- د. برهان غليون
أمام المعارضة السورية اليوم، وقد استعصى عليها، بسبب تداخل المعركة السياسية الداخلية والحرب الأقليمية وتجاذبات القوى الدولية، تحقيق أهدافها، مع استمرار القتل والدمار وتمديد زمن المحرقة، اعتقد أن أمامنا ثلاث خيارات:
الاول وهو الأسوأ بينها هو رفض مبدأ التسوية والحل السياسي والاستمرار في حرب استنزاف طويلة على الطريقة الافغانية وهذا ما تتمسك به بعض قوى المعارضة، وهو ليس في مصلحتنا أبدا.
الثاني، الأقل سوءا هو قبول التسوية بالشروط الروسية المطروحة. وهي لا تلبي تطلعات الثورة والشعب، كما انه ليس من المؤكد ان تنهي الحرب، ولكنها يمكن ان تخفض مستوى العنف وهذا هو هدفها. وعلى مل حال لن نكون نحن صانعوها وإنما تفاهم الدول المتنازعة.
والخيار الثالث ان نعيد بناء استراتجيتنا وإعادة هيكلة قوانا المقاتلة والسياسية بحيث نستطيع ان نستمر في مقاومة اكثر فعالية حتى نضمن حلا سياسيا متوازنا يليق بتضحيات شعبنا.
هل هذا الخيار من باب الممكن ام انه حلم؟
اذا كان اليأس قد اصابنا فهو حلم بالتأكيد. لكن اذا كنّا لانزال نملك بعض العزيمة والصبر فهو الخيار الوحيد الحقيقي والواقعي المطروح أمامنا. لكنه ليس حلا جاهزا بالتأكيد، كما انه ليس مضمون النجاح. فالامر يتوقف على قدرتنا، نحن كسوريين معنيين بتغيير الأوضاع، في صفوف الثورة والمعارضة وخارجها، بكل ما يميز عملنا للأسف من تناقضات ونقائص، على القيام بثورة داخل الثورة بالمعنى الحرفي للكلمة.
حربنا حرب متعددة الأطراف والمستويات، محلية وإقليمية ودولية، ولن نستطيع مهما حاولنا ان نغير في التوازنات الإقليمية.
المستوى الوحيد الذي نملك احتمال ان نغير فيه هو ميزان القوى الداخلي السوري.
فإذا لم نقرر القبول بما هو معروض علينا من خيارات جاهزة، ليس أمامنا خيار سوى العمل لتغيير واقعنا نخن في معسكر سورية المعارض، حتى نستطيع ان نؤثر على المواقف الإقليمية والدولية، ونحجز لانفسنا مقعدا خاصا على طاولة المفاوضات، ولا نترك الآخرين يمثلوننا ويتكلمون باسمنا ويحصدون ثمار تضحياتنا.
بهذا المعنى إنجاح هذا الخيار واجب سياسي وأخلاقي وليس موضوع مناقشة.
ومهما كانت النتائج فنحن رابحون، سواء نجحنا في قلب ميزان القوى بشكل حاسم ام بشكل حزئي. ولا ارى بديلا له الا اذا حصلت معجزة. وقدم لنا العالم حقوقنا على طبق من فضة ولا أقول ان المعجزة مستحيلة لكن بانتظار المعجزة لا ينبغي ولا يحق لنا ان نستسلم او نسلم بالأمر الواقع.
باختصار، السؤال المطروح على معسكر الثورة والمعارضة اليوم والذي لا يستطيع الهرب منه هو الحسم في احد الخيارات التالية:
الاستمرار في حرب استنزافية عدمية من دون برنامج سياسي ولا غايات واضحة ومن خلال فصائل مشتتة ومتنافسة،
او القبول بالتسوية غير المتوازنة التي تتقرر بالتفاهم بين الدول الإقليمية والدولية على حسابنا ومن دون اي اعتبار لتطلعات شعبنا،
او مراجعة أساليب العمل والمقاومة بحيث يمكن تغيير ميزان القوى الداخلي ومن خلاله تعديل مواقف النظام والدول الحليفة له والدول الصديقةً لنا ايضا حتى نتمكن من الحصول على حل سياسي متوازن يضمن الاعتراف بشرعيةً حقوق السوريين الأساسية ولا يهدر تضحيات أبنائهم الهائلة .
لايوجد هنا مجال في نظري للمماحكات والتسويفات، وإنما يتعلق الأمر بواجب سياسي يقضي بضرورة تغيير استراتيجية عملنا السائدة والتي إن لم تظهر إخفاقها، فقد وصلت بالتأكيد الى حدود امكاناتها القصوى.
رفض هذا الخيار يعني حتما القبول بأحد الخيارين القائمين، والتسليم باننا لسنا شريك في الحل وترك كل ما يتعلق بتقرير مستقبلنا في يد الدول الأجنبية المتنازعة علينا، وانتظارها حتى تتوصل إلى تسوية في ما بينها تضمن مصالحها. وهذا ما نحن فيه بالضبط منذ اربع سنوات.
عذراً التعليقات مغلقة