تضيق السبل بعدد كبير من السوريين اللاجئين المقيمين في لبنان منذ سنوات والذين يعيشون تحت وطأة الخوف والعجز أمام ما يشهدون عليه من أعمال عنف وأحيانا ترحيل قسري إلى سوريا، خاصة بعد تصاعد وتيرة العنف بحقهم في عدة مناطق إثر مقتل المسؤول في حزب القوات باسكال سليمان، في 9 نيسان/أبريل، الذي تزامن مع “جو سياسي ضاغط” باتجاه إيجاد حلول نهائية لأوضاعهم. ويؤثر في هذا أيضا محاولات الوصول إلى قبرص التي أوقفت مؤخرا دراسة طلبات لجوء السوريين لديها.
انتظر “سمير” مكالمة أخيه بفارغ الصبر مساء الأربعاء، والذي قال له في آخر اتصال هاتفي إنه على بُعد ربع ساعة من سواحل طرابلس، محاولا طمأنة عائلته عنه وعن أفرادها الآخرين المصاحبين له، وأنه بصدد العودة إلى لبنان بعد أن ردهم خفر السواحل القبرصي من رحلة انطلقت الاثنين 15 نيسان/أبريل، في قارب حمل 40 مهاجرا وكان ضمن قافلة من ثمانية قوارب تقل عددا كبيرا من المهاجرين، الذين كانوا يحاولون مغادرة لبنان إلى قبرص عبر البحر المتوسط.
ويقول الشاب الثلاثيني لمهاجر نيوز والذي لديه أولاد ويعيش في جونية منذ مغادرته سوريا في 2014 لأنه مطلوب فيها، إن “الناس يعرفوننا هنا (هو وأخاه الذي يعيش في لبنان منذ 2006)، إلا أن الحياة لم تعد تطاق، هناك من هم متعاطفون معنا لكن قليلون جدا بالمقارنة بالآخرين. المنطقة امتلأت بالحواجز التي توقف السوريين وتعتدي عليهم وتأخذ سياراتهم أو دراجاتهم، لذلك لم نعد نخرج من البيوت. في يوم دفن باسكال سليمان، دخل أشخاص من البلدية إلى بيت عمتي وكسروا كل شيء فيه، فاضطرت إلى الذهاب إلى منطقة أخرى عند أحد معارفهم بانتظار معرفة ما يمكنهم فعله. وقبل ذلك، في يوم الجريمة (مقتل باسكال سليمان)، ذهب أخي برفقة أختي وزوجها وأحد أقاربنا إلى بلدة غدير القريبة، ولدى وصولهم هناك، كانت مجموعة ‘حراس غدير’، شيء يشبه الأمن الذاتي، قد نصبوا حاجزا وانهالوا عليهم بالضرب. كُسر ضلع في صدر زوج أختي فيما تكسرت أسنان قريبنا بعد ضربه على رأسه”.
عيد فطر “أسوأ” من الذي سبقه رغم قساوته أيضا
ويكمل الشاب بشأن موجة العنف الأخيرة التي يعتبرها امتدادا لما بدأ سابقا من متغيرات تجاه السوريين، “عيد الفطر الماضي، حدثت مداهمات وعمليات ترحيل من الجيش، أخذوا من منطقتنا 38 شخصا لا نعرف عنهم شيئا حتى الآن. وعيد الفطر الحالي أكثر سوءا، لدينا الآن قصة مقتل باسكال سليمان والتعرض للشتائم والسب، ولا نخرج من بيوتنا أبدا، أمي تبكي وأخي يبكي ولا نعرف ما مصيرنا هنا. أفكر بالذهاب إلى إيطاليا عبر البحر”. ويقول بحيرة “إن خسرت كرامتك كيف تكون الحياة ممكنة؟ وما الذي يبقى؟”
يقول سمير، وهو اسم مستعار، إن هذا الوضع في لبنان دفع أخاه إلى سلك طريق البحر مقابل مبلغ 2650 دولار (2,485 يورو) من أجل الوصول إلى قبرص، حيث كان بصحبة عدد آخر من العائلة والأقارب، لكن رغبتهم بالوصول إلى قبرص لم تتحقق، مشيراً إلى أن مذكرة ترحيل قد صدرت باسم أخيه منذ 2019، وبعد توكيل محام، عرف إن ذلك لأسباب أمنية دون إعطاء أي تفصيل إضافي.
