصر حزب الله، في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت[3]. وتلاه في 18 أيلول/ سبتمبر هجوم أجهزة الاتصالات (Walki-Talki)، وكان قد خلّف أيضًا العديد من القتلى والجرحى من عناصر حزب الله.
وفي ظل هذه الخسارة الكبيرة، جاء رد حزب الله سريعًا ومكثفًا، حيث أطلق أكثر من 100 صاروخ باتجاه شمال إسرائيل، متسببًا ببعض الأضرار[4]، ويعكس هذا التصعيد السريع إصرار حزب الله على المواجهة، وإظهار قدرته على الرد بقوة.
وعلى الرغم من خسارة الحزب لأحد قادته البارزين، تعدّ هذه الحادثة الشرارة التي أشعلت فتيل التصعيد الحالي، وفتحت الباب أمام احتمالات مواجهة أوسع، قد تتطور لتشمل عمليات عسكرية أكبر وأكثر تعقيدًا.
دوافع التصعيد الإسرائيلي: استراتيجيات متعددة لضمان الردع والسيطرة
في ظل التصعيد الحالي، تستند العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى مجموعة من الدوافع الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيق أهدافها الأمنية والسياسية. وتعكس هذه الدوافع رغبة إسرائيل في فرض هيمنتها العسكرية وتقويض قدرات حزب الله، وتحقيق مكاسب سياسية داخلية. وتتنوع هذه الدوافع بين التوجيه الاستباقي للضربات، واستعادة الردع، والضغط السياسي، وتحقيق أهداف داخلية.
وتأتي العمليات الإسرائيلية الحالية في سياق دوافع رئيسية عدة، منها:
- توجيه ضربات استباقية: تُعتبر الضربات الاستباقية عنصرًا أساسيًا في استراتيجية إسرائيل، حيث تسعى من خلالها إلى تدمير البنية التحتية العسكرية لحزب الله، وتقليص قدرته على شن هجمات مستقبلية على الداخل الإسرائيلي[5].
- استعادة الردع: تعتقد إسرائيل أن الهجمات الصاروخية الأخيرة من قبل حزب الله تشير إلى تآكل قدرتها على الردع، خاصة مع فشلها المستمر في تأمين عودة المستوطنين إلى المستوطنات الشمالية، بسبب هجمات حزب الله، مما يجعلها تبحث عن وسائل أكثر قوة لإعادة فرض هذا الردع. وإذا ما تطورت الحرب ووصلت إلى إجراء إسرائيل عملية برية في جنوب لبنان، فستكون العملية محاولة لتحقيق هذا الهدف، من خلال فرض تكلفة عالية على الحزب، ومنعه من التفكير في تصعيد مشابه في المستقبل.
- الضغط على حزب الله سياسيًا: من خلال توجيه ضربات موجعة إلى الحزب، تأمل إسرائيل في إحراج حزب الله سياسيًا أمام جمهوره وحلفائه، حيث إن استهداف القيادات العليا والقدرات العسكرية يهدف إلى تقويض مكانة الحزب داخليًا، مما قد يؤدي إلى تراجع شعبيته.
- تحقيق أهداف داخلية: على الصعيد الداخلي، تواجه الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو ضغوطًا سياسية واقتصادية كبيرة، وقد يكون التصعيد العسكري وسيلةً لتوحيد الصف الداخلي حول الحكومة، وتخفيف الضغط الشعبي، من خلال إظهار القوة في مواجهة التهديدات الخارجية[6].
السيناريوهات المحتملة: من التصعيد الشامل إلى الهدنة المؤقتة
في ظلّ التوترات المتصاعدة، يمكن أن تتطور الأوضاع إلى سيناريوهات عدة، تراوح بين تصعيد شامل يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة، وبين احتواء محدود أو حتى التوصل إلى هدنة مؤقتة. كل سيناريو يحمل في طياته تداعيات كبيرة على الاستقرار الإقليمي، ويعتمد على تفاعل الأطراف المختلفة مع التطورات الميدانية.
- تصعيد شامل: في هذا السيناريو، قد تتطور الأحداث إلى نزاع عسكري شامل بين إسرائيل وحزب الله، وقد يحدث هذا إذا ما قررت إسرائيل توسيع نطاق عملياتها العسكرية ورفع التصعيد، والاستمرار في استهداف قيادات حزب الله أو بنيته التحتية الحيوية، مثل مراكز القيادة أو مخازن الأسلحة. وفي هذا الوضع قد يرد حزب الله بهجمات أكثر شدة، تشمل استهداف المدن الإسرائيلية بالصواريخ الباليستية أو القيام بعمليات تسلل عبر الحدود.
