تتصاعد بين الحين والآخر الأصوات والحملات ضد اللاجئين السوريين في لبنان، وفي كل مرة تكون الحكومة اللبنانية أو بعض منها جزءا من هذه الحملات. وبات البعض يرى، كلما طرحت مشكلة اللجوء والنزوح السوري في لبنان، أنها عملية ابتزاز للمجتمع الدولي لزيادة الدعم المالي المقدم إلى البنان.
وصور بعض اللبنانيين زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للبنان للمرة الأولى واعلانها تقديم مبلغ مليار يورو بدءا من الآن الى العام 2027 على أنها “رشوة” للحكومة اللبنانية مقابل السكوت عن الملف، ولمنع المزيد من اللاجئين من التوجه الى قبرص ومن ثم الى أوروبا عبر البحر، على الرغم من محاولات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي التأكيد أن المليار يورو “ليست رشوة كما يزعم البعض وليس هناك اشتراط أن تكون مساعدة المليار كشرط لبقاء النازحين في لبنان”.
مما لا شك فيه أن لبنان يتحمل العبء الأكبر في موضوع اللجوء السوري، لكن هذا الملف هو واحد من ملفات كثيرة فشلت الحكومة في ادارتها. فبعد 13 عاما على بدء أزمة لجوء السوريين الى لبنان، لا يبدو أن الحكومة اللبنانية تملك حتى اللحظة أرقاما دقيقة أو شبه دقيقة للسوريين على أرضها، ولا أي خطة واقعية وعملية لتخفيف أعباء هذا اللجوء.
فشلت الحكومة اللبنانية في إدارة ملف اللاجئين السوريين
فرئيس الحكومة يتحدث عن رقم يقارب المليونين، بينما يتحدث وزير المهجرين عصام شرف الدين عن ثلاثة ملايين لاجئ، فيما يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية حسب الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان، دلال حرب، 795,322 لاجئا (الرقم لا يشمل المقيمين من غير اللاجئين). ولكل وزير ومسؤول رقم يستخدمه عند الحاجة، ولكل مسؤول خطة، لكن المشترك بين الجميع هو غياب الخطة وغياب أي حس بالمسؤولية حيال ما يمكن أن يفضي اليه التحريض المستمر.
قبل عام من الآن، وضع وزير المهجرين عصام شرف الدين خطة لإعادة 15 ألف سوري شهريا الى سوريا، بعدما زار دمشق وعاد منها مؤكدا تعاون السلطات السورية، التي اعتبرت أن رقم 15 الفا قليل، وفي الامكان زيادته. حينذاك كان تعداد السوريين وفقا للوزير “يفوق المليون ونصف المليون”. أما اليوم فالوزير نفسه يقول إن تعدادهم يفوق الثلاثة ملايين، وإن خطته تتضمن ترحيل خمسة آلاف سوري شهريا في قوارب شرعية الى كندا وأميركا.
شرف الدين ليس استثناء، بل هو نموذج لتعاطي المسؤولين اللامسؤول مع ملف ضاغط وحساس كملف اللاجئين السوريين في لبنان. فهو الذي صرح أيضا قبل أيام ان هناك 20 الف مسلح سوري في المخيمات، وقد مر تصريحه مرور الكرام، ما عدا في بعض الاعلام الذي “احتفى” به.
لكل وزير ومسؤول رقم عن اللاجئين اللبنانيين يستخدمه عند الحاجة
أليس من واجب السلطات والأجهزة الأمنية اعتبار هذا التصريح بمثابة اخبار رسمي للتحرك على الفور وإجراء اللازم؟ هذا لم يحصل بالطبع، لأن الجميع يدرك ان “الحكي ليس عليه جمرك”، حتى لو كان يصدر عن وزير مسؤول ويمس موضوعا امنيا خطيرا كالذي طرحه.
في ذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان (26 أبريل/نيسان 2005)، غرد النائب زياد حواط، عضو كتلة “القوات اللبنانية”: “كما حررنا لبنان وحققنا الانسحاب العسكري السوري قبل 19 سنة، نعمل اليوم لتحرير الوطن من وجود النازحين السوريين غير الشرعيين وخطرهم على الوجود. وسننجح”.
والتصريح هذا، إذا دلّ على شيء، فعلى أنه نموذج آخر صارخ من التعاطي الذي يفتقر الى المسؤولية. فما الذي يعنيه هذين السؤالين: هل اللاجئ عدو أم محتل؟ وهل لبنان بمعركة مع هذا “العدو”؟ أم ان حملات التحريض والشعبوية تقتضي من السياسيين هذا النوع من الخطابات لشد العصب كما يقولون؟ اللافت ان اشد خصوم “حزب الله” لم يعودوا يأتون على ذكر دور “حزب الله” في تهجير السوريين وقتلهم، فـ”المعركة” أسهل مع الحلقة الأضعف، أي مع اللاجئين.
لقد بات ملف اللجوء السوري ضاغطا، وبات من الملح والضروري البدء بوضع خطة عملية لإدارته وتنظيمه وتخفيف الأعباء المترتبة عليه، بما لا يتعارض مع القانون الدولي وحقوق الانسان والاتفاقات الموقعة، وهو ما يبدو حتى اللحظة بعيد المنال. فالحكومات المتعاقبة التي رفضت تنظيم الملف منذ بداية النزوح، تستفيد اليوم من الفوضى غير الخلاقة، ومن رفض إقامة مخيمات شرعية بإدارة الدولة اللبنانية. فـ”التيار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل، بات اليوم يجاهر بأنه اول من تصدى للاجئين، بينما هو يتحمل المسؤولية المباشرة عن فوضى هذا الملف بعد حليفه الذي هجرهم، أي “حزب الله”.
لقد بات ملف اللجوء السوري ضاغطا، وبات من الملح والضروري البدء بوضع خطة عملية لإدارته وتنظيمه
في لبنان، يوجد لاجئ سوري وطالب سوري ومقيم ومستثمر ورجل اعمال وابن او زوج او زوجة لبناني، ويوجد عامل سوري، فلطالما كان لبنان في حاجة الى اليد العاملة السورية منذ عشرات السنين، ولكن في لبنان أيضا حكومة تخلط بين تعداد هؤلاء جميعا لتستعمل الأرقام المبالغ فيها للتحريض والابتزاز.
يخبرنا المسؤولون اللبنانيون عن اعداد السوريين الذين يزورون سوريا دوريا، ويطالبون بإسقاط صفة اللجوء عنهم، علما ان هؤلاء المسؤولين انفسهم يعرفون ان هؤلاء ليسوا لاجئين وانما عمال يخرجون ويعودون بموافقة الحكومة اللبنانية والسلطات الشرعية، علما ان لا المفوضية ولا المنظمات غير الحكومية موجودة على المعابر بين البلدين.
يخبرنا ايضا المسؤولون عن تكلفة اللجوء، ولكن لكل مسؤول وسياسي رقم، والارقام تتراوح بين 40 مليار دولار و80 مليارا، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على ان الأرقام ايضا وجهة نظر تتبدل حسب الحاجة.
وطالما بقي التعاطي مع ملف اللجوء بهذا الشكل، فلا حل في المدى القريب. أما ترحيل عشرات السوريين بشكل عشوائي الى سوريا ليلقى بعضهم حتفه او ليعتقل، كما تدل ارقام الشبكة السورية لحقوق الانسان، فلن ينتج حلا، بل سيزيد التوتر والفوضى، والاعباء والأخطار على المواطن اللبناني واللاجئ السوري في الآن نفسه.
عذراً التعليقات مغلقة