واطمأن سمير صباح الخميس بشأن مصير أخيه بعد انتظار ساعات طويلة لخبر منه، وعرف أنه وأفراد عائلته المسجلين بالأمم المتحدة سوف يطلق سراحهم بعد احتجازهم في مركز شرطة في طرابلس، في حين أن أفراد العائلة غير المسجلين سيرحلون إلى سوريا.
حال سمير هو حال سوريين كثيرين حاليا في لبنان ممن يعانون أكثر من السابق بسبب حملة العنف الأخيرة. ونوه مركز وصول لحقوق الإنسان وحقوقيون لبنانيون وآخرون، إلى دقة هذه المرحلة وما يتعرض له السوريون فيها من تحريض وضغوط وحوادث عنف واعتداء.
“كل سوري هارب من بطش النظام هو أخونا”.. شاب سوري في إدلب ينعي أخاه في لبنان الذي توفى متأثرا بجراحه نتيجة تعرضه للضرب المبرح
وفي واحدة من حوادث العنف الأكثر مأساوية نتيجة الموجة الجديدة من العنف وما سبقها، تعرض اللاجئ السوري علي عبد الباقي والذي أقام في لبنان منذ نحو 12 عاما برفقة أفراد من عائلته، للضرب المبرح والتعذيب الشديد على يد مجهولين.
وكان علي قد غادر شتورا إلى بيروت بحثا عن عمل، حسب شهادة أخيه بسام المقيم في إدلب. وتحدث بسام إلى مهاجرنيوز عن ظروف مقتله قائلا إنه لم يعد إلى شتورا نهائيا “في الأسبوع الأخير من رمضان”، وإنه تلقى أول صورة لعلي “تظهر جسده مليئا بالكدمات في 28 رمضان” ويصادف هذا يوم الاعتداء على المسؤول اللبناني في 8 نيسان/أبريل.
يقول بسام “أرسل الصورة مخفر بعبدا، وكانت فترة صعبة للغاية تعيش عائلتي فيها بخوف كبير وخشية من الخروج من المنزل نتيجة الأوضاع الأخيرة، فأرسلنا شخصا ليأخذه إلى البيت، إلا أن مركز الشرطة رفض تسليمه”.
وفي اليوم التالي، عاود بسام المحاولة واستطاع إخراج أخيه، وكان علي “بحالة سيئة للغاية، كان بحاجة للعناية الفائقة، ذهب أبي به إلى أقرب مستوصف في زحلة ورفضوا علاجه، وطلب من الأمم المتحدة رعايته، كونهم مسجلون لديها، فوعدتهم بالقدوم يوم الإثنين إلا أنه توفي السبت 13 نيسان/أبريل”.
وحمّل بسام الأمم المتحدة والمسؤولين اللبنانيين مسؤولية عدم التحرك ومساعدة أخيه، واعتبر أنهم بسلوكهم “شاركوا في قتله”. وندد بعدم قيام مركز الشرطة بأي جهد لفتح تحقيقات لمعرفة من ضرب أخاه وتسبب بمقتله.
وتمكنت العائلة من وضع جثة علي في المشرحة في زحلة، قبل دفنه بحضور عدد قليل جدا من الأشخاص. وقال الطبيب الشرعي إن سبب الوفاة ناجم عن “نزيف في الصدر، وتوقف في عمل الكلى جراء الضرب”، وفقاً لبسام، الذي يضيف رغم خشيته على عائلته من تبعات الحديث إلى الإعلام في هذه القضية، أنه “يجب تسليط الضوء على هذه الحوادث حتى لا تتكرر، وكل سوري هارب من بطش النظام هو أخونا”.