هذا السيناريو قد يُشعل مواجهة أوسع تشمل أطرافًا إقليمية أخرى، مثل إيران التي قد تقرّر التدخل المباشر لدعم حزب الله. وفي هذا الوضع، قد يتدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لدعم إسرائيل، مما قد يؤدي إلى حرب إقليمية تشمل دولًا عدة في الشرق الأوسط[7].
- احتواء محدود: في هذا السيناريو، قد يواصل الطرفان تصعيدهما العسكري، ولكن ضمن نطاق محدود ومحسوب بدقة. حزب الله، على سبيل المثال، قد يستمر في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه أهداف عسكرية داخل إسرائيل، مع تجنّب استهداف المدنيين أو البنية التحتية الحيوية. إسرائيل، من جهتها، قد ترد بضربات جوية دقيقة تستهدف مواقع حزب الله العسكرية في جنوب لبنان، من دون توسيع نطاق العمليات.
هذا السيناريو يعتمد على وجود قنوات دبلوماسية مفتوحة بين الأطراف الدولية المؤثرة، قد تضغط على الطرفين لوقف التصعيد قبل أن يتحوّل إلى مواجهة شاملة، وقد تلعب الأمم المتحدة دورًا في التوسط لفرض هدنة مؤقتة أو دائمة بين الجانبين، التحدي الرئيسي في هذا السيناريو هو الحفاظ على ضبط النفس من قبل الطرفين، فالتحولات السريعة في ميدان المعركة، أو وقوع هجمات غير محسوبة، قد تؤدي إلى تجاوز الحدود المتوافق عليها ضمنيًا، مما يفتح الباب أمام تصعيد أوسع نطاقًا.
- هدنة مؤقتة: في هذا السيناريو، يمكن أن تبدأ الأطراف المعنية السعي نحو التهدئة التدريجية، وذلك بعد إدراكها أن التصعيد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة لا يمكن التحكم فيها، وقد تبدأ هذه التهدئة عبر وساطات دولية، حيث تضغط القوى الكبرى على الطرفين، لوقف الأعمال العدائية وبدء مفاوضات غير مباشرة، للوصول إلى تفاهمات حول القضايا العالقة.
في هذا الإطار، قد تشهد المنطقة هدوءًا نسبيًا، مع استمرار عمليات تبادل إطلاق النار بشكل محدود ومضبوط، في حين يجري التفاوض حول اتفاقيات تهدئة أو حتى تسوية سياسية طويلة الأمد، هذا السيناريو قد يتطلب تقديم تنازلات من كلا الجانبين، مثل قبول حزب الله بخفض مستوى عملياته العسكرية، مقابل وقف إسرائيل لعملياتها الجوية المكثفة. ونجاح هذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على وجود إرادة سياسية قوية لدى الطرفين، وعلى دعم دولي فعال يضمن تنفيذ الاتفاقات المبرمة. وقد يتطلب هذا السيناريو وجود رقابة دولية لضمان عدم حدوث خروقات من أي طرف.
احتمالات العمليات البرية:
رغم المخاطر الكبيرة التي قد تنجم عن شن عملية برية في جنوب لبنان، يبقى هذا السيناريو مطروحًا في ظل الظروف الحالية، والقرار الإسرائيلي يعتمد على مجموعة من العوامل المرتبطة بالتطورات الميدانية وردود الفعل الدولية[8].
- حجم الخسائر البشرية والمادية في الجانب الإسرائيلي: إذا ما استمرت هجمات حزب الله الصاروخية وأدّت إلى سقوط ضحايا وأحدثت أضرارًا جسيمة في الجانب الإسرائيلي؛ فقد تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة إلى المضي قدمًا في عملية برية، نتيجة للضغوط الشعبية والسياسية المتزايدة.
- مدى نجاح الضربات الجوية: إذا تبيّن أن الضربات الجوية غير كافية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المطلوبة، فقد ترى إسرائيل أن العملية البرية ضرورية لتحقيق التفوق العسكري، وإضعاف قدرات حزب الله بشكل فعال.
- الدعم الدولي: تلعب ردود الفعل الدولية دورًا حاسمًا في قرارات إسرائيل، ودخولها في عملية برية واسعة قد يؤدي إلى إدانة دولية واسعة، خاصة إذا ما أدت إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين اللبنانيين. ولذلك، ستأخذ إسرائيل في حساباتها موقف الولايات المتحدة وأوروبا، قبل اتخاذ قرار نهائي.
