أثارت فصول حرمان البريطانية، شميمة بيغوم، من جنسيتها الكثير من التساؤلات، خاصة وأن الأخيرة كانت قد انضمت إلى التنظيم الإرهابي، وهي في سن الخامسة العاشرة، في العام 2015، مما جعل فريق الدفاع يقول إنه قد جرى “تجنيدها” من أجل الاتجار الجنسي بالفتاة التي أطلق عليها لقب “عروس داعش”.
وغادرت بيغوم منزلها في لندن بعمر 15 عاما للتوجه إلى سوريا مع زميلتي دراسة، وتزوجت عنصرا في “داعش”. واستقلت بيغوم مع صديقتيها طائرة تابعة للخطوط الجوية التركية إلى إسطنبول قبل العبور إلى سوريا.
ووفقا لتصريحات لبيغوم بعد خروجها من سوريا، فقد لعب المجندون من داعش على “الإحساس بالذنب” لدى المراهقات من خلال صور تدعي معاناة المسلمين في سوريا.
وبحسب الكثير من الخبراء في شؤون الإرهاب، فإن تنظيم داعش لديه قدرات كبيرة على استغلال وتجنيد الأبرياء والتغرير بهم واستغلالهم عاطفيا وماديا، من أجل إقناعهم بالانضمام إليه سواء بالسفر إلى مناطق الاضطرابات في الشرق الأوسط وأفريقيا أو تكوين خلايا نائمة وذئاب منفردة في أوروبا ودول أخرى.
وكانت محكمة الاستئناف في لندن قد رفضت، الجمعة، طعن بيغوم في قرار سحب جنسيتها البريطانية بعدما ذهبت إلى سوريا عندما كانت تلميذة للانضمام إلى داعش.
وسحبت الحكومة البريطانية جنسية بيغوم لأسباب تتعلق بالأمن القومي في العام 2019، بعد وقت قصير من العثور عليها في معسكر اعتقال في سوريا.
وقالت بيغوم البالغة من العمر الآن 24 عاما، إن القرار غير قانوني، ويرجع ذلك جزئيا إلى فشل المسؤولين البريطانيين في النظر بشكل صحيح فيما إذا كانت ضحية للاتجار بالبشر، وهي حجة رفضتها محكمة أقل درجة في فبراير من سنة 2023.
ورفضت محكمة الاستئناف في لندن استئنافها، يوم الجمعة، بعد استئناف جرى تقديمه في أكتوبر.
وقالت القاضي، سو كار: “يمكن القول إن القرار في قضية السيدة بيغوم كان قاسيا. ويمكن القول أيضا أن السيدة بيغوم هي السبب في سوء حظها”.
وأضافت: “لكن ليس من اختصاص هذه المحكمة أن تتفق أو تختلف مع أي من وجهتي النظر، فمهمتنا الوحيدة هي تقييم ما إذا كان قرار الحرمان غير قانوني… وخلصنا إلى أنه لم يكن كذلك وتم رفض الاستئناف”، بحسب وكالة رويترز.
وعن أساليب جذب الفتيات المقيمات في الغرب تحديدا للانضمام إلى داعش، قالت الأستاذة في مركز دراسات الإرهاب والأمن بجامعة ماس لويل في ماساتشوستس، ميا بلوم، لشبكة “إيه بي سي نيوز” الأميركية: “معظم الفتيات يلذن إلى مزيج من الخيال والأحاسيس بأنه من خلال الانضمام إلى داعش، سيتم تمكينهن، وسيحظين بحياة مثيرة، ويفعلن شيئًا ذا معنى في حياتهن”.
ونوهت إلى أن أعضاء داعش الذكور كانوا يعملون على “جذب النساء عبر الإنترنت حتى يسافرن إلى الشرق الأوسط، حيث يمكن للرجال الزواج من واحدة أو أكثر منهن، أو يمكن استخدام النساء كإغراء للمجندين الذكور الآخرين”.