التحقيقات ما زالت مستمرة في قضية مقتل باسكال سليمان
وتستمر السلطات اللبنانية في التحقيقات لمعرفة دوافع قتل المسؤول في حزب القوات، الذي تعرض لسرقة سيارته في بلدة بقضاء جبيل ومن ثم قيل إن جثته عثر عليها في سوريا، إلا أن من بين المتهمين ثلاثة سوريين كان قد تم توقيفهم بتهم متعلقة بسرقة السيارات عامي 2019 و2023، بالإضافة إلى اعتراف متهم من قرية الهرمل اللبنانية بأن العملية نفذت بطلب من رئيس عصابة سرقة سيارات موجود في سوريا.
الأمر يشبه أن يكون شخصا لبنانيا قد ارتكب جرما فلا يعني ذلك أن كل اللبنانيين قد ارتكبوا الجرم
ورغم أن الجريمة لم تعرف أبعادها الكاملة ويستمر التحقيق فيها، إلا أن السوريين في لبنان هم ضحاياها المباشرون أكثر من أي وقت سابق، وذلك نتيجة “التحريض ضدهم سواء من أفراد أو بعض النافذين في أحزاب معينة أو من السلطات”، حسبما قال سعد الدين شاتيلا المدير التنفيذي لمركز سيدار للدراسات القانونية، والذي أضاف أن “لا يجب أن يعمم ارتكاب بعض السوريين لجرائم على جميع السوريين، الأمر يشبه أن يرتكب شخصا لبنانيا جرماً، فنجرّم كل اللبنانيين”.
وأضاف أن هذا التحريض قد يؤثر “على طائفة أكثر من غيرها من منطلق خوفها من الطوائف أو الجنسيات الأخرى”، مؤكدا على ضرورة عدم الوقوع في هذا الخوف.
ويشير شاتيلا إلى أنه رغم أن التحريض ليس جديدا وأنه تصاعد نتيجة تدهور المعيشة في لبنان، إلا أن الموجة الجديدة تترافق مع “جو سياسي عام ضاغط على السوريين، إن كان من مسؤولين سياسيين لبنانيين غيّروا مواقفهم حيال التواجد السوري، أو من ناحية تطبيع العلاقات بين نظام الأسد والدول العربية، ويجب أيضا رؤية ما يحدث في قبرص التي تطلب الدعم الأوروبي وتنسق مع لبنان من أجل إعادة السوريين الذين يحاولون الوصول إليها عبر البحر على أنه عامل مؤثر في هذا الشأن”.
كما نوه إلى أنه يجب “التمييز بين السوري المقيم واللاجئ، وأن السوري المقيم كان مرحبا به سابقا فقد كان يوفر يدا عاملة أرخص للبنان، لكن الوضع الآن تغير”.
عوامل عدة تساهم في قرار عودة السوريين بالنسبة للمفوضية
ومع تصاعد الحديث في لبنان عن خطة لإعادة السوريين إلى سوريا نتيجة الموجة الجديدة من التحريض، قالت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان دلال حرب، إن المفوضية تدعم حق السوريين بالعودة بحرية لوطنهم “متى اختاروا ذلك”، إلا أن قرار العودة مرتبط بعدة عوامل وهي الأمن والسلامة، والسكن والخدمات الأساسية وتأمين سبل العيش.
ويستضيف لبنان حوالي 805 آلاف لاجئ سوري مسجل لدى الأمم المتحدة، وعددا مماثلا من غير المسجلين بحسب تقدير المسؤولين اللبنانيين. وتؤكد وكالات الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان والحكومات الغربية، أن سوريا ليست آمنة بعد.
Sorry Comments are closed