- الاستعدادات الميدانية: تشير التقارير إلى وجود حشود عسكرية إسرائيلية على الحدود، مما يعكس استعدادًا لتنفيذ هذا السيناريو إذا دعت الحاجة، هذه الاستعدادات تؤكد أن إسرائيل جادة في تحضير نفسها لمثل هذا الاحتمال، وإن كان من الصعب توقع توقيته بدقة[9].
ردود الفعل المحتملة من حزب الله وإيران: بين الدفاع والهجوم، والتخطيط الاستراتيجي لإيران
في حال قررت إسرائيل تنفيذ عملية برية في جنوب لبنان، فإن ردة فعل حزب الله قد تكون عنيفة ومتعددة الأبعاد، حيث يمتلك الحزب ترسانة من الأسلحة والصواريخ المتطورة التي قد يستخدمها لضرب أهداف استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي، من ضمنها تل أبيب ومدن حيوية أخرى. ومن المتوقع أن يرد الحزب على الهجوم الإسرائيلي باستخدام صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وحتى صواريخ بعيدة المدى، بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار، وإرباك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، هذه الخطوة قد تكون جزءًا من استراتيجية تهدف إلى إثبات قوة الحزب وقدرته على الردع، رغم الخسائر الكبيرة التي قد يتكبدها.
وإضافة إلى ذلك، يمتلك حزب الله خبرة طويلة في استخدام تكتيكات حرب العصابات التي أثبتت فعاليتها خلال حرب 2006، وهي تعتمد على وحدات صغيرة متنقلة تستخدم التضاريس الجبلية لشن هجمات مباغتة على القوات الإسرائيلية، هذه التكتيكات يمكن أن تشمل الكمائن، والهجمات الليلية، واستخدام العبوات الناسفة، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة كلفة العمليات البرية الإسرائيلية وإطالة أمد المواجهة، ويُحوّل العملية البرية إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، ولكن إذا أقدمت إسرائيل على تلك الحرب، فهذا يعني تصميمها على القضاء على الحزب.
التوجهات الإيرانية بين الغموض والتخطيط الاستراتيجي
يكتنف الموقف الإيراني تجاه التصعيد الإسرائيلي حالة من الغموض المتعمد، وقد يكون ذلك جزءًا من استراتيجية أوسع لتجنب الانجرار إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة، مع المحافظة في الوقت ذاته على دعم حليفها اللبناني، وقد يكون هذا الغموض جزءًا من سياسة “التخدير الاستراتيجي”، حيث عمدت إيران من خلال العديد من التصريحات الرسمية على إظهار صمتها الحالي بأنه الفترة التي تسبق الرد المفاجئ، ومن جهة أخرى، قد يعكس هذا الغموض ترددًا إيرانيًا في التصعيد، خشية التورط في مواجهة لا تُحمد عقباها، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية التي تواجهها إيران.
خيارات إيران في هذا السياق ليست كثيرة، لكنها تسعى للحفاظ على توازن دقيق، بين دعم حزب الله من جهة، والمحافظة على قواعد الاشتباك المعروفة من جهة أخرى، وتجنّب الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة قد تُعرّض نفوذها ومصالحها الاستراتيجية للخطر. وفي هذا السياق، من المتوقع أن تستمر إيران في تقديم الدعم اللوجستي والعسكري المحدود لحزب الله، وأن تحاول في الوقت ذاته إدارة التوترات مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، للحفاظ على استقرارها الداخلي ومصالحها الإقليمية.
في هذا السياق، تظل خيارات إيران محدودة ومعقدة، حيث يتطلب الحفاظ على هذا التوازن الحساس اتخاذ قرارات استراتيجية دقيقة، تتجنب فيها طهران الانزلاق إلى مواجهة شاملة. ويتطلب هذا الوضع مزيدًا من الحذر في التعامل مع التطورات على الأرض، حيث إن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، ويزيد من تعقيد المشهد الإقليمي، ويهدد استقرار المنطقة بأكملها.
التأثير في الأوضاع في سورية: إعادة انتشار وتعقيد ميداني
أي تصعيد عسكري كبير بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان، ولا سيّما إذا تطور إلى حرب برية، سيكون له تأثيرات كبيرة على النظام السوري، الذي يعتمد بشكل كبير على دعم حزب الله وإيران، لتعزيز موقفه في مواجهة المعارضة المسلحة. وفي حال اضطرار حزب الله إلى سحب جزء من مقاتليه ومعداته من سورية لتعزيز جبهة الجنوب اللبناني؛ فإن هذا الفراغ سيضعف النظام السوري إلى حد بعيد، في مواجهة العديد من التحديات الأمنية والعسكرية داخل الجغرافيا السورية.