وأضافت: “الأمر كله يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي التي يتم استخدامها لإغراء هؤلاء الشابات”.
“تفوق إلكتروني”
وعن أسباب نجاح تنظيم داعش الإرهابي في التوغل عبر الإنترنت، ترى الباحثة بمعهد البحوث والدراسات العربية، الدكتورة، سمية عسلة، أن ذلك يعود إلى “قدرة التنظيم الذي أتاح لهيكله الإداري أن يصبح على درجة عالية من الكفاءة بكافة المجالات المستهدفة والتقنيات المستخدمة”.
وأضافت في مقالة لها “امتد ذلك إلى فرع مسؤول عن الإشراف على الإجراءات الرقمية لداعش التي يطلق عليها (جيش داعش الإلكتروني)، وهو عبارة عن مجموعة عناصر داخلية مخصصة لبث الرسائل على صفحات التواصل الاجتماعي والتسلل إلى حسابات العناصر المراد تجنيدها والحفاظ على الأمن الرقمي للتنظيم”.
من جانبه أوضح الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، ماهر فرغلي، في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “تنظيم داعش ورغم الهزائم التي تعرض لها لا يزال يستخدم الأساليب القديمة التي اعتاد عليها في تجنيد الأطفال والمراهقين والفتيات من خلال استخدام المطويات الملونة والمزخرفة (المنشورات)، والإصدارات الدعائية الموجهة إلى الفتيات والنساء”.
وفي نفس السياق، أوضح الناشط السياسي والخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد الأيوبي، في تصريحات سابقة إلى موقع “الحرة” أن تنظيم داعش يلجأ إلى “استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، واتساب وماسنجر وغيرهما، في عمليات استقطاب الشباب بشكل كبير، وذلك بعد متابعة نشاط المراهقين والفتيان على صفحاتهم الاجتماعية ودراسة حالاتهم النفسية والاجتماعية، حيث يتم تحديد من هم الأكثر قابلية للتجاوب مع أفكار التطرف، بالاستناد إلى حماستهم الدينية أو وضعهم الاقتصادي المزري وحالة اليأس التي وصلوا إليها وحتى (المظلومية الأمنية) من خلال إيهامهم بأنهم مطلوبون وأن عليهم ملفات أمنية”.
ويؤكد الأيوبي أنه “بعد الاستقطاب الفكري يأتي دور التجنيد، وهذه المرحلة لا تخلو من دفع المال للضحايا الذين يتم إعدادهم نفسياً لإبعادهم عن عائلتهم، وذلك بعد إقناعهم أن أفرادها (عصاة) كونهم ارتضوا بهذه المنظومة الاجتماعية التي يعتبرونها كافرة”.
وأما فرغلي فاعتبر أن “داعش حاليا يركز جهوده في منصات إلكترونية دون غيرها، فهو في الوقت الحالي يبذل جهودا أكبرا في تطبيقات (تيك توك)، و(تان تان) وتليغرام مع الابتعاد بشكل كبير عن فيسبوك وتويتر”.
وزاد: “ذلك التنظيم الإرهابي يستخدم الأساليب الملتوية، فهو لا يخاطب المراهق بشكل مباشر، بل عن طريق دغدغة المشاعر، باستخدام طرق دعوية دينية كأن ينشر مطويات جاذبة عن شهر رمضان والصلاة، وذلك بهدف جذب الشبان الصغار إلى متابعتهم”.
وأضاف: “وبطريقة غير مباشرة وعبر مسابقات دينية ومقالات تخدع المشاعر، يتم تجنيد المراهق أو المراهقة تلقائيا وبالتدريج ليصبح عضوا في التنظيم دون أن يدري”.
وأضاف: “هذا النوع من الضحايا لا يدرك أنه انتمى إلى داعش إلا بعد أن يكون قد ولج مرحلة متقدمة من الانضمام”.
