حتى تنعم بالحريّة المطلقة كان عليها وفي أولى أيام الربيع من حياتها المتواضعة، أن تقفَ بجانب إخوانها من العوائل والعشائر الأخرى، ولأنها كانت تنحدر من عائلةٍ تتوارث العلم والثقافة كم يرِثُ الرجل مالَ أبيه، ورثت الشهامة والعز والعلم والسعي من عائلتها، ولا أبالغ إذا قلتُ إنها من مدينةٍ تعجُّ بالنخوة والعزة.
الحريّة من وجهة نظرها
حملت تلك الفتاة البالغة من العمر سبعة عشر عاماً همّ الحصول على الكرامة والحريّة التي كانت حلماً ملازماً لكلِّ السوريين في آذار عام 2011م، أستذكر تلك التفاصيل التي عاشتها عندما حدثتني تلك المكافحة في الريعان من شبابها، لنقلها للصورة الحقيقية للأهالي لبعض الوكالات خارج القطر، والقوةِ الإلهيّة في داخلها لنقل كل تلك التفاصيل من قصفٍ ودماءٍ وأشلاءٍ للسوريين، فالحريّة فعلاً تحتاج كثيراً من التضحيّة، وأستذكر كيف برزت قوية خلال بعض المظاهرات والاحتجاجات الشعبيّة على ما تفعله آلة القتل والقمع في سورية، نعم كيف صوّرت وكيف نقلت وكيف فعلت وكيف عملت، تفاصيلٌ كثيرة كنتُ قد تمنيتُ أن أعيشها لما فيها من لذّة الحريّة رغم كلِّ تلك المعاناة العملاقة التي وصلت بفتاةٍ بعمرها في ذلك الوقت وإلى اليوم.
قد ذهبَ تفصيلٌ شاقٌ بتلك الفتاة المزهرة والساطعة، نعم استطلعت يد الشر حينها من سجنها ووضعها في معتقلات الألم، معتقلات الكرامة، فهناك فرق واضح بين الألم والكرامة، لكن هذا ما عاشته حينها الفتاة الملائكيّة في سجون الظلم والقهر، فارتبط الألم لما رافقها من تعذيبٍ بكافة أنواعهِ ومن هول المشهد لن أستطيع التوصيف بالشكلِ الأمثل عمّا حصل معها، ومن باب آخر ألا وهو الكرامة، عاشت كلّ تفاصيل الكرامة وقد شعرت فيها بكل طقوسها خصوصاً أنها اعتبرت اعتقالها فداء للثورة وللحريّة التي كانت تبحث عنها مع أهلها والشعب المكلوم.
الحبّ والحريّة
نعم لقد كُتِب لتلك الفتاة الجميلة الرحمانيّة عمرٌ جديد بعد أن شاء الله وخرجت من المعتقلات، فبدأت الحكاية في إكمال حياتها الطبيعية بعد خروجها مع أهلها إلى البلد المجاور خارج حدود القُطر، ليقيم والدها صحيفة إلكترونيّة، ويتبين أنها تملك قلماً حراً ينبض بالحب والحرية والمشاعر والأحاسيسِ المرهفة.
كانت تحمل في كلِّ مقالٍ تكتبه خبايا ألمها، فتارةً مشاعرٌ جيّاشة وتارةً حنين ومرّة أشواق تلوح في الأفق، لقد وصلت تلك الفتاة أوجها في فنون الكتابة والتعبير، إلا أنّ بعض العادات التي ترسخ في المجتمعات العربيّة وقفت في وجه تلك الملائكيّة خلال مسيرتها العاطفيّة، وذلك بسبب حادثةِ الاعتقال التي عاشتها في الماضي، ليتناسى البعض أنها اعتُقِلت دفاعاً عن أهلها من خلال عدستها ومن خلال كلمتها.
نعم امتزج الحبُّ بكافة تفاصيلِ حياتها إلا أنّ البعض من الناس لم يتقبّل أمر الاعتقال، لمَ تحصل على الحبِّ الحقيقي من المجتمع بقدرِ ما وصلت فيه لنكساتٍ قد صنعت تغيرات جذريّة لها، فقد بدأت تكوّن نفسها من خلال التجارب، وقد صنعت حاجزاً منيعاً مع قلبها، خصوصاً أنّ المجتمع عموماً قد وقف بطريقِ حبها الأول لأسبابٍ تافهة جعلها تتقوقعُ حول نفسها لفترةٍ طويلة جداً، الحقيقةُ أنّ المحبّة هي فعلٌ لا إرادي يفعلها الإنسان دون أن يشعرَ بكلِّ التفاصيل الدائرة من حيث المجريات والماهيات والأنظمة والأمكنة التي قد تسببُ المواجع المأسورة على مدارِ الأيام القديمة وإلى الآن.
تقطّع عقدُ الودّ واكفهرت الوجوه، إلا أنّ الفتاة بقيت ساطعةً كما عرفتها منذُ السابق وحتى الآن، نعم فإنّ من طبيعة الإنسان المحاولة وعدم الاستسلام، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر في كيفية الاستمرار في الحياة الواقعيّة البسيطة التي يبنيها الشخص بينهُ وبين نفسهِ من أجلِ تفاصيلٍ جديدة أكثر هدوء عمّا مررَ بهِ الإنسان في الفتراتِ السابقة، لن أجزمَ وأقول أنها فترات عابرة.
بين الحينِ والآخر تجُددُ العهد مع نفسها وتنفثُ آمالاً جديدة حتى تكونَ فتاةً حقيقيّةً من سحابٍ رباني لا أكثر، فقط في تلك اللحظة انتقلت من الحسرةِ والألم إلى مناجاةِ الحقيقة بإكمال تعليمها الجامعي ومسيرةٍ جديدةٍ حافلةٍ بالود والعبر، ربما يعيش الإنسان تفاصيلاً أكثر وجعاً عم فاتهُ في السابق، إلا أنهُ يحاول حتى يصلَ للمرادِ والمبتغى.
كل ذلك لم يكن سوى محاولاتٍ جديدة لإيصال تلك الكلمة الحقّة التي ناجت الناس ووقفت بصف المظلومين حينها ولليوم، لا أعلم ما إذا كان الحديث في الحقيقة عن فتاةٍ حقيقة في مقال بسيط قد لا يصل ما قطعته الأيام من المشاعر الحقيقة التي عاشتها تلك الفتاة.
حتى تنعمَ بالحريّةِ لابد للتضحيات العظيمة، فلا عظمة كما الحريّة.
ختاماً ربما تحدثت عن التفاصيل بقليل، لم أجد سوى الحقائق المُرّة، فلم يستطع قلمي أن يخُطَّ شيئاً من الخيال العميق، فكلُّ التفاصيل كانت عبارة عن حقيقة قاسيّة لفتاةٍ تحاول البحث عن حياةٍ أفضل في بقعتها الجغرافيّة الظالمة، محاولةً الدفاع عن أهلها في الثورة السورية عام 2011م.
Sorry Comments are closed