فعلى سبيل المثال، قد يؤدي هذا النقص في الدعم إلى إضعاف قدرة النظام على مواجهة تهديدات تنظيم (داعش) في البادية السورية، ويزيد من هشاشته في الجنوب السوري، وفي المناطق الأخرى التي لم يتمكن حتى الآن من فرض سيطرة أمنية كاملة عليها، وهذا الوضع قد يفتح المجال أمام تصعيدات جديدة، في مناطق عدة مثل إدلب وريف حلب، ويعقّد موقف النظام في الحفاظ على مكاسبه العسكرية.
إضافة إلى ذلك، قد يسعى النظام السوري، بدعمٍ من روسيا، إلى الحفاظ على تماسكه من خلال توجيه بعض من قواته لدعم حزب الله بشكل غير مباشر. وقد يأتي هذا الدعم من خلال تزويد الحزب بأسلحة أو تقديم دعم لوجستي، وبذلك ستضعف قدرة النظام على مواجهة المعارضة، وتتغيّر حسابات الأطراف الدولية المعنية بالشأن السوري.
خاتمة
في ضوء التصعيد الإسرائيلي الأخير على جنوب لبنان، تبدو المنطقة مقبلةً على مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق. وإن احتمالات اندلاع مواجهة شاملة، تتجاوز حدود لبنان وتمتد لتشمل سورية والعراق وغيرها، تعكس مدى تعقيد المشهد السياسي والعسكري وتشابكه في الشرق الأوسط.
وفي ظل هذه الظروف، تبقى احتمالات القيام بعملية برية إسرائيلية في جنوب لبنان واردة، لكنها ستكون محفوفة بالمخاطر، سواء على مستوى الخسائر البشرية والمادية، أو على مستوى التداعيات الإقليمية والدولية. فإسرائيل ستأخذ في الاعتبار ردود الفعل الدولية، ولا سيما مواقف الولايات المتحدة وأوروبا، التي قد تجد نفسها في موقف محرج بين دعم حليفها الاستراتيجي وإدانة أي تصعيد يضرّ المدنيين اللبنانيين. ومن جهة أخرى، فإن أي عملية برية واسعة قد تفتح الباب أمام مواجهة أوسع، قد تشمل سورية والعراق، وربما تتوسع لتشمل قوى دولية أخرى. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى تصاعد الصراع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مما قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية والدولية.
وما يزيد الوضعَ تعقيدًا التداخل الإقليمي في مستقبل المنطقة، حيث إن أي تصعيد إضافي قد يستدعي تدخلات من قبل إيران، الحليف الرئيسي لحزب الله، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى تعزيز دعمها للحزب بشكل أكبر. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الدول العربية والإسلامية، لا سيما الخليجية منها، لتحديد موقفها من هذا الصراع المتجدد.
[1] “Live Updates: Israel and Hezbollah Trade Heavy Fire; Over 180 Killed in Lebanon, Officials Say”، New York Times, link https://bit.ly/4ey0kzG
[2] “حزب الله يقر بمقتل قائده العسكري إبراهيم عقيل في غارة إسرائيلية”، العربية نت، 21/9/2024، شوهد في 22/9/2024، في: https://bit.ly/3XZvgUg
[3] “تفجيرات الـ ‘البيجر’ تضع سلاسل التوريد في مرمى الاتهامات”، الحرة، 20/9/2024، شوهد في 21/9/2024، في: https://bit.ly/4eAKnJ1
[4] “إعلام عبري: حرائق شمال إسرائيل إثر إطلاق نحو 100 صاروخ من لبنان”، وكالة الأناضول، 21 أيلول/ سبتمبر 2024، شوهد في 23/9/2024، في: https://bit.ly/3XG4P4w
[5] “Israel would trigger regional war with preemptive strike, require help from US: Israeli general”, link https://bit.ly/3BsAJK7
[6] The Economist، “Israel’s foreign policy has changed in tone but not in substance” ، The Economist ،link : https://bit.ly/4diE4sr
[7] Robbie Gramer، Eric Bazail-Eimil, Nahal Toosi، “It’s getting harder to avoid an Israel-Hezbollah war”، Politico, https://bit.ly/4dlXDjQ
[8] نوار شعبان، “سيناريو مفتوح.. هل يقود الرد والردع إلى تهدئة أم تصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟”، تلفزيون سوريا، 19/8/2024، شوهد في 25/8/2024، في: https://bit.ly/3Xw6U2Q
[9] “نتنياهو يقرر توسيع العملية العسكرية بجبهة الشمال”، الجزيرة نت، 14/9/2024، شوهد في 22/9/2024، في: https://bit.ly/4ex8k3U
- تقدير موقف صادر عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة
Sorry Comments are closed