وخلص الفرغلي إلى أن التنظيم الإرهابي لا يلجأ إلى طرق تجنيد مباشرة وواضحة و”أنما يتبع سياسة النفس الطويل للإيقاع بهؤلاء، وكل ذلك يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يسمى الجيش الإلكتروني أو الخلافة السيبرانية أو أي مسمى آخر “.
استثمار الخلافات
من جانبه اعتبر الخبير الاستراتيجي، الدكتور أحمد الشريفي، في تصريحات سابقة لموقع “الحرة” أن “داعش يستثمر الخلافات داخل المجتمعات والحالة النفسية للشبان”.
وبشأن لبنان كنموذج، قال “هناك انقسام كبير جداً في لبنان فضلاً عن الأزمة المعيشية وما يعانيه الشباب اللبناني من بطالة وإحباط وانكسار، حيث تجذب كل هذه العوامل مجتمعة، تنظيم داعش للتحرك إما طائفياً، أو عرقياً أو إثنياً، لتعبئة الشباب أيديولوجياً ليصار بعدها إلى تجنيدهم وتسويقهم بحسب ما يرتئيه هذا التنظيم”.
وأضاف الشريفي في حديث لموقع “الحرة”: “يمتلك داعش قدرة كسر الحدود بين الدول، وهو يناور بالموارد التي تتشكل لديه عبر حدود المنطقة، لذلك قد نجد لبنانيين يحملون أفكار داعش متواجدين في كل من سوريا والعراق، فالاعتماد على شباب بهذه الثقافة وهذه اللهجة يجعلهم أكثر مرونة في التحرك في ميدان لم يعد يقبل الوافدين من جنسيات أجنبية، وهذا سيرفع من منسوب التحدي والتهديد في كل من سوريا والعراق، أي بمعنى العودة مجدداً إلى حالة اللااستقرار أو إلى بؤرة لتهديد الأمن والسلم الدوليين”.
وبحسب الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب “لا يزال تنظيم داعش يستخدم ذات الوسائل في استقطاب الشباب منذ إعلان قيام (دولة الخلافة) في عام 2014 وذلك عبر التفسير غير الصحيح للآيات القرآنية لاسيما آيات الجهاد والقتال في سبيل الله، ويحركهم عبر عاطفة دينية غير واعية بهذه النصوص، وهو يصور العنف والقتل على أنهما جهاد”.
وزاد: “من هنا نسأل أين المؤسسات الدينية والمجمعات الفقهية في العالم العربي التي ترد وتفكك مثل هذه الأفكار؟”
وعن التغرير المادي أجاب أديب في حديث مسبق إلى موقع “الحرة”: “طبعاً المادة تلعب دورها لكنها ليست الأساس، فاستخدام العاطفة الدينية هو النموذج الأهم والأبرز، فعندما يتمتع الشباب بالوعي وتتكون لديهم مفاهيم إسلامية صحيحة لن يستطيع الإغراء المادي أن يؤتي أكله”.
واعتبر أديب أن “المجتمع الدولي حارب التنظيم من السماء عبر الضربات الجوية، بينما فشل في مواجهته على الأرض، ولم يبذل أي جهد لمحاربة أفكاره وخلاياه النائمة، الخاملة وحتى النشطة، ولذلك عاد التنظيم إلى ترتيب صفوفه وتجنيد الشباب”.
الخطف والإجبار
ومن الأساليب التي قد يستخدمها تنظيم داعش والجماعات المتحالفة له هو إجبار الأطفال على القتال وخطف الفتيات الصغيرات لاستغلالهن جنسيا، كما أوضحت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية في تقرير لها.
ففي أعماق الوديان الضيقة المليئة بالأحراش في جمهورية الكونغو الديمقراطية، نما بشكل سريع فرع محلي أشد “فتكا” لتنظيم، من خلال تجنيد الأطفال لتضخيم صفوفه، وصقل مهاراته في صنع القنابل وشن هجمات وحشية على القرى والكنائس والمرافق الطبية، من دون أن يجذب الكثير من الاهتمام الدولي.
