في التاسع من تموز/يوليو 2021 صوَّت مجلس الأمن بالإجماع على تمرير مشروع القرار (S/2021/636)، وقد ورد في الفقرة 4 من القرار بما يخصّ دخول المساعدات ما يلي: “يرحب بجميع الجهود والمبادرات الرامية إلى توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سوريا، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر في قطاعات المياه، والصرف الصحي، والصحة، والتعليم، والإسكان، التي تضطلع بها لجنة الصليب الأحمر الدولية، وغيرها من المنظمات الأخرى، ويدعو الوكالات الإنسانية الدولية والأطراف المعنية إلى دعمها”.
في دراسة مخاطر القرار(S/2021/636) بما يتعلّق بطرح مفهوم التعافي المبكر وجدنا ما يلي:
لقد فتح القرار المذكور الباب أمام مطالبة الروس بفتح مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرة نظام الأسد، وإن تأويلات الروس لمفهوم التعافي المبكر الذي تم طرحه هي أن الحرب السورية قد انتهت لصالح النظام، وأن وقت الحديث عن إعادة الإعمار في مناطق سيطرته قد حان.
إن طرح هذا المفهوم هو التفاف على عملية إعادة الإعمار ومحاولة النظام الهروب من عقوبات قيصر ووسيلة لتأمين الدعم المادي للنظام عبر مشاريع التعافي المبكر في مناطقه، حيث تفاوض روسيا في كل جلسة تمديد لقرار دخول المساعدات حول التأكيد على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر وهي ليست رغبة منها لتقديم الخدمات للسوريين في مناطق سيطرة النظام، بل هي باب جديد لاستغلال المساعدات الدولية ومشاريع التعافي المبكر لتأمين موارد للنظام وميليشياته يساعده على قتل السوريين.
من الإشكالات في طرح هذا المفهوم هو أن مشاريع التعافي المبكر أو الإنعاش المبكر تأتي عندما تتوقف فوهات المدافع قبل إقرار الحل السياسي بحيث يكون التعافي المبكر بديلاً عن تقديم المساعدات للنازحين أو المتضررين من الصراع.
هنا نتساءل كيف ستأتي مرحلة التعافي المبكر وقصف النظام وحلفائه لا يزال مستمراً على شمال غرب سوريا، ومئات الآلاف من المعتقلين ما يزالون في معتقلات النظام وكيف يطبَّق، والمهجرون لم يعودوا لبيوتهم وطائرات النظام وحليفه الروسي لم تزل تدك مناطق شمال وشمال غرب سوريا، أيضاً إن طرح مشاريع التعافي المبكر هنا يكرس الدخول في وضع اللا سلم واللا حرب، وإطالة أمد الصراع ويؤدي أيضاً إلى عدم الضغط باتجاه إقرار حل سياسي.
من المؤكد أن مساعدات التعافي المبكر سوف يتم سرقتها من قبل النظام السوري ولن تقام بها مشاريع يستفيد منها السوريون في مناطق سيطرة النظام، خاصة إذا كان مركز الصندوق الائتماني للتعافي المبكر في دمشق وهذا ما تم طرحه عبر العديد من وسائل الاعلام، فقد نشر موقع “كلنا شركاء” خبراً مترجماً بأن الأمم المتحدة ستؤسس صندوقاً كبيراً لمشاريع التعافي المبكر في دمشق.
وتحدث الخبر عن إقرار وثيقة (استراتيجية التعافي المبكر 2024 – 2028) والتي تدعو إلى إنشاء صندوق ائتماني للتعافي المبكر Early Recovery Trust Fund (ERTF). وسيكون مقر هذا الصندوق الجديد في (دمشق) وسيعمل تحت القيادة المباشرة للمنسق المقيم للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة.
أيضا تبين تقارير صحفية أن الصندوق التعافي المبكر غير موجه للممولين التقليديين الغربيين وإنما لاستقطاب تمويل الدول العربية وأن الدول الغربية ستتعامل معه بحذر في الأول وبشكل غير مباشر من خلال تمويل البنك الدولي الذي سيمول الصندوق جزئياً ويساهم في وضع آليات عمله.
ولكن الدول الأوروبية ربما ستكون غير معادية له إذ تراه فرصة لتأطير المال العربي والرقابة عليه بدلاً من أن يذهب بالحقائب الى العناصر الفاسدة في النظام.
ستعطي المساعدات المقدمة عبر هذا الصندوق جرعات من القوة للنظام حتى يبقى على قيد الحياة وستستفيد مكونات من النظام تعتاش على الفساد من تلك المشاريع، حيث ستحاول سرقة المعونات القادمة عبر هذا الصندوق.
فقد بينت دراسة صادرة عن مركز حرمون أن نسبة انزياح تحويل مسار المساعدات نحو خاصته تتراوح بين (40-60) % وفي بعض الحالات تم تحويل حوالي (80-90) % من جميع المساعدات الدولية ولم توزع للمستحقين (1) بالتالي لا يبقى للسوريين في مناطق النظام من هذه المساعدات إلا القليل وفي عام 2020 -على سبيل المثال- حصل النظام السوري على ما يقرب من 51 سنتاً مقابل كل دولار تم تحويله إلى سورية، وذلك من خلال إجبار وكالات الأمم المتحدة على استخدام سعر صرف أقل من السعر المتعارف عليه.
من الملاحظ ان إحاطات غير بيدرسون في كل خطاب شهري له أمام مجلس الأمن بما يتعلق بالملف السوري لا تخلوا من وجود تأكيدات على موضوع التعافي المبكر وضرورة دعم البنية التحتية في مناطق النظام وعلى تخفيف العقوبات على النظام دون أن يتطرق إلى أسباب تلك العقوبات وهي الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين والتي كانت وراء تلك العقوبات، فمن الملاحظ أن غير بيدرسون يتكلم وكأنه ناطق باسم النظام.
بما يتعلق بموقف الولايات المتحدة من مفهوم التعافي المبكر، أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب الأمريكي في كتابه إلى وزير الخارجيّة طوني بلينكن ما يلي:
- يجب على الولايات المتحدة أن تضغط من أجل اعتماد تعريف واحد وواضح وعالمي لـ“الإنعاش المبكر” في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يكون إنسانياً وليس تنموياً.
- يجب أن يكون هذا شرطاً مسبقاً ضرورياً لدعم الولايات المتحدة في المستقبل لمساعدة “الإنعاش المبكر”، سواء من خلال الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية، نظراً للغموض في تعريف التعافي المبكر ولمنع الأسد وداعميه من استغلال هذا الغموض لتعزيز هدفهم المتمثل في إعادة إعمار سوريا دون الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
- يجب على هذه الإدارة التعامل مع الحلفاء والشركاء لمنع استخدام “التعافي المبكر” كترخيص لإعادة الإعمار.
- يجب أن تكون هناك تعاريف واضحة لما يشكل “الإنعاش المبكر وكيف يختلف عن المعونة الإنمائية أو إعادة الإعمار وحصره بالجانب الإنساني (3)
-7-2022 أزمة ضمير: تحويل مسار المساعدات (1)
في سوريا وأثرها على نظام مساعدات الدول -حرمون للدراسات (2)
(3) Foreign Affairs Committee-Biden Admin Eroding Leverage Over Assad, McCaul Presses State to Reevaluate Early Recovery Aid-25-1-2023
عذراً التعليقات مغلقة