وقالت الصحيفة في تقريرها المنشور في أغسطس الماضي إن “القوات الديمقراطية المتحالفة”، وهي مجموعة متمردة تعمل شرقي الكونغو وصنفت إرهابية من قبل الولايات المتحدة بعد مبايعتها لداعش، وسعت من عمليات تجنيد المقاتلين من أماكن أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط.
وتأسست “القوات الديمقراطية المتحالفة” قبل عقود في أوغندا المجاورة بهدف الإطاحة بحكومة ذلك البلد، الأمر الذي دفع في النهاية مقاتليها لعبور الحدود باتجاه جمهورية الكونغو الديمقراطية.
واتسعت طموحات الجماعة بعد اعتقال مؤسسها في عام 2015 وتولى زعيم جديد يدعى موسى بالوكو، مقاليد الأمور، الذي تعهد بالولاء لداعش في محاولة منه للحصول على التمويل.
وبالفعل بدأ تدفق الأموال لصالح المجموعة المتشددة بعد أن كادت تتوقف عن شن الهجمات.
ومنذ ذلك الحين، نفذت “القوات الديمقراطية المتحالفة” موجة من التفجيرات والهجمات أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين.
ففي يونيو الماضي، استهدفت المجموعة مدرسة بالقرب من الحدود بين أوغندا والكونغو، مما أسفر عن مقتل 41 شخصا، معظمهم أطفال أحرقوا وهم أحياء.
وروى طفل كونغولي، يبلغ من العمر 12 عاما، وفر من المجموعة طبيعة الأفعال الوحشية التي كانوا يقومون بها.
وقال الطفل إن مقاتلين قد أغاروا على بلدته، بولونغو، وقطّعوا والدته ووالده حتى الموت أمامه، ثم قبضوا عليه وشقيقه.
ويقول الصبي، الذي حجبت الصحيفة اسمه خوفا من تعرضه لأعمال انتقامية، إن مقاتلي المجموعة اقتادوه وشقيه إلى الغابة حيث تلقوا هناك تدريبات عسكرية تركزت على كيفية قتل الناس.
وكان الصبي من بين 11 من الهاربين الذين تمت مقابلتهم من قبل الصحيفة، حيث أكدوا أن أطفالا لا تتجاوز أعمارهم 10 أعوام يتدربون على القتال وأن الفتيات في الغالب يستعبدن جنسيا أو يتعرضن لاغتصاب جماعي أو يتم تزويجهن قسرا لأحد القادة.
وأكد الصبي أنه أُجبر على المشاركة في هجوم على قرية، حيث يذكر أنه شاهد صانع قنابل تنزاني يوجه تعليمات إلى مجندين آخرين بشأن المتفجرات.
وقال إن الصبي إن أحد قادة التنظيم هدده في إحدى المرات وقال له بالحرف الواحد: “أمك ماتت، إذا حاولت الهرب، فسوف تُقتل أيضا”.
وبشأن مواجهة أساليب داعش في التجنيد، قال فرغلي: “على الدول المعينة التي تواجه مثل تلك الأخطار، أن تسعى إلى حجب جميع الصفحات الإلكترونية ومكافحة الحسابات التي تروج للأفكار الإرهابية والمتطرفة”.
وتابع: “يجب أن تكون هناك مراقبة لصيقة ودقيقة في فضاء الإنترنت، لأن داعش يستغل صفحات تحت مسميات الدعوة إلى الوسطية أو الاعتدال، بيد أنها تحتوي في طياتها على فكر متطرف يدعو إلى قتل ومحاربة وتكفير الآخرين”.
وشدد فرغلي على “ضرورة أن يكون لدى الدول والحكومات جيوشا إلكترونيا تحت رقابتها لمواجهة الأفكار الداعشية ودحضها بالحجة والدليل والمنطق”.
Sorry Comments are closed